رغم صمود حكومة الرئيس السوري بشار الاسد بوجه الهجمة الشرسة من الجماعات الارهابية منذ عام 2011 مدعومة بالحليف الايراني والفصائل الشيعية الاخرى، الا ان التدخل العسكري الروسي مثّل نقطة تحول في ميزان القوة لصالح الحكومة السورية، فمنذ الدخول الروسي تسارعت وتيرة الاحداث في البلاد وكانت جميع تلك التحولات تصب في صالح المحور الروسي الايراني السوري، فيما تقل فرص المحور التركي السعودي الامريكي يوما بعد اخر وحتى مع الانسحاب الروسي لم يستطع المحور الداعي لرحيل الاسد ان يلملم اوراقه ليجد ان ذلك الانسحاب لم يكن الا اعادة انتشار للقوة الروسية الطامحة لتثبيت اقدامها في الشرق الاوسط وفرض معادلات دولية جديدة تستهدف ايجاد نظام دولي متعدد الاقطاب.
الجيش السوري استطاع تحرير مدينة تدمر الاثرية "عروس البادية السورية" بعد معركة استمرت ثلاثة اسابيع وتعهدت قيادة الجيش السوري باستعادة الرقة ودير الزور ومناطق اخرى خارج سيطرة السلطات في دمشق. وكان قرار تحرير تدمر ذكياً جداً لما للمدينة من رمزية للعالم استغلها النظام السوري ليبث رسالة للعالم والمدافعين عن التراث الانساني بان الجيش السورية هو المحامي عن تلك الاثار وبانتصاره اثبت قدرته على ان يكون ثقة لهؤلاء الطامحين للدفاع عن تلك الاماكن الاثرية المهمة كما انها جاءت في خضم المفاوضات في جنيف ما يعطي الوفد السوري المفاوض الكثير من القوة ويجعله في موقف قوي امام فصائل المعارضة المدعومة من المحور السعودي التركي الامريكي.
ومع تحرير الجيش السوري لتدمر تتقدم الدبلوماسية السورية خطوات جديدة على العالم الخارجي حيث استقبلت دمشق وفدا برلمانيا فرنسيا يرأسه جيرار بابت من الحزب الاشتراكي الحاكم الذي يضم مسؤولين من مجلسي البرلمان، وفي هذا السياق تقول بعض الدول الأوروبية التي سحبت سفراءها من سوريا في أحاديث خاصة إن الوقت حان لإجراء اتصالات مع دمشق وهو ما اكده الرئيس السوري خلال لقائه الوفد الفرنسي على ان هناك اتصالات مع دول عربية واجنبية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق. لا سيما بعد فشل كل المحاولات السابقة لإسقاط حكومة الاسد والمستجدات التي فرضت نفسها على الساحة الدولية التي جعلت فرضية رحيل الاسد مستبعدة على الامد القريب.
وعلى المستوى العربي زار وزير الخارجية السورية دول الجزائر في زيارة وصفت بانها بداية لكسر الحصار السياسي الذي وضعه خصوم النظام السوري إذ زار وزير الخارجية السوري وليد المعلم في الثامن والعشرين من مارس اذار الجزائر في زيارة استغرقت ثلاثة أيام والتقى خلالها بنظيره الجزائري والرئيس عبد العزيز بوتفليقة وعدد من المسؤولين الجزائريين، ووفق ما نشر في وسائل الاعلام فان الجهود تركزت على محاربة الارهاب والتوصل الى حل سلمي للازمة السورية، الا ان البعض يؤكد بان الهدف الحقيقي من الزيارة يتمثل في اعادة الشرعية للحكومة السورية والاعتراف بها كممثل للشعب السوري.
