أولاً؛ إِنَّ الظّرف المختوم الذي سلمهُ اليوم السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي الى رئاسة مجلس النواب، يحتوي على أَسماء الكابينة الوزارية الجديدة التي يقول انّها كابينتهُ، هو الذي شكّلها وهو الذي اختار وزراءها وبالتالي هو الذي يتحمّل مسؤوليّتها شخصيّاً امام الشّعب العراقي وامام مجلس النوّاب.
لذلك اقترح على مجلس النوّاب ان يوافق عليها ويمرّرها ويمنحها الثّقة كما هي من دون اي تعديل او تبديل ابداً، لتتحقق بذلك المعادلة الطبيعيّة المعمول بها في كلّ الدّول الديمقراطيّة، حكومة يشكّلها رئيس مجلس الوزراء فيكون مسؤولاً عنها، وبرلمان يمنح الثّقة ويشرّع ويُراقب ويُحاسب ويُقيل وغير ذلك.
انّها كابينة رئيس مجلس الوزراء ليس بامكانهِ ان يتهرّب من المسؤولية من الان فصاعداً كلّما سُئِل عن شيء، كما انّهُ ليس بامكانهِ ان يتحجّج او يبحث عن شمّاعات ليعلّق عليها ايَّ فشلٍ او تلكّؤ او اخفاق ومن ايّ نوعٍ كان بحجّة انّ الوزراء مفروضين عليه والفريق الحكومي ليس فريقهُ، بل انّهُ فريق الأحزاب والكتل! كما جرت العادة منذ التغيير عام ٢٠٠٣ ولحد الآن.
امّا اذا غيّر مجلس النوّاب وبدّل في اسماء المرشّحين فانّ رئيس مجلس الوزراء سوف لن يكون هو المسؤول عن اختيار الكابينة وبالتالي سيجد من الآن الاعذار (الواقعية) جاهزة للتملّص والتهرّب من أَيّ فشلٍ او إِخفاق.
لا اقولُ انّ الظّرف المختوم سيسقي العراقيين {مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ} ابداً ولكنّهُ هذه المرّة وبكلّ تأكيد شيءٌ مُختلف!.
هذه المرّة لا تضيع المسؤوليّة ولا تتحوَّل الى كرة تتقاذفُها الأحزاب والكتل، فتمرير الكابينة كما هي سيُلزم السيد رئيس مجلس الوزراء شخصيّاً بما التزمَ بهِ!.
ثانياً؛ ومن أجلِ ان لا نسترسلَ مع الكابينة الجديدة اذا ما تمّ منحها الثقة، ينبغي تحديد سقف زمنيّ لتقييم أداءها لإجراء ايّ تعديلٍ او تبديلٍ بعد المساءلة والمحاسبة اذا اقتضت الضّرورة.
ثالثا؛ أَنصح الإخوة في قيادة حزب الدّعوة الاسلامية بعدم التدخّل أبداً في عمل الحكومة والسيد رئيس مجلس الوزراء، ليمنحونهُ الفرصة اللازمة ليتعامل هذه المرة كرئيسٍ لحكومة جمهوريّة العراق وليس حكومة حزب معين او طائفة او كتلة معينة.
كذلك، ليمنحونهُ فرصةً للنّجاح فالبلد لا يتحمّل المزيد من الفشل ابداً.
اتمنّى على كلّ مكوّنات التّحالف الوطني ان يعملوا من الان فصاعداً كفريقٍ واحدٍ تحت قبّة البرلمان، يتصرّفون ككتلةٍ نيابيّةٍ وليس كتلة رئيس مجلس الوزراء ليُمارسوا عمليّة التقييّم والتقويم والتّرشيد والرّقابة والمحاسبة كأَيّة كتلة برلمانية أُخرى، بل أشدَّ حسماً وحزماً، وليلغوا من ذهنهم المفهوم السّلبي للقول المأثور [أُنصر أخاك ظالماً او مظلوماً].
تعاملوا وفقَ منهجيّة الحبُّ المسؤول، وليس الحبّ الأعمى!.
رابعاً؛ لا شكّ ان لتشكيلة الكابينة المقترحة نقاط قوّة كثيرة لعلّ من أهمّها انّها أضعفت تأثيرات الأحزاب والكتل وقلّلت من المحاصصة واعتمدت الاختصاص أَكثر من ايّة كابينةٍ سابقةٍ.
فضلاً عن ذلك فانّ فيها عددٍ من الخبراء الدولييّن ما يكسبها ثقة واحترام ودعم المجتمع الدّولي وهو امرٌ مهمٌّ جداً في هذا الظّرف العصيب الذي يمر به العراق جرّاء التحدّيات الكبيرة والمتنوّعة.
خامساً؛ انّ لحظة منح مجلس النوّاب الكابينة الجديدة ثقتهُ نكونُ قد دخلنا مرحلةً جديدةً بعد ان طوَينا وراء ظهورِنا مرحلةً قديمةً، ولذلك ينبغي ان لا ننشغل كثيراً بالتّصريحات والتّراشقات الإعلاميّة، اذ ينبغي على الجميع ان يشمّر عن سواعدهِ لمواصلة اللّيل بالنّهار من اجل تحقيق الانجاز والنّجاح الذي ينتظرهُ العراقيّون.
