إن تنازل مصر عن جزيرتي "تيران وصنافير"، سوف تقود إلى إحداث مشاكل لنظام الرئيس (عبد الفتاح السيسي) والذي كان يحظى بدعم شعبي قل نظيره في مصر، باستثناء مرحلة الرئيس جمال عبد الناصر، وابرز المشاكل عودة شعار رحيل النظام، وتآكل فعلي لشعبية الرئيس (السيسي، لدي مؤيديه"، وان العاصفة التي خلفتها تلك الزيارة لم تهدأ في مصر، ولا ينتظر أن تهدأ في المستقبل القريب.
إذ انتهت زيارة ملك السعودية (سلمان بن عبد العزيز)، للقاهرة، والتي بدأت الخميس 7 نيسان 2016، وانتهت يوم الاثنين 11 نيسان، بعد ان حصد مكاسب تاريخية غير مسبوقة خلال تلك الزيارة، إذ تعد اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية أهم المكاسب التي حققها الملك السعودي، ليلبي للجارة النفطية الكبيرة حلما طال عشرات السنين، لطالما سعى إليه العديد من الملوك والوزراء والمسؤولون السعوديون الكبار في نهاية القرن الماضي ومطلع القرن الحالي، ووفق الاتفاقية الجديدة فإن جزيرتي تيران وصنافير أصبحتا تابعتين للأراضي السعودية، فبعد أن كانت ملكية الجزيرتين واحدة من أهم المسببات التي أدت للعدوان الثلاثي على مصر، بسبب إصرار النظام السياسي المصر آنذاك على طرد القوات الدولية من خليج العقبة، نجحت المملكة في استغلال الظروف الاقتصادية السيئة لمصر في تحقيق مبتغاها، تماما كما فعلت مع اليمن عندما استغلت أزمة صنعاء الاقتصادية لتعديل اتفاقية الطائف والحصول على ملكية مدينتي "نجران، وجيزان".
وتقع جزيرتي (صنافير وتيران) على أقصى شمال البحر الأحمر حيث تقع جزيرة صنافير التي تبلغ مساحتها 33 كم2 شرق مضيق تيران الذي يفصل البحر الأحمر عن خليج العقبة، بينما تقع جزيرة تيران التي تبلغ مساحتها 80 كم2 في مدخل المضيق، وتكمن أهمية جزيرتي تيران وصنافير إلى موقعهما الاستراتيجي الهام حيث أنهما تتحكمان في مضيق تيران لإطلالتهما عليه والساحل الشرقي لسيناء وبالتحديد منطقة شرم الشيخ، بالإضافة الى رأس حميد الذي يقع في الساحل الغربي لمنطقة تبوك بالسعودية، كما أنهما يتحكمان في حركة الملاحة الدولية من جهة خليج العقبة كونهما يقعان عند مصبه وبالتالي يتمكنان من إغلاق الملاحة في اتجاه الخليج، بالإضافة إلى ذلك فالجزيرتان لهما أهمية سياحية بالغة بسبب موقعهما على سواحل البحر الأحمر، حيث تتميزان بوجود الشعاب المرجانية العائمة، وصفاء المياه، مما يجعلهما مقصدا سياحيا من الدرجة الأولى، فيفد إليهما السائحون من أنحاء العالم لممارسة الرياضة المائية مثل رياضة الغوص، والاستمتاع بمناظر البحر الخلابة من خلال الرحلات السياحية عبر اليخوت.
