تسارعت الاحداث في تركيا قبل أيام ليعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أنه سوف يستقيل من منصبه كرئيس لحزب العدالة والتنمية الحاكم، داعيا لعقد مؤتمر حزبي استثنائي في 22 آيار/مايو الجاري، إذ سوف يستقيل رسميا ويتم اختيار خليفته ما يمهد الطريق أمام اختيار شخص أخر لرئاسة الحكومة. إذ جاءت هذه الخطوة عقب ورود تقارير بشأن تصاعد الخلاف بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. كان آخرها ان سُحِبتْ من داوود اوغلو سلطة تعيين مسؤولي حزب العدالة والتنمية في الأقاليم التركية.
اردوغان الذي انتخب رئيساً في صيف 2014 بعد ثلاث ولايات على راس الحكومة قام بتعيين احمد داود اوغلو رئيسا للحكومة بعد ان كان وزيرا للخارجية. وسرعان ما تمكن داود اوغلو، الاستاذ الجامعي، من ترسيخ مكانته على الساحة السياسية التركية وبرهن عن بلاغته الخطابية وقام خلال الاسابيع الماضية بالتفاوض مع بروكسل على الاتفاق المتعلق بالمهاجرين والذي جعل المفوضية الاوروبية تعلن عن تأييدها اعفاء الاتراك من التأشيرات، في تطور وصفته وسائل اعلام عالمية بالتاريخي.
ورغم ما يبدو من وفاق بين الشخصين الا ان هناك قضايا جوهرية يختلفان عليها فمنذ انتخابه رئيسا لم يخف اردوغان سعيه لتعديل الدستور لاقامة نظام رئاسي وهو مشروع لا يبدو ان داوود اوغلو متعجلا لوضعه موضع التطبيق إذ قال إن ليس هناك حاجة للتسرع في حملة أردوغان لإنشاء نظام رئاسي في تركيا. اما الحريات الصحفية التي باتت تحت قبضة اردوغان كانت نقطة خلاف بين الرجلين فقد اختلف داود أوغلو مع أردوغان أيضا حول ما إذا كان ينبغي احتجاز صحفيين قبل المحاكمة.
ووفقا لتك المعطيات فاستقالة ريس الوزراء التركي لم تكن مفاجئة لكن ذلك سينعكس سلبا على الوضع التركي داخليا وخارجيا، فمنذ الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في الأول من تشرين الثاني عام 2015 على اثر فشل حزب العدالة والتنمية في تحقيق الغالبية في مجلس النواب والوضع التركي ينحدر نحو الاسوء، إذ تبع ذلك حدوث ازمة كادت تقود لحرب كبرى مع روسيا سبب اسقاط مقاتلة سوخوي الروسية على الحدود مع سوريا حيث أدت الى فرض عقوبات روسية على تركيا لم تستطع نفض غبارها لحد الان.
على الجانب الاخر تخوض تركيا حربا شرسة ضد الاكراد وخاصة حزب العمال الكردستاني الطامح لنيل الاستقلال عن الدولة التركية، ورغم تشديد الإجراءات ضد كل من يناصر القضية التركية والتي وصلت الى حد مطالبة رجب طيب اردوغان بسحب الجنسية من مؤيدي الاكراد لم تستطع الحكومة التركية انهاء ملف الاكراد بل انه بات يأثر على مجمل الوضع العام في البلاد.، لا سيما بعد ازدياد المخاوف من تفكك تركيا اذا ما استمرت سياسة اردوغان التصعيدية.
داعش هي الأخرى فتحت جبهة ضد تركيا من خلال استهدافها بسيارات مفخخة في اكثر من مرة ما دفع بعض الدول مثل الولايات المتحدة وألمانيا الى دعوة مواطنيها الى عدم السفر الى تركيا ما كبد البلاد خسائر اقتصادية كبيرة فضلا عن تشويه الصورة السياحية لتركيا، اما ازمة اللاجئين التي استخدمتها تركيا لاستفزاز الاتحاد الأوربي فيبدو انها ستعود بآثار عكسية على الاقتصاد التركي فضلا عن ازدياد المخاوف من انهيار الوضع الأمني في البلاد، لا سيما مع إمكانية تسلل الإرهابيين بين صفوف اللاجئين.
تركيا تدخلت وبقوة في الملف السوري لكنها لم تحقق لحد الان أي من أهدافها فالجماعات المسلحة المدعومة من قبلها في تراجع مستمر والجيش السوري بات على اعتاب الحدود التركية، كل كان في الوقت الذي تتمتع فيه البلاد باستقرار نسبي لكن ومع استقالة رئيس الوزراء احمد داوود اوغلو فالوضع سيزداد تعقيدا، فرئيس الوزراء المقبل لا يمكنه الخروج عن السياسة الاردوغانية وهي سياسة اثبتت فشلها داخليا وخارجيا، نتيجة طموحات رب طيب اردوغان العثمانية والتي جعلت اردوغان يطير في أحلامه بعيدا عن الواقع والنتيجة كانت فوضى في الداخل التركي وخسارة لمكانة تركيا في الخارج.
استقالة داوود اوغلو لم تمر مرور الكرام فالاقتصاد التركي يعاني منذ حادثة اسقاط المقاتلة الروسية والسياحة في تركيا في تراجع، فوسائل الاعلام تحدثت عن انخفاض في قيمة الليرة التركية مساء الأربعاء 3,7% من قيمتها امام الدولار الذي ارتفع الى 2,95 لير أي قبل دعوة اوغلو لعقد مؤتمر عام لحزب العدالة والتنمية. ولا يمكن التنبؤ بما ستؤول اليه الأمور مع انتخاب رئيس الوزراء الجديد لكن كل المؤشرات السابقة تؤكد ان تركيا لم تستطع حسم أي ملف منذ اندلاع الازمة السورية التي القت بضلالها على تركيا وسياسة الصفر مشاكل التي اتبعها اردوغان تحولت الى صفر حلول.
هذه المشاكل كلها قد لا تكون مهمة لدى الرئيس رجب طيب اردوغان فطموحاته هي الوصول الى تشريع النظام الرئاسي واستقالة داوود اوغلو قد اختصرت له المسافة لتحقيق حلم العثمانية لديه اذ يؤكد خبراء اتراك ان السياسة التركية دخلت مرحلة جديدة يكون فيها النظام الرئاسي قد بدأ عمليا ومن يصبح الرئيس الجديد ورئيس حزب العدالة والتنمية عليه ان يقبل بالطبيعة الجديدة للنظام. انه عصر السلطان العثماني رجب طيب اردوغان.
اضف تعليق