لقد ابتليت بلدان الشرق الأوسط ومنها العراق بعقول دكتاتورية وإن تغير العنوان الذي تحكم به (النظام الديمقراطي)، فتحاول أن تستغل الديمقراطية وأدواتها بشكل يجعلها تحكم بالاسلوب الدكتاتوري، فقد حطم التغير وبشكل نهائي نظام الدكتاتور الأوحد ولكن في نفس الوقت اخترعت القيادات دكتاتورية جديدة اسمها قيادات الكتل التي لا يمكن أن يؤخذ قرار إلا بإقراره من قبل هذه القيادات، وما عمل البرلمان إلا بقرارات تتخذها هذه القيادات خارج قاعة البرلمان، حتى أصبحت كل العملية الديمقراطية تتمحور بخمس أو ست اشخاص بيدهم قيادة العراق، إذا اتفقوا وقسموا المصالح بينهم استقر الوضع وظهرت التصريحات بالرضى والوطنية وإذا اختلفوا ساء الوضع الأمني سوء وظهرت تصريحات التهميش والخيانة والانتماءات الى أجندات خارجية.
وهكذا أصبح حكم العراق مسيطر عليه من مجاميع تعتبر نفسها سياسية تقودهم شخصيات وهذه الشخصيات تتحكم بثروات العراق، ولا يمكن أن تقف أمام هذه التركيبة العجيبة التي امتدت في المجتمع العراقي بشكل إخطبوطي مدعومة من قبل المؤسسات بالإضافة الى الأموال التي سرقوها من ثروات العراق.
فطريق تغير هذه التركيبة لا يمكن أن يتم بشكل حقيقي إلا أن تجد ثغرة بينها ويدخل الشعب من خلال هذه الثغرة، والحمد لله تمت الثغرة ورفض مجموعة من البرلمانيين الإستمرار بنهج قيادات الكتل الدكتاتوري الذي لم يجلب للعراق إلا القتل والدمار ونهب الثروات، هذه المجموعة البرلمانية التي انشقت عن سرب الصقور يجب أن تدعم من قبل الشعب بشكل تام لإكمال المسيرة في تحطيم المحاصصة والتوافقية التي دمرت العراق أرضاً وشعباً.
وقد رفضت القيادات الدكتاتورية قرار البرلمان الشرعي والقانوني في إقالة الجبوري من رئاسة البرلمان لأنهم يعتبرون أنفسهم هم الشرعية والقانون وكل تحركاتهم وقراراتهم هي القانون والقانون يتبع لهم وليس العكس كما كان قائد الضرورة يقول القانون جرت قلم، فعقلية بهذا التفكير الدكتاتوري كيف يتخلص شعب العراق منها إلا بالتكاتف والوحدة والإقدام وتقديم المصلحة العليا على المنافع الشخصية، فهي مجرد ايام يقف الشعب متكاتف مع بعضه والمجموعة البرلمانية المنشقة عن سرب الصقور الكاسرة عندها سوف نؤسس دولة ديمقراطية حقيقية تعتمد في حكمها على صناديق الانتخابات وتضع الرجل المناسب في المكان المناسب تحت سلطة الدستور والقانون، ونخرج العراق من طريق القتل والدمار وسرق الثروات الى طريق القانون والنظام الديمقراطي الحقيقي الذي سيجلب الأمن والسعادة والخير لهذا الشعب المعاني المظلوم.
المحاصصة التي دمرت العراق قرارها الآن بيد الشعب
أسوء ما دمر العراق بعد التغير العظيم فكرة المحاصصة، هذه الفكرة التي عطلت كل قانون يخدم مصلحة العراق وشعبه وأدخلت للعملية السياسية كل مجرم دمر العراق وشعبه وجلبت الإرهاب وأدواته الى شوارع العراق، فلم تبقى موبقة عانى منها شعب العراق إلا وكانت المحاصصة سببها ومصدرها، وهذه الفكرة لم تدخل بلداً إلا وأوقفت كل شيء فيه إلا الفساد فتدعمه وتغذيه حتى يصبح إخطبوط يسيطر على كل ثروات البلاد.
وما التجربة اللبنانية التي سبقتنا في تطبيقها إلا أبسط مثال على فكرة المحاصصة أو التوافقية، فكانت فكرة المحاصصة لبضع ايام قليلة خط أحمر لا يمكن التفكير في مناقشتها لأنها كما تدعي القيادات الفاسدة صمام الأمان لسير العملية السياسية على الرغم من خطورتها وإجرامها بحق العراق وشعبه، ولكن الذي حدث في قاعة البرلمان وانشقاق مجموعة من البرلمانيين على قياداتهم في رفض المحاصصة في إدارة البلد، ما هي إلا شرارة التغير الحقيقية التي يجب أن تدعم من الشعب لكي تكبر وتتوهج هذه الشرارة وتصبح ناراً تحرق كل من استغل فكرة المحاصصة من القيادات والكتل في سرقة خيرات العراق ودفع هذا الوطن وشعبه الى الدمار والموت.
فالإصلاح الحقيقي يبدأ برفض المحاصصة والثورة على قادة الفساد الملتحفين بغطاء المكون والمذهب والقومية، فأغلب القيادات السياسية أصبحوا سراق بدون ضمير قد أدمنوا جمع الأموال بأي طريقة كانت وليذهب الجميع الى الجحيم، فهكذا تركيبة سياسية لا يمكن أن تواجهها إلا بتكاتف الأيدي وتحديد الهدف وسلوك الطريق الصحيح في المواجهة، فطريق الإصلاح لم يكن واضحاً كوضوحه اليوم ولم يكن حقيقياً كما أصبح اليوم.
الهدف المستحيل أو الهدف الذي حيرة العقلاء في بلوغه أصبح طريقه واضحاً وجلياً من خلال نزول الشعب الى الشارع ورفضه بكل قوة لفكرة المحاصصة والتوافقية والقيادات الفاسدة ومن ثم تكوين حكومة وطنية حقيقية من جميع فئات الشعب، فالفرصة التي بين أيدينا قد وهبتها السماء إلينا حتى نصحح الأخطاء الجسام التي أدخلت العراق وشعبه في بحر الدماء وأكوام الدمار، هذه الأخطاء التي رفعت ضعاف النفوس وفاقدي الضمير والدين ليعتلوا منصات القيادة والثروة الوطنية الذين ضيعوا الحرث والنسل ولم يكن رادع أمامهم يخجلون أو يخافون منه حتى اصبحوا مثالاً للحديث (إذا لم تستح فأصنع ما شئت)، فتركيبة سياسية بهذه الطريقة لا يمكن التخلص منها وتغيرها إلا برص صفوف الجماهير والزحف نحو التغير والإصلاح الحقيقي، فمثلما خرجت الجماهير ملبيةً نداء المرجعية في التخلص من داعش عليها أن تلبي نداء الحرية والحياة الكريمة للتخلص من الفساد وقادته وتأخذ بيد العراق الى بر الأمان والسعادة والخير.
اضف تعليق