إن تنازل الرئيس السيسي عن الجزيرتين للسعودية ستقود إلى حرق مستقبله السياسي وهناك عدد من المؤشرات التي ظهرت أو في طريقها في الشارع المصري والتي –حسب المحللين- ستكون شرارة التغيير ضد الرئيس ونظامه السياسي، ومنها:
1- عدم قدرة النظام السياسي أمام الشارع المصري من الدفاع عن قراراته، فجاء توقيت الاتفاقية وارتباطها الوثيق بمنح ومشروعات اقتصادية وكأنها عملية بيع للأرض التي تعد عقيدة مقدسة لكل مصري، ما أضعف هيبة النظام أمام الشارع والمواطن المصري، فلم يفلح الجهاز الإعلامي للدولة على إظهار مبرراته ودوافعه لتوقيع تلك الاتفاقيات ما يجعله ضعيفاً أمام الرأي العام، وتزايدت حدة الغضب وطالت الرئيس للمرة الأولى الانتقادات من قبل مؤيديه، فقد خرج آلاف الأشخاص، وتجمعوا بمحيط نقابة الصحفيين (وسط القاهرة)، ومناطق أخرى بالقاهرة، وعدة محافظات أخرى، في مظاهرات أطلقوا عليها اسم "جمعة الأرض" لرفض ما أسموه "تنازل" سلطات بلادهم عن جزيرتي "تيران" و"صنافير"، تخللتها دعوات وهتافات برحيل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، واشتباكات أمنية مع المحتجين في بعض المناطق، وتم توقيف 67 منهم، بحسب مراسلي الأناضول وشهود عيان.
2- انخفاض شعبية السيسي، للمرة الأولى في مصر يخرج شباب غير منتمٍ للتيار الإسلامي (الاخوان) أو المعارضة الأخرى، ويرفع بوضوح شعار ارحل "السيسي"، هذه أول المتغيرات التي ستغير الخارطة السياسية في مصر مستقبلا، فقد انتقد العديد من الأحزاب المصرية قرار ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، ومنهم المرشح الرئاسي السابق، ورئيس التيار الشعبي (حمدين صباحي)، القرار، الذي دعا الرئيس المصري وملك السعودية إلى سحب توقيعهما واعتبار اتفاقية ترسيم الحدود البحرية كأن لم تكن، كما هاجم الدكتور (عبد المنعم أبو الفتوح)، رئيس حزب مصر القوية، والمرشح الرئاسي السابق، القرار، قائلًا: "لن يستفيد من العبث بحدود مصر الشرقية إلا الصهاينة، تيران وصنافير مصرية"، كما أدان حزب التحالف الشعبي الاشتراكي تنازل الحكومة المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير، معلنًا رفضه المطلق للاستهتار بحقوق مصر في أراضيها التاريخية الثابتة.
3- تراجع أنصار للنظام عن دعمه، وهذا يعد بداية تآكل فعلي لشرعية النظام وبدء العد التنازلي لرحيله، رغم أن هذه المجموعة من قبل إعلان التنازل عن تيران وصنافير كانوا ممن يريدون إعطاء السيسي فرصة أطول، الا انهم الان بدأوا علنا في رفض الاتفاق.
4- نجحت السعودية في إبرام اتفاقية إنشاء جسر يربطها بمصر، يمكنها من تحقيق مكاسب هائلة، ستحقق المملكة من خلاله، مضاعفة التجارة بين المملكة وبين دول شمال أفريقيا والخليج كله والأردن وسوريا، ولأول مرة قبل احتلال فلسطين يرجع الربط البري بينها وبين دول البحر المتوسط وأهمها بالنسبة لها تركيا، فيما سيكون الأثر الاقتصادي المتوقع هو 60 مليار دولار، ويعتقد المخططون أن الرسوم التي سيدفعها ملايين السائحين نحو الأماكن المقدسة بالسعودية ستعوض تكاليف المشروع بسرعة والتي مقدر لها أن تصل إلى 5 مليارات دولار، كما أنه من المتوقع أن يزداد عدد الحجاج والمعتمرين مع بناء الجسر، إن لبناء الجسر اثارا اقتصادية وجيوسياسية، فالسعودية ستكون قادرة على تصدير النفط عبر السكك الحديدية إلى الأسواق والموانئ الأفريقية براً، وبذلك ستتغير أنماط الشحن بشكل كبير حيث سيختفي جزءٌ كبيرٌ من حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وهو يعد حسب الخبراء الاقتصاديين ضربة اخرى للاقتصاد المصري المتدهور.
