بعد أشهر من الحملة الانتخابية لمرشحيّ الرئاسة الاميركية من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري اصبحت هيلاري كلنتون مرشحة الحزب الديمقراطي، ودونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري وبذلك نكون بانتظار يوم الاقتراع 8 تشرين الثاني 2016 لنرى الفائز بالسباق الى البيت الابيض ليتم تنصيبه في 20 كانون الثاني 2017.
ومن خلال البرامج الانتخابية التي اظهرها كلا المرشحيّن نجد ان قضايا الشرق الاوسط عموما والخليج العربي خصوصا شغلت حيزا كبيرا في تلك البرامج في محورها المتعلق بالسياسة الخارجية الامريكية للمرحلة القادمة. لما تمثله هذه المنطقة من ساحة واسعة للتدخل وممارسة الدور في ظل معادلات الصراع الاقليمية والدولية، فضلا عن انها تشغل بال صانعي القرار الامريكي منذ عقود طويلة واشغلته أكثر خلال العقدين الماضيين.
الجديد في هذا السباق الانتخابي ان السياسة الخارجية اصبحت موضع التركيز المهيمن على حملات مرشحي كلا الحزبين، وهذا أمر غير اعتيادي في بعض النواحي. اذ لطالما عُدت السياسة الخارجية مجال الحزب الجمهوري، ومنذ عقود اظهرت استطلاعات الرأي العام ان الامريكيين يثقون في الحزب الجمهوري أكثر من الحزب الديمقراطي عندما يتعلق الامر بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية.
وعلى الجهة الاخرى لايمكن انكار ان هيلاري كلينتون حريصة ايضا على مناقشة السياسة الخارجية بعدّها وزيرة خارجية سابقة وهي بهذه السيرة تغلبت على مرشحي الحزب الديمقراطي في السباق التمهيدي للحزب فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. اذن كلا المرشحين يهتمون كثيرا في موضوعة السياسة الخارجية لبلادهم. وهذا يدفع بنا لمناقشة مواقفهم ورؤيتهم المستقبلية تجاه منطقة الخليج العربي.
لقد تنوعت قضايا السياسة الخارجية التي جرى مناقشتها في سباق الرئاسة الامريكي عام 2016 من حيث طبيعتها. اذ شملت هذه القضايا مسالة الامن مع الصين والقضايا النووية وشؤون السيادة في اوروبا الشرقية والتعامل مع روسيا والاتفاقات التجاري مع الاتحاد الاوربي ودول المحيط الهادي. ومع كل تلك القضايا بقيت مسالة الشرق الاوسط المهيمنة على الحملة الانتخابية ككل عبر التصريحات وابداء المواقف حيال الكثير من القضايا التي تلف المنطقة وفي مقدمتها الصراع الجاري وظهور تنظيم داعش الارهابي والتطرف المتصاعد والملفات العراقية والسورية واليمنية وهذه تتصل بمسالة مهمة اوسع نطاقاً وهي الاستقرار في الشرق الاوسط، وهنا اتصفت مواقف المُرَشَحيّن بالوضوح تجاه دول الخليج العربي وذلك عبر المواقع الالكترونية للحملة والمناقشات والظهورات الاعلامية. وهنا نحن نحاول الاجابة على تساؤل مهم مفاده:
ماهي نظرة كلا المرشحين هيلاري كلنتون (مرشحة الحزب الديمقراطي) ودونالد ترامب (مرشح الحزب الجمهوري) لدول الخليج العربي؟
ظهرت بعض التصريحات لمرشحيّ الرئاسة الامريكية خلال الحملة الانتخابية حول عدد من الموضوعات التي ترتبط بشكل مباشر وغير مباشر بدول الخليج العربي. صحيح ان هكذا خطابات قد لاتترجم الى فعل واقعيا، الا انها يمكن ان ترسم ملامح الخطاب الذي سيعتمده البيت الابيض بعد مرحلة تنصيب المرشح الفائز.
بدايةً نشير الى ان علاقة الولايات المتحدة الامريكية مع دول الخليج قديمة قامت على اساس التحالف الاستراتيجي في شؤون الاقتصاد والأمن فضلا عن السياسة الخارجية، كما ان تلك الدول ترتبط ارتباطا وثيقا بالولايات المتحدة الامريكية وهي –اي دول الخليج- لم تأل جهدا في تطوير علاقاتها مع حليفتها التقليدية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وقطر.
