اكثر من عام وثلاثة اشهر من القصف الجوي والهجمات البرية والبحرية على اليمن، من دون ان يحقق التحالف العربي بقيادة السعودية اي نتائج ملموسة على الارض، فالحوثيون لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء ومدينة عدن تترنح بين تهديدات تنظيم القاعدة وداعش والخلافات المتصاعدة بين دول التحالف العربي.
دولة الامارات احدى اهم حلفاء السعودية في حربها ضد اليمن استبقت نتائج محادثات السلام في الكويت واعلنت عن انتهاء مهمة قواتها في هذا البلد. هذا الاعلان الاماراتي جاء على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، الذي كان يتحدث في ديوان نائب حاكم إمارة أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد؛ حيث أشار بوضوح إلى نية حقيقية بعدم مواصلة القتال في اليمن، بقوله أن الإمارات ترصد الترتيبات السياسية على هذا الصعيد في الوقت الراهن، وأن دور بلاده الأساسي في اليمن صار يقتصر على تمكين اليمنيين في بعض المناطق.
بالنسبة للاماراتيين فان الحرب في اليمن قد انتهت عمليا ومشاركتها في التحالف العربي تبدو كذلك، فقد نقل الحساب الرسمي للشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عن قرقاش قوله "موقفنا اليوم واضح فالحرب عمليا انتهت لجنودنا". وحماسة ال نهيان تؤكد ان هناك ترتيبات داخلية ورغبة مسبقة للانسحاب، نتيجة لعدة اسباب رسخت القناعة الاماراتية بالانسحاب وهي كالاتي:
* تصاعد الخسائر العسكرية للقوات الاماراتية التي لا تريد فتح صفحة من الاحتجاجات الداخلية ضد عملية ارسال جنودها للخارج، لتصبح هي ثاني أكبر دولة من حيث الخسائر في الأرواح بعد السعودية، حسبما هو معلن من بيانات رسمية. كما يتزامن توقيت الإعلان الإماراتي مع مجموعة من الخسائر، منها ما اعلنه التحالف العربي للحرب على اليمن في الثاني عشر من حزيران الجاري عن سقوط مروحية اماراتية ومقتل طيارها ومساعده دون ان يحدد مكان سقوطها. وهذه هي الطائرة الإماراتية الثالثة التي تسقط منذ بداية العام، بعد تحطم طائرة منتصف الشهر الماضي خلال تدريبات داخلية، إضافة إلى سقوط طائرة "ميراج" فوق عدن منتصف شهر آذار/مارس الماضي.
* تزايد مستوى الادانات الدولية للتحالف العربي، فبعد ادراج الامم المتحدة اسم التحالف السعودي على القائمة السوداء للدول التي تنتهك حقوق الاطفال؛ ظهر الغضب الامريكي من دعم الدول الخليجية للجماعات المتطرفة بعد هجوم اورلاندو وخاصة التصريحات غير المسبوقة لمرشحة الرئاسة الامريكية عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون عقب هجوم اورلاندو، وهددت صراحة دول الخليج بضرورة ايقاف دعم الجماعات المتطرفة وقالت في خطاب في كليفلاند بولاية أوهايو بان الوقت قد حان ليمنع السعوديون والقطريون والكويتيون وآخرون مواطنيهم من تمويل منظمات متطرفة. وطالبت ايضا بان يكف الخليجيون ومن ضمنهم الامارات عن دعم مدارس ومساجد متطرفة دفعت بعدد كبير من الشبان على طريق التطرف في العالم. وقد فهم الاماراتيون ان ادانة السعودية وحلفها آتية لا محال رغم تراجع الامم المتحدة عن وضعه في القائمة السوداء نتيجة تهديدات سعودية، لكن مع تصاعد الهجمات الارهابية لا يبدو ان دول الخليج في مامن من موجات الادانة الدولية، وبالتالي قد تحاول الامارات الخروج من هذا المازق قبل .
* تراكم الخلافات الاماراتية السعودية منذ بداية الحرب على اليمن، فبعد اقالة خالد بحاح نائب الرئيس اليمني والذي يعد من اكثر الموالين للامارات؛ دشنت السعودية محادثات مع الحوثيين في الكويت والتي لم تصل الى اي نتائج حتى الان، بالاضافة الى دخول الرياض في مفاوضات مباشرة مع الحوثيين ووصول وفد رسمي الى السعودية لاجراء محادثات هناك. وفي نهاية شهر شباط من العام الجاري أعاد وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، تغريد مقوله على موقع "تويتر" للمعارض السعودي حسن فرحان المالكي، والتي تصف المجتمع السعودي بأنه تربّى على ثقافة جنائزية لا تتحدث إلا عن الكفر والحرام، متهمًا ثقافة السعوديين بأنها معادية للحياة، وتحتقر الإنسان، وتدعم الاٍرهاب. وهو ما دفع السعوديين إلى تدشين هاشتاج مُعادٍ للوزير الإماراتي، واتهموا قيادات في دولة الإمارات بأنهم يريدون أن يلعبوا دورًا أكبر من حجمهم في الشرق الأوسط.
الامارات تمثل الحليف الاقوى للسعودية في حربها على اليمن وانسحابها يعني المزيد من المتاعب للرياض التي ذهب اميرها الطامح محمد بن سلمان للولايات المتحدة لحشد الدعم الاقتصادي لخطة "رؤية السعودية 2030"، حيث تقول وسائل اعلام سعودية ان بن سلمان يلتقى رؤساء شركات ومؤسسات مالية أمريكية، لبحث كل ما من شأنه خدمة برنامج الذي طرحه الأمير الشاب لرؤية المملكة للسنوات القادمة في تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط كمصدر أساسي.
الخلافات والهوة المتسعة بين الإمارات والسعودية بقيت منذ بداية الحرب على اليمن تشكل عائقًا أمام تقدم التحالف واستكمال بعض العمليات، حتى إنها وصلت لمرحلة فقد الثقة وتبادل الاتهامات، مثلما حدث في معركة تعز التي فر خلالها مئات العناصر التابعة للتحالف العربي، لكن قرار الانسحاب الاماراتي يبدو انه سيمثل نقطة تحول في المسيرة البائسة للتحالف السعودي، فالساحة اليمنية ليست ساحة الحرب الوحيدة للرياض وانما تمثل احدى جبهات الحرب الكبيرة مع ايران وانسحاب الامارات في هذا التوقيت يسقط اهم اوراق الرياض للضغط على طهران.
التساؤلات تتسابق حول مصير العلاقة بين الامارات والسعودية لكن التساؤل الاهم يتمحور حول علاقة ابو ظبي بالجار الاقتصادي الايراني وهل ستتراجع عن تصعيدها السياسي ضد الجمهورية الاسلامية، لا سيما مع التراجع الاقتصادي الخليجي بعد انهيار اسعار النفط، وما هو موقف السعودية في الايام المقبلة وامكانية تجاوز هذه الازمة ام انها ستكابر وتاكد ان التحالف السعودي بخير. وماذا عن مصير التحالف الاسلامي الثلاثيني؟ ربما يكون على السعودية نزول سلم التصعيد قبل فوات الاوان، ان كان هناك من يستطيع التمييز بين الانسحاب والهزيمة.
اضف تعليق