5- ان الزيارة تثبت بالدليل أن السعودية تضع الخطوط العريضة لسياسة إقليمية جديدة تكون فيها مصر دولة "تابعة" للسعودية وتنهي دورها المحوري والقيادي تماما في المنطقة -بحسب تحليلات وتعليقات سياسيين-، خاصة وان هناك منافسة قوية بين مصر والسعودية على الدور الإقليمي في العالم العربي، وطالما دخلت الدولتان في تنافس حاد، وصل أحيانا إلى حد الصراع غير المباشر كما حصل في اليمن، لهذا فان وقوف السيسي خلف السعودية في قضايا المنطقة هو مخالفة للتاريخ المصري الذي كان له دور فاعل في قضايا المنطقة وسوف لن يقبل به المصريين.
6- عودة الإخوان المسلمين للساحة المصرية، فقد أصبحت المظاهرات عامة وتشمل كل المصريين ضد الاتفاق، فقد عادت مواقع التواصل الاجتماعي للعب دورها القديم إبان ثورات الربيع العربي، بجانب انتهاء ثقافة الخوف لدى الشارع، مع التغطية الإعلامية الاضطرارية التي صاحبت المظاهرات، الأمر الذي يمكن اعتباره انتصاراً سياسياً وإعلامياً لمن نزل في التظاهرات، وكانت جماعة الإخوان المسلمين، قالت في بيان لها، أنها "تدعم كل صور الاحتجاجات التي خرجت ضد ما وصفته "تنازل" السلطات عن جزيرتي "تيران" و"صنافير" للمملكة العربية السعودية، مطالبة في الوقت ذاته بـ"الحشد"، لـ"إسقاط النظام"، وبهذا فان فزاعة الإخوان المسلمين قد انتهت.
7- اعتراضات القضاء المصري بشكل حاد، اذ اكد العديد من القضاة والمحامين ان قرار التنازل عن الجزيرتين مخالفا للمادة 151 من دستور مصر لعام 2014، إذ أن ترسيم الحدود يعد أحد أعمال السيادة التي تتطلب العودة للشعب باستفتاء شعبي، وإعلان نتائجه على الجميع، وليس فقط موافقة البرلمان المنتخب، وفق ما ورد بالمادة الدستورية، فقد كشفت المادة 151 من الدستور، عن مخالفة الرئيس عبد الفتاح السيسي للدستور في التنازل عن الجزيرتين، وتنص المادة على: "يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور، ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة"، وبهذا فان التنازل من قبل الرئيس يعد غير شرعي وغير دستوري.
8- إن تنازل "السيسي" عن الجزيرتين للسعودية يُعد تنازل عن أهم مورد أساسي للبلاد في الوقت الحالي وهو قناة السويس، وستفقد مصر بذلك أهميتها الإستراتيجية على أهم معبر مائي عالمي، فالكيان الصهيوني هو أكثر الرابحين من ذلك التنازل، فقد تم الكشف في إسرائيل عن مخططاته الملاحية،، بعد إعلان 2013 الذي نشرته الصحف العبرية، والذي نص على إنهاء حكومة الاحتلال إجراء قرض من البنوك الأمريكية بقيمة 14 مليار دولار بفائدة سنوية 1% فقط، من أجل إنشاء قناة بن غوروين والتي وصفت بأنها تتمتع بصفات أعلى وأكبر من قناة السويس المصرية، والتي وصفتها السفن أيضًا حينها بأنها سوف تعانى في السنوات الخمس القادمة، وتبدأ القناة من ميناء إيلات على البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، وقالوا أيضًا عن القناة التي يرجح الانتهاء منها في نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل (2016_2017)، لتكون المركز الملاحي الرئيسي في الشرق الأوسط مع التأكيد أنها تأخذ نفس مساحة قناة السويس المصرية مع الفارق أن قناة "بن غوريون" ستكون ذات مسلك واحد أي أن السفن التجارية تستطيع الدخول والخروج في نفس اليوم لا أن تنتظر أيام كما يحدث في قناة السويس، ولخصته التفريعة التي لم تفيد حتى الآن إلى عدد من الساعات لن يفرق كثيرًا مع تلك السفن في ظل ارتفاع تكلفة المرور، وأوضحت الدراسة التي نشرت بنفس الصحف العبرية، بان الخط الملاحي للسفن سيكون من البحر الأحمر إلى خليج العقبة ثم إلى ميناء إيلات ثم إلى البحر المتوسط.
