اندحار داعش في الفلوجة، خبر زلزل الأرض تحت أقدام وعقول كل من اراد الأذى بالعراق وخطط لذلك سنوات وعقود بل دهور، لقد فشل المجرمون الدواعش من الاحتفاظ بالفلوجة، وانهزموا شر هزيمة، في الوقت نفسه، مع اعلان تحرير المدينة ورفع العلم العراقي فوق البناية الرسمية لها، انطلق فرح عارم وعمَّ قلوب العراقيين ومن يحبهم ويدعمهم، إلا أولئك الذين تنقصهم المروءة والحكمة والانسانية، أولئك الذين يستأسدون على الاطفال والنساء والشيوخ، ويمدون شذاذ الآفاق والمنحرفين بالأموال والسلاح، أولئك عاشوا الهوان والذل، وذاقوا مرارة الهزيمة هم ومن يقف معهم من الأشرار.
أما الشعب العراقي فقد احتفل بنصره العظيم، واستذكر كل قطرة دم سالت من شهدائنا الأبرار، وقدموا النصر في الفلوجة هدية الى الشباب الذين قدموا ارواحهم فداءا لتحقيق العراقي النصر الناجز، مع الفرار الجماعي للدواعش قادة وافراد وجماعات شاذة فضاقت الأرض الواسعة بهم، باحثين عن جحور ظلماء يلوذون بها من ضربات الأبطال العراقيات وهي تلحق بهم نبال الموت الزؤام.
كم راهن أعداء العراق والانسانية، على بقاء الفلوجة رمزاً لداعش، وبؤرة للإرهاب والتطرف، وكم تبجحوا وأعلنوا مرارا وتكرارا، أن الفلوجة، لم تعد عراقية، وأنها انسلخت من أرضها العراقية الأم الى الأبد، وكم تهامسوا وتكتموا وحلموا وصرخوا (وبوَّقوا)، معلنين أنهم باقون في الفلوجة الى الأبد، وكم كان صبر العراقيين طويلا وحكيما.
تقول معلومات وردت من مصادر مستقلة، بشأن تعقيدات ساحة المعركة في الفلوجة، بأنها تحولت الى مدينتين، واحدة فوق الارض - البنايات والعمارات والشوارع والاحياء السكنية والاسواق والسيارات والناس- وأخرى تحت الارض، وهي مدججة بالمعدات العسكرية والذخيرة والآليات العسكرية والعبوات الناسفة والألغام بكل الاحجام، مع شبكة أنفاق معقدة، قد تحتاج القوات العراقية الى سنوات لاستعادتها!.
هكذا صوروا الفلوجة كواقع حال، وهي بالفعل كانت كما رسموا وصرحوا، تُرى كيف تحقق النصر على زمر الارهاب المتكتلة في مدينة من (طابقين) علوي وسفلي، في الحسابات العسكرية نلاحظ ان الأيام المحصورة بين وقت اعلان البدء بتحرير الفلوجة على لسان رئيس الوزراء حيدر العبادي، وبين اعلان تحريرها على اللسان نفسه، لم يستغرق سوى أيام يمكن أن نعدّها على اصابع الكفّين؟ فأية قلعة وأية اسطورة؟؟ وأي مقاتلين مكبلين بالخذلان والهزيمة؟، في مقابل الإيمان العظيم الذي يحمله المقاتل العراقي الغيور المؤمن بحتمية اعادة الفلوجة الى أحضان الأم، وقد تحقق هذا فيما يشبه الإعجاز، لدرجة أغاض معها أولئك الذين لا يرغبون أن يشاهدوا الانتصارات العظيمة وهي تتحقق بأيدي عراقية.
لطالما شككت دوائر مخابراتية، وبؤر اعلامية مدسوسة، ودول كبرى وذيول تابعة لها، بقدرة العراقيين على استرجاع الفلوجة وغيرها من مدنهم المغتصبة، ولكن الذي أذهل الجميع هو ما حدث من نصر كاسح ومؤزر على الارض، أسقط جميع الأساطير التي تم حياكتها بعناية أساليب مدربة على الدس والكذب والخداع وتثبيط الهمم من خلال فبركة الاخبار وتضخيم قدرات الدواعش التي أظهرت الاحداث مدى جبنهم، فالعراقيون يعرفون من يقف وراء الدواعش ومن صنعهم ومن موَّلهم ومن اوصلهم الى الفلوجة، والى باقي المدن العراقية التي لا تزال مدّنسة بفكرهم وتطرفهم التكفيري ووجودهم الكريه في الموصل وقصباتها واطرافها.
اليوم تعود الفلوجة الى موطنها وأرضها الأم، وانتهت اسطورة داعش ومن يقف وراءها ويدعمها ويمولها بالمال والمعنويات، نعم لقد انهاروا جميعا، فيما تتوالى انتصارات العراقيين على الارض نصرا تلو آخر، وترتفع المعنويات الى اقصاها، وتنتعش بوادر الأمل وتضيء مصابيح الحاضر والمستقبل امام العراقيين جميعا وخاصة الشباب منهم.
هذا النصر العظيم لابد أن يكون نقطة انطلاق لتحقيق النصر المعنوي الكبير للعراقيين، وتحقيق التقدم الناجز في ميادين السياسة والاقتصاد والتعليم، ورص شرائح المجتمع العراقي كله في علاقات حميمة جديدة قوامها التكافل والتعاون ونشر الفكر الحر وبث القيم العظيمة التي تجعل من نصر الفلوجة بداية لانتصارات مماثلة، تطرد الدواعش ومن يقف معهم ويدعمهم خارج حدود العراق، وتبدأ بخطوات اصلاحية مباركة وعظيمة ومتوالية.
نعم انتصرنا في الفلوجة، وها نحن نعيش لذة الانتصار، ولكن الامر لا يتوقف عند هذا الحد، نريد أن نحتفظ بهذا النصر، ونستثمره كي يتحول الى انتصار مستمر ومتصاعد في حياة العراقيين، فإذا اتفق السياسيون على حل خلافاتهم وتطبيق الخطوات الاصلاحية فعليا على الارض، واذا انتهت عصابات الفساد وبوادره خصوصا في الدوائر والمؤسسات الحكومية، واذا تغيّرت السياسات الداخلية لصالح الشعب وبناء الدولة، واذا رافق هذا النصر العظيم تغيير جدي في مؤسسات الدولة، وتم بث وتثبيت روح الاستقلال فيها، واستمرت بأدائها المستقل عن السلطة، عند ذاك فإن نصر الفلوجة سينعكس على العراق كله، وهذا هو الذي يريده العراقيون اليوم، انهم لا يريدون نصرا ينتهي بعد أيام وشهور، فالنصر الحقيقي هو عندما تتغير حياة العراقيين بصورة فعلية نحو المدنية والمساواة وادارة الدولة دستوريا.
وهذا ليس بعصيّ او مستحيل على الارادة القوية التي هزمت أعتى العصابات الاجرامية من الدواعش المنحرفين، في الفلوجة وقبلها الرمادي وتكريت، واليوم بدأ صفحة تحرير الموصل، وسوف تستمر سلسلة الانتصارات، ولكن لا يريد العراقيون نصرا قابلا للزوال او النسيان، النصر الذي يريده العراقيون نصر أزلي يعكس انتصار الفلوجة على الواقع الاداري المدني للدولة، هذا هو الانتصار الحقيقي الذي لا يمكن للأعداء أن يطفئوا مصابيح فكره الوضاء.
اضف تعليق