صار موت المدنيين العزل من أبناء العراق مشهدا شبه يومي يتكرر دون معالجات فعالة تحد من نزيف الدم المستمر والانتهاكات الصارخة للحد من تسونامي العنف ضد الشعب العراقي، تارة بالتفخيخ والاغتيال مع تكرار الانتكاسات الأمنية، وتارة اخرى بجرائم العنف التعسفية كما حصل مع متظاهري يوم الجمعة الذين قتلوا بالرصاص الحي في مشهد غير مسبوق على الساحة العراقية منذ التغيير النظام الشمولي والى اللحظة الراهنة، مما ينذر بعودة الدكتاتورية الى العراق الديمقراطي الوليد، لتكشف هذه المآسي واقعاً قاسياً ووضعا حياتيا وأمنيا يزداد سوءا مسببا معاناة مستمرة لكل العراقيين.
ان انتهاج ممارسات إجرامية تصل الى حد القتل من دون داعٍ والعنف غير المبرر والقمع المتواصل لأسباب واهية، تجسد أسوء الانتهاكات الصارخة بحق الكرامة الإنسانية، فقد اثارت قضية مقتل المتظاهرين سخطا شعبيا ضد قوات السلطات في بغداد، ما اعتبروه "استهتارا" بحق العراقيين، كما عبرت منظمات معنية بحقوق الإنسان عن قلقها من العنف الدموي الذي يستهدف المتظاهرين في العراق.
إن استهداف المتظاهرين في العراق بهذه الطريقة البشعة يعزز ما طالب به الشعب من مطالب مشروعة، لذا من الواجب على السلطات توفير الحماية لهم وحافظ حقوقهم وكرامتهم، وتضع حدا لاستهدافهم، فضلا عن اهمية ردع العناصر الامنية التي لا تعي واجبها بشكل صحيح، أو انها بحاجة لمعرفة حقوق الانسان والتدريب على التعامل الانساني مع الجميع.
على الحكومة ان تضع ضوابط جديدة لحمل السلاح.. وان تعجل سريعا بملف اخذ القصاص من مرتكبي جرائم القتل وان يعرض ذلك على الرأي العام عبر وسائل الاعلام بكل مفاصل المأساة. وذلك لكي تكون درسا للجميع، وكي يتعظ منها من لا يريد أن يقع في مثل هذا الخطأ القاتل.
ان لحياة الانسان وكرامته حرمة مقدسة، فهذا الامر لا يتعلق فقط بالتربية العائلية او المجتمعية، وانما هو جانب مهني يجب أن يتدرب عليه العنصر الامني ويدخل دورات تؤهله ثقافيا كي يكون يحمي الناس ولا يقتلهم.
السؤال المهم الان هو كيف يخرج المجتمع العراقي من دوامة العنف وسط اعتداءات سافرة باتت تشكل هاجسا مرعبا لكل العراقيين، الجواب هو العمل بجهد جهيد لبناء المجتمع من خلال نبذ العنف والتطرف والقبول بالآخر واحترام الراي والتعدد والاختلاف وما شابه، من أجل بناء دولة مؤسسات قوية تحترم القانون من لدن الجميع وأولهم كبار القوم.
فكما يبدو أن الوضع السياسي والامني في العراق صعب جدا لكن الخروج من هذا المأزق يحتاج أولاً إلى رؤية، ثم سياسات وآليات تنفيذية، وأن هذه المرحلة من تاريخ العراق تحتاج إلى شخوص غير تقليديين لأننا في مرحلة غير تقليدية.
ويبقى صراع الإرادات بين السياسيين والقادة له مكامن ومقاصد متعددة ومختلفة ولكنها تكشف عن الخوف مما يجيء في المستقبل، وعليه فان صراع المصالح والتمسك بها الى هروب من المسؤولية قد لا تتم المحاسبة عليها الآن لكن التأريخ – كما اثبتت التجارب- لا يتساهل مع المخطئين بحق شعوبهم.
اضف تعليق