ومع حصول متغيرات سياسية وأمنية في منطقة الشرق الاوسط منها اسقاط أنظمة حكم وتنصيب اخرى، وتنامي ظاهرة الارهاب على ارض الواقع وتمددها، والاتفاق النووي بين مجموعة (5+1) وايران الذي دخل حيز التنفيذ الفعلي في 15 كانون الثاني 2016. كل هذه المتغيرات غيرت من وجهات النظر لكلا الطرفين تجاه الآخر حول القضايا الاقليمية الا انها لم تصل الى مرحلة التوتر في العلاقات على الرغم من المواقف الاخيرة لإدارة الرئيس اوباما في اتهام بعض دول مجلس التعاون الخليجي بدعم التطرف وعدم مراعاة حقوق الانسان من قبل المملكة العربية السعودية القطب الاكبر والاكثر تأثيراً بين دول مجلس التعاون الخليجي.
ووصولا الى مرحلة حملة الانتخابات الامريكية للمرشحين نلاحظ تصعيد من قبلهما تجاه بعض دول مجلس التعاون الخليجي مثل المملكة العربية السعودية وقطر الكويت حول الشؤون الاقليمية مثل دعم التطرف والحماية الامريكية وغيرها.
مواقف المرشحين لا يمكن فصلها عن توجهات الرأي العام الأمريكي والذي يُبرز مدى التراجع فيما يخص النظرة للسعودية التي تطغى عليها نزعة التعصب وإنتهاك حقوق الإنسان وتنفيذ عقوبات الإعدام بقطع الأعناق، فضلاً عن تدني مكانة المرأة، لكن الإنفاق الذي يمارسه اللوبي السعودي على شبكات العلاقات العامة في الولايات المتحدة، لازال يشكل عائقاً أمام الإقرار بهذه الإنتهاكات التي تعج بها أروقة الكونغرس ووسائل الإعلام. وتأتي تصريحات المرشحين في هذا الاطار.
اذ وصف المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" السعودية بالبقرة الحلوب التي تدر ذهباً ودولارات بحسب الطلب الأمريكي، وطالب النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروته كبدل عن الحماية التي تقدمها القوات الأمريكية لآل سعود داخلياً وخارجياً.
وقال ترامب: متى ما جف ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا بذبحها أو نساعد مجموعة أخرى على ذبحها وهذه حقيقة يعرفها أصدقاء أمريكا وعلى رأسهم آل سعود.
وخاطب ترامب النظام السعودي قائلاً: "لا تعتقدوا أن المجموعات الوهابية التي خلقتموها في بلدان العالم وطلبتم منها نشر الظلام والوحشية وذبح الإنسان وتدمير الحياة ستقف إلى جانبكم وتحميكم، فهؤلاء لا مكان لهم في كل الأرض إلاّ في حضنكم وتحت ظل حكمكم، لهذا سيأتون اليكم من كل مكان وسينقلبون عليكم ويومها يقومون بأكلكم ".
وبهذا يتصف خطاب ترامب بالفظاظة وسيكون خطاباته في حال فوزه بالرئاسة -حتى لو لم يترجم مباشرة إلى أفعال- مليئة بالتهديد بالحرب والعبارات القاسية والتباهي. كما انه ربما يؤشر ان فوز الجمهوريين بسباق الرئاسة الامريكية سيحرم السعودية ودول الخليج الاخرى من الحماية المجانية التي توفرها لها الولايات المتحدة الامريكية منذ نشاة هذه الدول.
ولهذا تستثمر السعودية لإستقطاب الحزب الديموقراطي الأمريكي عبر "مجموعة بوديستا" التي تقود حملة المرشحة الديمقراطية “هيلاري كلينتون” للإنتخابات الرئاسية، ما يقود إلى الإعتقاد بأنّ إختيار "بوديستا" -التي تتلقى نحو 200.000 دولار شهرياً من مركز دراسات الشؤون الإعلامية المرتبط بالبلاط الملكي السعودي مباشرة- يؤكّد تحمس السعودية لنجاح كلينتون التي تعوّدت على تلقّي الأموال من الرياض والتي تقدّرها صحيفة “وول ستريت جورنال” بين 10 ملايين و25 مليون دولار، مشيرة إلى أن الرهان على هذه الأموال في تحقيق إختراقات على مستوى دوائر القرار الأمريكي هو رهان منطقي بنظر الكثير من المراقبين.