ورغم تقليل البعض من اهمية زيارة الوفد البرلماني الفرنسي الى سوريا والزيارة المفاجئة لوزير الخارجية السوري الى الجزائر في قدرتها على اعادة الاعتراف بحكومة بشار الاسد الا ان هناك عدة مؤشرات تؤكد امكانية عودة حكومة الاسد للساحة العربية والدولية من جديد وهي كالاتي:
اولا : على المستوى الغربي استشعر الكثير من الاوربيين ان الخطر الحقيقي يتمثل بالجماعات الارهابية المدعومة من السعودية الراعي الرسمي لهذا الفكر التكفيري المتطرف لا سيما بعد هجمات باريس وبروكسل وان نظام الرئيس السوري لا يمثل خطرا على وجوها ، بالإضافة الى ان الدول الاوربية لم تكن مستعدة لتبني الفكرة السعودية الداعية لرحيل الرئيس السوري بشار الاسد المدعوم من روسيا وايران وما يترتب عن ذلك من مخاطر على الدول الاوربية هي في غنى عنها. كما ان الغرب بدأ يعلن صراحة عن مخاوفه من الدعم السعودي للإرهاب، فبعد عدة تصريحات اوربية ضد السعودية كان تصريح اوباما الاخير لمجلة "اتلانتيك" كالصاعقة والذي يتهم المملكة السعودية بدعم الارهاب والذي عجل بالحديث عن قرب انهيار التحالف الامريكي السعودي الاستراتيجي.
ثانيا: النظام السوري اثبت قدرة كبيرة على التأقلم مع كل العراقيل التي تضعها الدول العربية السنية الطامحة الى استبداله بنظام متطرف تحكمه الجماعات التكفيرية ، كما انه استطاع تحويل الازمة السورية الى قضية دولية يتحكم فيها حليفه الروسي ما افقد اعداه الكثير من وسائل الضغط السياسية والعسكرية .
ثالثا: رغبة الدول الكبرى وخاصة الدول الاوربية في حل ازمة اللاجئين التي بدأت تضغط على المجتمعات الاوربية بشكل غير مسبوق في اكبر موجه نزوح منذ الحرب العالمية الثانية ، وبما ان اي بديل للنظام السوري الحالي هو الفوضى وفي اقل تقدير ستكون هناك دولة يسودها الحكم المتطرف فان تلك الدول ترغب ببقاء الاسد باعتباره الضامن لبقاء الحكم العلماني في البلاد .
ويرى بعض المتابعين للازمة السورية ان هذه الاسباب وغيرها جعلت وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يلتزم الصمت ، متنازلاً عن سمفونيته الشهيرة " الاسد يجب ان يرحل سياسيا او عسكريا" والاكثر طرافة اصبحنا نسمع بعض التسريبات بقرب حدوث تغيير وزاري في السعودية يكون الجبير احد ضحاياه.
وفي ظل معطيات الميدان العسكري والسياسي فان وفد الحكومة السورية الذي سيتوجه الى جنيف للمشاركة في جولة المفاوضات الجديدة مع فصائل المعارضة سيكون في موقف اقوى من اي وقت مضى ، وليس مستبعدا ان تزاد خطوطه الحمر احمراراً ، ليكون في حينها مناقشة موضوع رحيل الاسد من المستحيلات بالنسبة لوفد دمشق ، وما يعزز هذا الكلام هو حديث وزير الخارجية الامريكي جون كيري لشبكة "سي بي اس" الأمريكية وتأكيده عدم استطاعته تحديد موعد لرحيل الاسد ،ويأتي ذلك في الوقت الذي اعلن فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد لقائه جون كيري ان واشنطن اقتنعت بعدم الحديث عن مستقبل الاسد في هذه المرحلة .
اذا تأملنا الازمة السورية نجدها تتضمن تراجعا كبيرا للمحور السعودي التركي مقابل نجاح مستمر للمحور السوري الايراني الروسي ، فالأسد لم يرحل بعد خمس سنوات من الدعم السعوي المتواصل وتركيا لم تحصل على مبتغاها في اقامة منطقة آمنة وقطر اعترفت بحجمها وتراجعت الى الخلف ابعد ما يمكن، وفي المقابل فان اصوات الدبابات السورية باتت تسمع على الحدود التركية فيما تتوجه القوات السورية الى الرقة ودير الزور.
اضف تعليق