يواجه العراق مجموعة من التحديات والصعوبات، التي ستحدد إلى حد بعيد طبيعة المستقبل السياسي للدولة العراقية في طورها المعاصر..
فإذا تمكنت القوى السياسية التي تدير دفة الأمور في العراق، من مواجهة هذه التحديات بفعالية مستديمة، فإنها ستتمكن من إنهاء خطر هذه التحديات وبناء مستقبل سياسي مختلف عن الأوضاع الراهنة التي يعيشها الشعب العراقي..
أما إذا لم تحسن القوى السياسية من بلورة صيغ وأطر التعامل مع هذه التحديات، فإن العراق سينتقل من أزمة إلى أخرى أكثر خطورة وصعوبة على راهن العراق ومستقبله..
ولعل من أبرز التحديات التي تواجه العراق هي التحديات التالية:
- تحدي الإرهاب والمجموعات الإرهابية، التي تمكنت من السيطرة على بعض المدن والقرى العراقية، كما تمكنت من السيطرة في بعض الفترات على بعض المنشآت النفطية وسيولة نقدية ضخمة، وأضحت مجموعات إرهابية متمكنة وقادرة على مواجهة الدولة والجيش العراقي..
ولا ريب أن استمرار سيطرة هذه التنظيمات الإرهابية على بعض المدن والقرى العراقية، سيمكنها من الاقتدار المادي والعسكري والبشري.. وصعوبة هذا التحدي نابع من قدرته على تفجير بعض المعارك السياسية في العملية السياسية..
بمعنى أن ثمة خلافا عميقا وجوهريا بين أطراف العملية السياسية حول سبل وطريقة التعامل العسكري والميداني مع هذه المجموعات الإرهابية. هذا الخلاف السياسي والمتشعب، هو الذي يعرقل قدرة الحكومة العراقية على إنهاء خطر هذه المجموعات الإرهابية..
ومن المؤكد أن التفجيرات الإرهابية التي تقوم بها هذه المجموعات في مدن وأقضية العراق المختلفة، تلقي بظلها الثقيل على الواقع السياسي، وتزيد من إحن الشعب العراقي على بعضه، وتؤدي إلى زيادة الفجوة بين تعبيرات العراق ومكوناته المختلفة..
ولا ريب أن هذه الفجوة تزداد مع غياب حالة عدم الثقة السياسية والشعبية في الخيارات السياسية والأمنية المتبعة لمواجهة خطر الارهاب ومجموعات القتل والتفجير..
وبفعل إخفاق العملية السياسية ودخولها في نفق بعض الشلل السياسي، أضحى المستقبل السياسي للعراق الموحد مهدداً على أكثر من صعيد ومستوى..
فالأكراد في العراق يبذلون كل جهودهم لترسيخ كيانهم المستقل، ومشاركتهم السياسية في العملية السياسية في العراق، هي بالدرجة الأولى من أجل تعظيم مكاسبهم السياسية والعسكرية والإدارية والأمنية، بحيث توفرت الآن في المناطق الكردية كل البنية التحتية لكيان سياسي مستقل..
وهذا الكيان قادر على تعطيل كل خطوة سياسية فعالة لتطوير النظام السياسي الجديد في العراق..
واختلاف القيادات والزعامات السنية السياسية في العراق، يجعل من الفضاء السياسي السني تحت سيطرة المجموعات الإرهابية التي تدفع الأمور صوب المزيد من الفوضى السياسية والأمنية..
وكذلك اختلاف القيادات والزعامات الشيعية السياسية في العراق، يعرقل إمكانية نجاح الحكومة العراقية في بناء واقع سياسي جديد، يتجاوز حالة الانقسام العميق الذي يعيشه الواقع العراقي اليوم..
العراق ومحيطه العربي:
لعلنا لا نحتاج إلى مؤونة زائدة في بيان أن العراق الجديد، لا يمكنه الاستقرار السياسي العميق بدون علاقة سياسية عميقة مع محيطه العربي..
وبصرف النظر عن طبيعة الخلافات والتباينات الموجودة حالياً بين الطرفين، إلا أنه لا يمكن تصور العراق في حالة عداء مستمرة مع المحيط العربي.. ويبدو أنه ثمة تبادل في إلقاء التهم بين الجانبين.. وهذه التهم لا تنتهي مع تأثيراتها السلبية، بدون مناخ سياسي جديد لتجاوز كل المشكلات والإحن لبناء علاقات سياسية واقتصادية جديدة بين العراق والمحيط العربي..
وهذه المسؤولية ليست ملقاة على العراق وحده، وإنما حتى الدول العربية الأساسية، تتحمل مسؤولية تجاوز تأثيرات ما بعد سقوط نظام صدام حسين، والبدء بتدشين علاقات جديدة مع العراق..
والعراق بدوره يتحمل مسؤولية العمل من أجل تجسير علاقته الحيوية مع محيطه العربي.. أحسب أن هذه التحديات لا يمكن مواجهتها عراقياً بفعالية بدون إصلاح العملية السياسية وشروطها في العراق.. وأعتقد أن المطلوب للإصلاح السياسي في العراق، هو تطوير نظام الشراكة السياسية بين مكونات العراق..
فالعراق لن يحكم بمكون واحد مهما كانت قدرة وقوة هذا المكون..
فالعراق الجديد هو عراق اتحادي، تعددي، تشاركي، وبدون هذه القيم سيبقى العراق مهدداً في وحدته وقدراته السياسية..
فتطوير نظام الشراكة السياسية في العراق، هو الذي يخرج العراق من محنه وأزماته، كما أنه يؤدي إلى مناخ جديد بين العرب والعراق..
وكل التحديات الكبرى التي تواجه وحدة العراق واستقراره السياسي العميق، لا يمكن مواجهتها والتغلب عليها، بدون إصلاح العملية السياسية في العراق.. هذا الإصلاح الذي يتجلى في تطوير نظام الشراكة ومنظومة المراقبة والمحاسبة في العراق..
وجماع القول: إن العراق بأسره يعيش لحظة حساسة، ولا يمكن إنهاء مفاعيل هذه اللحظة إلا بتطوير نظام الشراكة بين مكونات وتعبيرات الشعب العراقي..
اضف تعليق