العراق بلد متعدد الاديان والطوائف والمذاهب والقوميات، ومعروف ذلك على مدى تاريخه العريق، وقد اقر الدستور العراقي ذلك التنوع والتعدد في فقراته، وعلى هذا الاساس اقيمت العملية السياسية في العراق ما بعد 2003، اذ أن نظام الحكم في العراق هو النظام الجمهوري الديمقراطي التعددي الاتحادي، والديمقراطية في النظام السياسي العراقي هي الديمقراطية التمثيلية البرلمانية، أي يتم اختيار وانتخاب أعضاء البرلمان من قبل الشعب ليمثلوه في العملية السياسية، وهذا هو حكم الشعب غير المباشر في النظام الديمقراطي البرلماني.
وقد أفرزت العملية الديمقراطية في العراق ظهور أو بروز المكونات الاجتماعية والسياسية المتعددة التي كانت غائبة في التمثيل السياسي والحكومي قبل التغيير، واتضح التمثيل السياسي بصورة جلية، اذ مالت كل فئة او مكون لانتخاب من ينسجم مع توجهاتهم الدينية والقومية والحزبية والمذهبية، وهذا ما أنتج بحد ذاته ظهور وتكون الفكر الطائفي والمحاصصة السياسية والتوجه الحزبي والمناطقي الضيق. ولست هنا في مجال تناول تلك الظاهرة، لأن الجميع يؤمن ويعرف ان العراق مجتمع مكونات متعددة، ولهذا يصفه البعض بالفسيفساء، لتنوع وتعدد ألوانه ومكوناته، وما أجمل وحدته وتكاتفه وتماسكه في الافراح والاتراح، وفي السراء والضراء.
لست من الذين يعشقون الطائفية ولا الطائفة، ولا الحديث فيها أو عنها، بقدر ما يهمني البحث في الوجود الانساني، والاهتمام بكينونة الفرد وكرامته، وبما اننا اتفقنا منذ بداية الحديث ان الدستور والواقع والتاريخ العراقي يثبت تعدد مكونات المجتمع وأن لكل مكون من يمثله من الاشخاص والاعضاء في الدولة، بسلطاتها الثلاث، فإنني أود الحديث عن من يمثل المكون الشيعي في العملية السياسية، بوصفه أحد مكونات الشعب والمجتمع العراقي.
يمثل التحالف الوطني، الممثل الرئيس للمكون الشيعي في العملية السياسية بعد التغيير، الى جانب التحالفات السياسية الاخرى من سنية وكردية ومسيحية وتركمانية وأيزيدية، ومكونات أخرى، ومن المنطقي ان يكون من يمثل جماعة أو فئة أو مكون ما في أي مجال من المجالات السياسية والحياتية والاجتماعية، أن يكون قريب ممن يمثله، وأن يعيش همومه، وأن يتلمس أفراحه وأحزانه، وأن يكون معهم في الشدة والرخاء، لأن تلك الجماعة قد رشحت وانتخبت واختارت من يمثلها من الاشخاص في الدولة، ويكون لسان حالها، والمعبر عنها، والمطالب بحقوقها والمدافع عنها ساعة الحق، وهذا حال جميع من يمثل المكونات في البرلمان والحكومة، بمختلف مكوناتهم وتنوعاتهم، لأننا وضعنا الجماهير وضعت ثقتها بهؤلاء الاشخاص والاعضاء والاحزاب السياسية، وفق ما تتعامل به الدول المدنية في العالم اليوم، والدول الديمقراطية تحديداً.
وضع افراد وابناء المكون الشيعي ثقتهم بالتحالف الوطني وأعضائه وأحزابه، ليكون أميناً على أصواتهم وحقوقهم ومطالبهم، كما وضع أبناء المكونات الاخرى ثقتهم بمن يمثلهم من الاعضاء والاحزاب، ولكن حين نأتي لملاحظة وملاحقة واقع التحالف الوطني وأمانته نجده فاقد للأمانة والمصداقية، ولم يحمل الامانة ويؤديها بأدنى صورة، وكان اشد ظلماً على من يمثلهم، وأكثر من يضيع حقوقهم ويسرق مطالبهم، وأقرب للخيانة والنفاق لجماعته من الغير، وأكثر مجاملة ونفاقاً مع الغير، من الاحزاب الاخرى، ويحاول التملق لهم والتقرب منهم، أما من يمثلهم من مكونه او ممن وضع ثقته به، فهم افراد من الدرجة العاشرة في القرب والدفاع عنه وعن حقوقه.
