حسب ما تقول تغريدات بعض نشطاء موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" من العراقيين المشهورين فان عدد الحسابات العراقية في الموقع المذكور قفزت الى مستوى غير مسبوق معلنة رفع العلم العراقي على السواتر الامامية للوحة المفاتيح الداعشية المعادية للعراق.
الهجوم العراقي الالكتروني كان عبر محورين: المحور الأول عبر "الفيس بوك" والذي تغلب عليه السيطرة العراقية ما يعني ان الهجوم منه قليل الفاعلية، والمحور الثاني عبر موقع "تويتر" والذي يتميز بكثافة النيران الداعشية وانتشار الهاشتاقات ذات الدقة العالية في التصويب نحو الهدف العراقي مستفيدة من الاسناد الناري القادم من شخصيات إعلامية كبيرة كثفت هجماتها مع انطلاق معركة الفلوجة، والتي غلب عليها استخدام استطلاعات الراي العام، ولا عجب ان يكون صحفيو قناة الجزيرة القطرية على قائمة المساندين لداعش بصراحة تامة.
بعض النشطاء أطلقوا تسمية "الهجرة العراقية الى تويتر" والتي اقتبسنا منها هذا المقال، والهاشتاقات العراقية تصدرت تويتر بحسب اخر الاخبار، لتجبر العاصفة العراقية الالكترونية رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لإعلان دعمه للنشطاء المساندين للقوات العراقية في المعركة الجارية الحالية لتحرير مدينة الفلوجة من تنظيم داعش الارهابي. وقال العبادي عبر حسابه في موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي الخميس 26 مايو/ أيار: " كلنا يد واحدة لتحرير الفلوجة وإنقاذ أبنائها الأعزاء من إرهاب داعش، وتحية لشبابنا الداعمين للتحرير". واستخدم "أكثر هاشتاغ تداولا في العراق" مؤخرا من قبل النشطاء والمتابعين لأخبار العراق وهو #الفلوجة_تتحرر، بحسب موقع روسيا اليوم.
وبقرار مناقض لتغريدة حيدر العبادي قررت وزارة الاتصالات العراقية إيقاف مواقع التواصل الاجتماعي في العراق لأسباب لا يعلمها الا الله، كما عودتنا الحكومات القمعية التي لا تثق حتى بمن يساندها ويساند قواتها المرابطة للدفاع عن البلد، فالحكام العرب يخافون المد الشعبي المستقل والباحث عن سلوك سياسي يتناغم مع التطلعات الوطنية، وهناك ما هو اكبر من هذه العموميات، فقد لاحظت في بعض الحسابات التابعة لبعض مسؤولي الدولة الكبار، يشككون في هذه الحملات الإعلامية على تويتر لمواجهة داعش واسهبوا في الحديث عن نظرية مؤامرة تحاك ضد الحشد الشعبي!.
والواقع ان هذه الحملة الشعبية هي مؤامرة حقيقة لكنها مؤامرة شريفة تحاول سحب البساط ممن يتاجرون باسم الحشد الشعبي وباسم الدفاع عن البلد وسلامته امام الاخطار الخارجية، فتجارة التصريحات الوطنية لا سيما الطائفية منها ذات مردود سياسي عالي، حتى ان بعض السياسيين أصبح اقتصادهم يعتمد على ريع هذه التصريحات.
وبغض النظر عن السياسات الحكومية العراقية التي لا تستطيع التمييز بين العدو والصديق، فان الاجتياح العراقي لأوكار داعش في تويتر والتغطية الإعلامية التي حظيت بها من قبل مؤسسات إعلامية كثيرة، يعزز الدعوات السابقة من قبل خبراء الاعلام على ضرورة الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج للهوية العراقية. فالدخول بهذه القوة الى مجال الاعلام الالكتروني وهو فضاء واسع وسريع الانتشار والتأثير سيعطي نتائج إيجابية ويحقق مالم يحقق الاعلام التقليدي العراقي من صحف واذاعات وتلفزيونات، كونها تخضع للإرادات الحزبية الخاضعة للتوجهات الخارجية او ان بعضها يعاني من عدم وجود خطط ذات ابعاد كبرى تمكنها من مجارات أمواج الاعلام الوافد.
وحتى لا نغرق في وهم النجاح لا بد لنا من نقد التجربة العراقية في الهجوم الالكتروني ففيها من السلبيات الكثيرة، وعلى سبيل المثال لاحظنا وجود دعاية دفاعية اكثر من كونها تهاجم الخصم، إذ تعتمد على رد الشبهات التي يطلقها مغردون خليجيون مناصرون لداعش، وهذا يمثل فشلا ذريعا، ففي المنظور الإعلامي يكون التأثير للمعلومة الأولى اكثر من محاولة دحضها، وخاصة مع الفئات الاجتماعية ذات الثقافة المتوسطة او ما دونها. وبالتالي تحتم هذه المسالة على المغردون العراقيون ان يكونوا هم أصحاب المبادرة ويشنوا الهجوم على العدو في عقر "حسابه".
اننا نعيش اليوم في العالم الرقمي والهواتف الذكية؛ فحتى الصحف العالمية المرموقة أدركت اهمية الدخول في الفضاء الالكتروني منذ بدايات اكتشاف الشبكة العنكبوتية كما الغت بعض الصحف العالمية طبعاتها الورقية واكتفت بالنسخ الالكترونية مثل صحيفة الاندبندنت البريطانية التي اعلنت في شهر شباط الماضي الغاء طبعتها الورقية والاعتماد على النسخة الالكترونية فقط وتبعتها في ذلك صحيفة "الباييس" الإسبانية ذات الانتشار الواسع. وهناك الكثير من الصحف الاجنبية والعربية التي تتخذ من الفضاء الالكتروني ادة لعرض منتجها الاعلامي ولهذه الصحف جمهور كبير جدا ، وبالتالي فان العالم الرقمي اسهل طريق نحو العالمية لما يتميز به من قلة التكاليف وسعة الانتشار.
عالم اليوم الذي تسوده الصورة اكثر من اي شيء يختلط فيه الواقع بالخيال والمصداقية بالتضليل فيصبح امتلاك قضية سامية غير كاف لنجاحها بل ان القضية بحاجة الى منبر يخاطب العقول ويستميل القلوب وهذا المنبر لا يصنعه مقدم برنامج يشتم الاعداء صباحا ومساء فهذه الاساليب تحطمت تحت رحمة المد الاعلامي الرقمي الذي يتخذ من العالمية هدفا له، ومن ثم فنحن اليوم بحاجة الى مصارحة مع الذات والبحث عن التسويق لقضيتنا الاساسية بين ثنايا اخفاقنا المتواصل بالحرب الناعمة في ظل الانتصارات العسكرية المتواصلة ضد معسكر الارهاب والتكفير ولا يمكن ذلك الا من خلال الاستفادة من التحولات في عالم الاعلام ومحاولة الصعود في ركب هذا العالم الرقمي.
الحرب الشرسة ضد عصابات داعش الارهابية، يتفق اغلب المختصين في المجالين الامني والاعلامي على ان ساحتها الاكبر هي الفضاء الاعلامي المفتوح واهمها مواقع التواصل الاجتماعي، وما يحتاجه العراق في هذه الحرب هي المراجعة الجذرية لأساليب الترويج الاعلامي من اجل اللحاق بركب الفضاءات الاعلامية الافتراضية، ونتمنى ان تكون الهجرة العراقية الى تويتر هي البداية للهجرة عن الأفكار القديمة وبناء الذات العراقية في فضاءات العالم بعيدا عن محطات انتظار مبادرات الاخرين.
اضف تعليق