لكن هناك مشكلة كبيرة تعوق إتمام ذلك، وهى أن المدخل الوحيد لخليج العقبة والصالح للملاحة البحرية هو بين جزيرة تيران المصرية والساحل الشرقي لمحافظة جنوب سيناء المصرية، أي داخل المياه الإقليمية المصرية وستصبح مصر هي المتحكم في الممر لأنه داخل مياهها الإقليمية ويمكن أن تغلقه أو تفرض أي رسوم مالية عليه لأنه يقع داخل حدودها، فبتنازل مصر عن الجزيرتين إلى السعودية، يصبح الممر المائي بين جنوب سيناء وتيران، مياهًا دولية لا يحق للرياض أو القاهرة التحكم فيه بأي شكل من الأشكال، مما يعطي تفوق لإسرائيل على مصر.
فتنازل (السيسي) عن جزيرتي تيران وصنافير التي تتواجد في قلب مدخل خليج العقبة، يفقد مصر أي فرصة مستقبلية لإغلاق المضيق في وجه إسرائيل، وبغض النظر عن أي خلفية تاريخية للجزيرتين، فإن جزيرة تيران تحديداً التي تتواجد على بعد 6 كم فقط من ساحل سيناء الشرقي لم تعد مصرية، وصار تهديد الممر الملاحي أمام إسرائيل أمراً صعبا للغاية، وفقدت مصر نقطة تفوّق تاريخية جديدة.
9- فتح الباب لمطالبات اخرى من دول لها خلافات حدودية مع مصر، ومنها السودان، التي دعت مصر للجلوس للتفاوض المباشر لحل قضية منطقتي حلايب وشلاتين أسوة بما تم مع السعودية حول جزيرتي تيران وصنافير، أو للجوء إلى التحكيم الدولي امتثالا للقوانين والمواثيق الدولية باعتباره الفيصل لمثل هذه الحالات كما حدث في إعادة طابا للسيادة المصرية، وقالت وزارة الخارجية السودانية في بيان صادر عنها اليوم الأحد 18 نيسان، حول اتفاق عودة جزيرتي تيران وصنافير بين السعودية ومصر أنها ستواصل متابعتها لهذا الاتفاق والاتفاقيات الأخرى الملحقة به مع الجهات المعنية واتخاذ ما يلزم من إجراءات وترتيبات تصون الحقوق السودانية السيادية الراسخة في منطقتي حلايب وشلاتين، وبهذا فان تنازل السيسي عن الجزيرتين سيفتح باب مطالبات اخرى يعجز السيسي عن ادارتها.
10- ان تطور الأمور قد تقود إلى ظهور ثورة شعبية، إذ انه للمرة الأولى منذ فترة وصول السيسي نرى ما يحدث في الشوارع من احتجاجات كانت شرارتها هي توقيع النظام على اتفاقية ترسيم الحدود، ودفاعه عنها.
خلاصة القول، إن تنازل الرئيس السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية سوف تقود أجلا أم عاجلا إلى حدوث اضطرابات في مصر؛ لان الشعب المصري قد كسر حاجز الخوف منذ إن اسقط الرئيس (حسني مبارك)، والرئيس (محمد مرسي)، وبهذا فان حدوث ثورة شعبية ضد الرئيس السيسي غير بعيدة، خاصة وان مصر تمر بأزمة اقتصادية حادة بعد تراجع واردات قناة السويس، وتدهور امني خطير لم تشهده مصر منذ عقود مضت، خاصة في سيناء، وتراجع دور مصر الاقليمي من خلال تبعية مصر للسعودية، كما ان المواجهة مع اسرائيل تسير لصالح الاخير بعد تفريط مصر بالجزر في خليج العقبة، اضافة الى الوضع الداخلي المتأزم اصلا من جراء سياسات السيسي التي يعتبرها البعض غير ديمقراطية وخاصة ازاحة الرئيس المنتخب (محمد مرسي) من الحكم، كل هذه الامور وغيرها ستكون الفيصل في اتمام صفقة التعديل الحدودي مع السعودية من جهة، وسوف تقرر مستقبل السيسي السياسي من جهة اخرى.
اضف تعليق