q

لم تحظ الدعوة التي اطلقها احد علماء المملكة السعودية للحوار مع من اسماهم : عقلاء الشيعة" بالنقاش الهاديء والعلمي، بل جرى الرد عليها بقسوة لما تضمنته حسب بعض الردود من" محاولة للغمز من دور علماء الشيعة والفصل فيما بينهم ".

فقد هاجم المرجع الديني الشيعي، آية الله ناصر مكارم شيرازي، هيئة كبار العلماء السعودية، بسبب الدعوة المنسوبة إليها حول "الحوار مع عقلاء الشيعة".

واستند شيرازي في بيان صادر عن مكتبه نقلته وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، إلى خبر منسوب على لسان "هيئة كبار العلماء"، تم نفيه بشكل غير مباشر لاحقا.

وتعود تفاصيل القضية إلى حوار أجرته صحيفة "المدينة" السعودية، مع عضو هيئة كبار العلماء، المستشار في الديوان الملكي، عبد الله المنيع.

المنيع الذي دعا إلى حوار مع "عقلاء الشيعة في المملكة والعراق"، فُهم من تصريحه أنه يتحدث باسم "هيئة كبار العلماء"، إلا أنه نفى ذلك، وأكد أنه يتحدث عن رأيه الشخصي فقط.

وبالعودة إلى شيرازي، فقد وصف المرجع الديني الشيعي الدعوة بأنها "متعجرفة وغير مهذبة، وتدل علي أنهم ليسوا على استعداد للدخول في حوار صحيح ومنطقي".

وتابع: "مع ذلك عندما يكونون على استعداد للدخول في حوار لحل القضايا العقائدية، وفي أجواء مهذبة ومنطقية، فإن علماء الشيعة مستعدون، وبشكل كامل، لعقد مثل هذا الاجتماع في العراق أو لبنان".

وأضاف: "الاجتماع يكون على أساس القرآن والسنة النبوية والدليل العقلي القاطع، لوجود أكثر من 70 آية في القرآن ترجح الدليل العقلي".

وأكمل قائلا: "نأمل عقد مثل هذا الاجتماع المنصف والعقلي، بهدف التخفيف من حدة الاختلافات بين الشيعة والسنة، وأن يساعد ذلك في وحدة المسلمين".

وكان المنيع قال في تصريحه لـ"المدينة" إن "هناك الآن محاولة وتهيئة لإيجاد حوار مع معتدليهم من المواطنين منهم في الأحساء والقطيف، أو حتى من شيعة العراق وإيران، أو أي بلد من البلدان التي فيها طوائف شيعية؛ لمحاورتهم وبيان الحق لهم".

وأضاف: "فكرة الحوار الآن قائمة في هيئة كبار العلماء، وهناك إعداد لبرامج حوارية على هذا الأساس، ونأمل أن يكون وراء ذلك خير، ولا شك أن العقلاء من الشيعة يؤمل فيهم الخير".

هذه التصريحات والردود عليها تكشف عن عمق الهوة اليوم بين علماء المسلمين سنة وشيعة (وغيرهم من بقية المذاهب)، وذلك بسبب الاوضاع السياسية الصعبة والصراعات المنتشرة في المنطقة والتي تأخذ للأسف ابعادا مذهبية رغم انها صراعات سياسية ولها ابعاد سلطوية.

ومن يراجع تاريخ العلاقة بين علماء المسلمين من كافة المذاهب يكتشف ان الحوار والتواصل كان قائما بينهم طيلة الالف واربعمائة سنة الماضية وان هذا الحوار كان يأخذ اشكالا مختلفة فكرية وثقافية وسياسية وفقهية، وبعض العلماء كان يتتلمذ على العلماء الاخرين من بقية المذاهب وكان هناك تبادل للآراء والافكار والكتب، كما اقيمت العديد من المؤسسات الحوارية ومؤسسات التقريب بين علماء المذاهب كافة، وصدرت الكتب والمجلات والدراسات التي توّثق لهذه الحوارات او للعناصر المشتركة بين كافة المذاهب.

لكن اين تكمن المشكلة اليوم كي يحصر احد علماء السعودية الدعوة للحوار مع " المعتدلين او عقلاء الشيعة" فقط وكأن بقية الشيعة هم من غير المعتدلين او المجانين او الذين لا يمكن اجراء الحوار معهم، ولماذا كانت ردة الفعل سلبية مع الدعوة ولم تتم مناقشتها بهدوء من قبل علماء الشيعة.

من الواضح ان اجواء التوتر السياسية والمذهبية هي السائدة اليوم والصراع السياسي يزداد ولا سيما بين ايران وحلفائها وما تمثل من جهة وما بين السعودية وحلفائها وما تمثل من جهة اخرى، وكل ذلك جعل العلماء من الطرفين يتحركون وفقا لهذه الاجواء بدل العمل من اجل فتح كوة في الجدار والبحث عن حلول سياسية وفكرية وفقهية للازمات القائمة.

وقد جرت في السنوات الاخيرة عدة محاولات من اجل ايجاد تواصل بين العلماء ومنها المؤتمر الذي عقد في تركيا قبل سنتين من قبل المؤسسة الدينية التركية الرسمية، كما عقدت مؤتمرات في القاهرة وقم وبيروت ومراكش وعمان وعواصم ودول اخرى وكل ذلك بهدف تعزيز الحوار بين علماء المسلمين، لكن كل هذه المؤتمرات فشلت ولم تحقق النجاح المطلوب، وهاهي النزاعات تتمدد وتزداد والتطرف ينتشر والصراعات تمتد من دولة الى اخرى.

ولعل اخر فصول هذه الصراعات ما يجري اليوم في البحرين من سحب لجنسية احد كبار علماء البحرين الشيخ عيسى القاسم وهو من الذين عرفوا باعتدالهم ومشاركتهم في وضع دستور البحرين، وان ردود الفعل على ما يجري في البحرين قد يؤدي الى اشعال المنطقة في حرب جديدة تشبه الحرب العراقية – الايرانية التي جرت بين عامي 1981- 1988 وادت الى نتائج خطيرة.

ومن هنا يجب التأكيد على الدعوة للحوار بين عقلاء السنة والشيعة اليوم قبل الغد وعدم الانتظار كثيرا بشرط ان لا يضع احد شروطا مسبقة لهذا الحوار، وطبيعيا فان المتطرفين والمجانين والحاقدين وغير العقلاء والمتعصبين لن يشاركوا في مثل هذه الحوارات ابدا لانه ليس لهم مصلحة في الحوار، فهل تتجدد الدعوة للحوار غير المشروط بين كل علماء الامة ام ان الخراب قادم وصوت العقل انتهى.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق