لماذا تتراكم المشاكل علينا وتزداد تعقيداً في مختلف جوانب الحياة مع غياب الحلول الناجعة، أو البدائل عن الواقع السيئ الذي نعيشه؟، ربما يدّعي البعض أن يحمل افكار وحلول، بيد أنها تتحرك في دوامة الازمة نفسها، ولا تخرج من نمط التفكير الضيق المنتج بحد ذاته للازمات والمشاكل، وهذا ما نلاحظه في ميدان الثقافة والسياسة والاقتصاد وحتى الاجتماع.
بشكل عام، يعيش الانسان في بلادنا حالة إحباط وخيبة بسبب عدم وجود حلول حقيقية لازماته، ثم يشهد افكاراً او مقترحات من هنا وهناك، تدعوه للإسهام في التغيير والإصلاح، بما من شأنه الخروج من أزماته الخانقة بسبب سوء علاقته بالدولة ومسؤوليها، ولكن لا يلبث أن يشهد مزيداً من التوتر والاضطراب في ميادين الازمة؛ مثل التجارة والاقتصاد والتعليم والخدمات والامن والسياسة وغيرها.
صحيح أن ثمة قواعد فكرية معينة تنبثق منها الحلول، بيد أن عدم التناسب بين المستوى الثقافي والفكري لشعوبنا مع سرعة التطورات المتلاحقة التي تعصف بنا في شتى المجالات، تجعل الضرورة ملحّة، ليس لتجاهل القواعد الفكرية والثوابت، إنما لإنشاء قواعد تفكير جديدة منتجة ومبدعة تعمل على إنقاذ ما يمكن انقاذه.
لنلاحظ الوضع الثقافي والمعطيات الموجودة في الشارع العام، كما لدينا الوضع السياسي ومعطياته في الأداء الفاشل بشكل ذريع ومريع، الى جانب الاقتصاد والحديث الطويل عنه، كل هذا وغيره، لا يحتمل انتظار التفكير على قاعدة "الأنا" والشخصنة – إن جاز التعبير- لحل المشاكل السياسية، او تحكيم بعض الموروثات الاجتماعية لحل مشاكل الناس، وهكذا.
هذه الحالة، بالحقيقة تمثل خطوة مبتكرة نحو الخروج من نفق اليأس والسلبية، وتحتاج الى كثير من المرونة الذهنية وتنمية القابلية على التفاعل مع الاحداث وايضاً اساليب التعامل مع المشاكل والازمات في العالم. وهذا ما يدفع بعض علماء النفس للتأكيد على أن "الامور قابلة للتحول وهي ليست قدراً محتوماً، فما هو متعذر الآن يمكن ان يتوفر غدا..."، بمعنى أن الخروج من الحالة النمطية الراكدة، من شأنها ان تعطي شيئاً من الامل، وحتى تبعث على الثقة والاعتداد بالنفس، لاسيما اذا تذكرنا بان جزءاً من المشاكل لدينا نتاج اسقاطات نفسية خاصة لكبار الفكر والسياسة والاقتصاد وأهل الحل والعقد.
ومن نافلة القول هنا ان نأتي بتجسيد رائع لكسر المألوف والأطر الضيقة، تمثل في سماحة المرجع الديني الامام السيد محمد الشيرازي – قدس سره-، وذلك في معظم جوانب حياته؛ العلمية والاجتماعية والفكرية، فكان توليه أمر المرجعية الدينية، وهو في العقد الثالث من العمر، وانطلق في زرع بذرة الحركة الاسلامية والعمل الثقافي المنظم ليس من خلال قنوات حزبية، وإنما من خلال قنوات دينية بحتة، وهي المحافل القرآنية والمجالس الحسينية والمحاضرات الفكرية. كما انطلق في أمر التأليف، فكان حرصه الشديد على المطالعة قبل الكتابة، فتميّز عن سائر علماء الدين آنذاك بكتابة الكراسات والكتيبات الصغيرة الى جانب المؤلفات العلمية الضخمة، والامثال كثيرة في هذا السياق من مشاريع وأعمال عديدة قام بها طيلة حوالي ستين عاماً.
ان طريقة التفكير خارج المألوف والقواعد الجامدة، يمكن ان تكون للقادة والنخبة الثقافية والسياسية، كما ممكنة ايضاً لجميع افراد المجتمع، وما أحوج الجميع لهكذا نمط من التفكير يخرجهم من عتمة التفكير السلبي والخوض في احاديث الفشل والهزائم النفسية. وهذا ممكن جداً – كما يوصي علماء النفس- من خلال عملية استجلاء للآراء والافكار الموجودة، ابتداءً من داخل المجتمع الصغير ، وهو الأسرة، مروراً بمحيط العمل والاصدقاء، وحتى على صعيد الجماعات والتنظيمات المهنية والنقابية.
ويشبه البعض هذه العملية، مثل شبكة الصيد الكبيرة التي تجمع الى جانب الاسماك بانواعها المطلوبة، مختلف الكائنات البحرية الاخرى، فهي موجودة في الطريق ولابد منها، وهكذا الافكار والآراء المتواجدة في أدمغة بمستويات مختلفة، ثم تأتي المرحلة اللاحقة بالفرز بين الغث والسمين.
ورب سائل قلق من احتمال انزلاق الامر في فوضى فكرية وثقافية من جراء هكذا نمط من التفكير، ونقول: إن وجود القيم والمبادئ والايمان بها، يضمن سلامة الطريق وصولاً الى الهدف المنشود، فالقضية ليست من باب "خالف تُعرف" إنما "تفكر تنجح"، وهذا ما تحثنا عليه النصوص الدينية، ولا أدلّ على ما نقول، من قصة نبي الله ابراهيم الذي بحث عن ربه، وكيف يكون...؟، وقد شرح ذلك القرآن الكريم، وبين شجاعة النبي ابراهيم في كسر كل القيود النفسية والذهنية المفروضة عليه من قبل مجتمعه وحاكمه، وبات اليوم، كما يعبر عنه علماؤنا، بأنه "أبو التوحيد"، وأنه "أمة في رجل".
اضف تعليق