بهذا الصّدد اتمنّى على السَّيّد رئيس مجلس الوزراء اسكات كلّ الابواق الصّدِئة القديمة التي لازالت تظهر بالاعلام مستفيدةً من الانتماء الحزبي الواحد معهُ لتثير الفوضى والمشاكل والاثارات السّلبية.
سادساً؛ ولا ننسى هنا فانّ من أولى مهامّ الحكومة الجديدة هو مواصلة الحرب الشّعواء على جبهتَين متلازمتَين، الاولى هي الحرب على الارهاب ليتحقّق الوعد الذي ننتظرهُ على أَحرِّ من الجمر بتطهير آخر شبرٍ من ارض العراق الطّاهرة من براثن الارهابيّين، للبدء فوراً بإعادة الإعمار وتسهيل عودة النّازحين الى ديارهم وتعويضهم عن الخسائر العظيمة التي لحِقت بهم جرّاء جرائم الارهابيّين.
امّا الجبهة الثانية فهي الحرب على الفساد اذ يلزم ان تنزل الان يد الحديد على رؤوس كبار الفاسدين ليقفَ (عِجْلٌ سمينٌ) واحِدٌ على الأقل أَمام القضاء خلف القُضبان، لينال الجَزاءِ العادل على ما اقترفت يداهُ الآثمتَين من فسادٍ ماليٍّ واداريٍّ عظيم دمّر البلاد وتسبب باحتلال (الفقاعة) نصف العراق من قِبل الارهابيّين.
وفي نفس السّياق يلزم إكمال الإصلاحات في بقيّة مؤسّسات الدّولة كما وعدَ بذلك السَّيّد رئيس مجلس الوزراء، لتحقيق الاصلاح الاداري والاقتصادي على أَحسنِ وجهٍ.
سابعاً؛ امّا مجلس النوّاب، فيجب عليه الإسراع في تشريع القوانين المتلكّئة مُدد طويلة متفاوتة.
كما ينبغي عليه تشريع القوانين التي تدخل في صلب عمليّة الاصلاح الكبرى واقصد بها؛
١/ تعديل قانون الانتخابات بما يحقّق المبدأ الصّحيح [صوتٌ واحِدٌ لمواطنٍ واحدٍ].
٢/ تعديل قانون الأحزاب بما يفتح الطريق امّا تشكيل الأحزاب على أُسُسُ ومعايير وطنيّة حصراً بعيداً عن معايير الانتماء الدّيني والمذهبي والإثني وغير ذلك.
٣/ تعديل قانون الهيئة المستقلّة للانتخابات وإعادة هيكلتها بما يحقّق استقلاليّتها بشكلٍ حقيقيٍّ وتامّ وليس بشكلٍ صوَري كما هي عليه الان.
٤/ تشريع قانون الإحصاء العام لرفع الحيف والظّلم عن ايّة دائرة انتخابيّة بسبب التوزيع العشوائي او التخميني لعدد مقاعد مجلس النوّاب.
ثامنا؛ وهي النقطة المهمّة جداً التي يجب ان لا نغفل عنها ابداً، الا وهي وبكلّ صراحةٍ ووضوحٍ؛
لولا الحركة الاحتجاجيّة السّلميّة والاعتصام الاحتجاجي السّلمي عالي التّنظيم والانضباط الذي قادهُ زعيم التيّار الصّدري السيد مُقتدى الصّدر لكنّا الى الان نعيش في حلقة مُفرغة ولا نضرس الا وعوداً فارغةً من السّياسيّين.
انّ اعتصامهُ في المنطقة الخضراء وعلى اسوارِها سلبَ منهم ايّة فرصة للتهرّب من الاستحقاق الوطني الذي فرضهُ الشّارع.
انّها فرضت واقعاً جديداً بلا شكّ نتمنّى ان يعضّ عليهِ العراقيّون بنواجذِهم فلا يفلت منهم مرّةً أُخرى، اذ يلزمهم ان يتقدموا به الى الامام خطوةً فخطوة.
ان ايّة غفلة من الشّارع سيُعيد الوضع الى المربّع الاول، فالأحزاب والكُتل التي خسرت الكثير جرّاء هذه الحركة الاحتجاجية ستظلّ تُخبّث وتضع العصي في عجلة التغيير ما أمكنها الى ذلك سبيلاً وكلما حصلت على فرصةٍ ما، بعد ان ثبُت بالدّليل القاطع انّ همّها ليس الوطن والشّعب وانّما جيوبها ومصالحها وامتيازاتها حصراً.
فلينَم العراقيّون من الآن فصاعداً بعينٍ وَاحِدَةٍ، فيهبّوا الى أسوار المنطقة الخضراء كلّما أَحَسُّوا انّ عِجلاً يحاول ان يلعب بذيلهِ، فالمسافةُ بين (الحنّانةِ) وبغداد قصيرةٌ جداً تطويها الإرادة القويّة والشّجاعة الوطنيّة كلمحٍ بالبصر! وقبلَ ان يرتدَّ الى العِجلِ طرفُهُ!
مرّةً أُخرى اثبتَ الشّارعُ انّه قادرٌ على الفعل اذا فشل السياسيّون وانّهُ قادرٌ على الانجاز اذا تلكّأ الزّعماء وحاولوا التّسويف أو التّأجيل.
اضف تعليق