والكلام الذي يصدق على خيانة التحالف الوطني واحزابه ومجاملته ونفاقه قد يصدق على التحالفات الاخرى مع مكوناتها، فتجد تلك الاحزاب والتحالفات السياسية قد خذلت جماهيرها ايضاً، ولم تعد خير من يمثلها، وينوب عنها في الملمات والمحن، وهذا ما نلاحظه بصورة جلية أيضاً، وما تعبر عنه الجماهير الساخطة والناقمة من قادتها وأحزابها السياسية في التظاهرات او الكتابات التي تنشر في الصحف والمجلات، او الآراء التي نشاهدها ونسمعها من الاشخاص في القنوات والاذاعات، وقد اكتفت تلك الاحزاب والتحالفات بالتعبير والتمثيل عن نفسها خير تمثيل، لمصالحها الحزبية والذاتية الضيقة، والدفاع عن مكاسبها الشخصية التي ادت بالبلد ما احدثته من دمار وانهيار للعملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأدخل البلد في حروب وأزمات ومحن لا مخرج منها الا برحمة من الله وعون.
لقد أذاق التحالف الوطني الفئة التي يمثلها الويل والمحن والمصائب، ولذلك تجده بعيداً كل البعد عن جماهيره وناسه، ولم يقترب منهم الا في ساعة الانتخابات، أو حين يتعرض البلد لمحنة او هلاك، اما في اوقات الرفاه والفرج فلا روح ولا ريحان ولا جنة نعيم، وانما هي خالصة للأحزاب والتحالفات والجماعات المتنفذة، وللعامة السقم واللعنة والجحيم. ولم يتغير حال المواطن الفقير الى الافضل والاحسن بل الى الأسوأ والارذل، فها هي مدن المكون الشيعي تزداد بؤساً وفقراً وقهراً ومرضاً وتخلفاً، ومدن الساسة والاحزاب عامرة بالخيرات والاموال والرفاه، هم وعوائلهم ومن يتبعهم من الحاشية والمتملقين. فلم السكوت، والى متى الصبر على ذلك الحال المزري والواقع المقيت الذي لا انفراج له ولا فرج؟
جماهير التحالف الوطني، الذين يمثلون نسبة كبيرة من الشعب، هم الاكثر ضرراً ومظلومية من قبل اعضاء وأحزاب التحالف الوطني الذي يمثلهم، المنغلق على ذاته، والغارق في ملذاته وشهواته، ويدفع بأبناء مكونه الى الموت والجحيم ليخلوا لهم الجو ويعيشوا ما تبقى من حياتهم على جماجم ابناء ذلك المكون ودمائهم الطاهرة، ولكن لن تدوم تلك الحال ولن يسكت الشعب على ذلك الحال، لأنه طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، ولن يسكت من سُرق حقه، وضاع وطنه، وسحق شرفه، من قبل جماعات تستغل طيبته، وتمثل عليه دور الشريف والنزيه والامين، وحقيقته الخيبة والخسران والفساد والكراهية. وها هو التحالف الوطني يعيش اليوم حالة من التشظي والانقسام في صفوفه، والاحباط السياسي والشعبي، وقد خسر شعبيته، بسبب سياسة الانزواء والابتعاد عن جماهيره الغفيرة التي رفعته مكاناً علياً.
لم يتغير واقع المكونات الاجتماعية والسياسية التي كانت مهمشة قبل التغيير، نحو الاحسن والافضل، بل تعرضت الى اهتزازات وانهيارات وانكسارات كبرى، بسبب أحداث وكوارث ومحن ألمت بالبلد وبجميع مكوناته، ومن جراء السياسات الخاطئة التي تم ممارستها من قبل الاحزاب والتحالفات، وبفضل سياسة الاجندات الخارجية التي تتحكم بوضع البلد وشؤونه الداخلية، وهذا ما يمثل نقطة الضعف الاقوى في انهيار العملية السياسية في العراق، اذ لا توجد سياسة وطنية خالصة، وانما مخططات جاهزة تُصنع في غرف ومطابخ سياسية، على المسؤول والسياسي تطبيقها بشتى الطرق والاساليب، وبقائه في السلطة مرهون بخدمته لمن جاء به الى السلطة من الجهات المتنفذة والحاكمة، والتي تموله بالمال والسلاح والافكار. فمتى يخرج المارد من قمقمه ليخرج للناس ملبياً طلباتهم ومحققاً أحلامهم وطموحاتهم، وليقل للشعب شبيك لبيك ها انا بين يديك؟ وما أظن ذاك الأمر قريب.
اضف تعليق