مع كل هذا فان موقف هيلاري كلينتون ايضا حملت نبرة تصعيدية تجاه السعودية وقطر والكويت ودول الخليج الاخرى وتشابهت في ذلك مع ترامب في توجيه عبارات قاسية تجاه هذه الدول لاسيما في موضوعة التصدي لتنظيم ما يُعرف اختصارا بـ (داعش) الارهابي، الا انهم دعوا تلك الدول وغيرها في المنطقة الى بذل المزيد من الجهود في هذا الاطار.
اذ دعت المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون السعودية وقطر والكويت بمنع مواطنيها من مساعدة المنظمات المتشددة، وذلك غداة اعتداء أورلاندو. وقالت في خطاب لها بعد الحادثة في كليفلاند بولاية أوهايو "حان الوقت ليمنع السعوديون والقطريون والكويتيون وآخرون، مواطنيهم من تمويل منظمات متشددة ويجب أن يكفوا عن دعم مدارس ومساجد متشددة دفعت بعدد كبير من الشبان إلى طريق التشدد في العالم ". واضافت "قد يكون إرهابي أورلاندو مات، لكن الجرثومة التي سممت روحه لا تزال حية". وتابعت: "إن التهديد ورم متنقل وبوصفي رئيسة، فإن كشف هويات الذئاب المنفردة واعتقالهم سيكونان أولوية كبيرة " .
وهنا اصبحت دول الخليج العربي امام عبارات صريحة بعيدة عن الدبلوماسية وهي بمثابة رسالة لها للابتعاد عن سلوكياتها السياسية تجاه قضايا المنطقة وفي مقدمتها الارهاب وتدعوها الى اتخاذ اجراءات حاسمة بهذا الصدد، فضلا عن ضرورة اتخاذ اجراءات داخلية لنبذ ثقافة التطرف وعدم قبول الاخر.
كما ان تلك التصريحات تشعر دول الخليج العربي ان مكانتها كحليف تقليدي للولايات المتحدة مهددة بالخطر لاسيما مع الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة (5+1) والتي فتحت الباب واسعا لإيران لأن تبرز اكثر –سياسيا واقتصاديا- مع رفع العقوبات عنها وربما تتحول الى شريك للولايات المتحدة في مكافحة الارهاب لينسجم الجهد البري مع الجهد الجوي للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وهذا لايروق كثيرا لدول مجلس التعاون.
وهذه الرسالة قد استلمتها المملكة العربية السعودية بشكل واضح لذا تركت خلفها الخلافات الاخيرة الناتجة عن سعي الكونغرس الامريكي لإقرار مشروع قانون من شأنه أن يحمل السلطات السعودية المسؤولية امام المحاكم الاميركية عن أي دور في هجمات 11 ايلول 2001، وتهديد السعودية عبر رسالة نقلها وزير خارجيتها عادل الجبير الى بعض اعضاء الكونغرس الامريكي عادل الجبير قال فيها ان المملكة العربية السعودية ستكون مضطرة لبيع ما يصل إلى 750 مليار دولار من سندات وغيرها من الأصول التي تملكها في الولايات المتحدة قبل ان تتعرض هذه الاصول لخطر التجميد من قبل المحاكم الأميركية.
وفي هذا الاطار أكد ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل مغادرته الرياض متوجها الى الولايات المتحدة في 12 حزيران على عمق العلاقات بين البلدين مبينا ان المملكة لاتزال ترتبط ارتباطا وثيقا بالولايات المتحدة ونوه الى ان اختلاف وجهات النظر حول بعض القضايا الاقليمية امر طبيعي ولايرقى الى توتر العلاقات بين البلدين الذين تجمعهما مصالح مشتركة كثيرة على المستويين الاقليمي والدولي.
وفي الوقت ذاته تسعى السعودية لتطبيق "رؤية 2030" والهادفة الى بناء اقتصاد لايعتمد على النفط في العام 2030 عبر توسيع صندوقها السيادي ليصل الى اكثر من 3 تريليون دولار وتوسيع الاستثمارات التي يبدو أنها ستتدفق على المملكة للاستثمار فيها والاستفادة من سوقها الذي يُعتبر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط. وربما تعتقد.
اضف تعليق