عملية ارهابية تهز مدينة "بروكسل" عاصمة الاتحاد الاوربي وحلف الناتو وسط حالة من الفوضى والإستنفار الأمني في عموم بلجيكا والقارة الأوروبية.. سلسلة تفجيرات إرهابية استهدفت القاعة الرئيسية في مطار زافنتم، الدولي فيما ضرب تفجير محطة مالبيك للمترو، القريبة جدا من مقرّ الاتحاد الأوروبي! ممّا أسفر عن سقوط مئات القتلى والجرحى. فيما سارع تنظيم داعش الارهابي الى تبني العملية معلنا ان الشقيقان البلجيكيان إبراهيم وخالد بكراوي هما اللذان نفذا تفجيرات مطار بروكسل.
الارهاب كان يصول ويجول في دماء الابرياء ومُنِحَ فرصة كبيرة من قبل العالم الغربي ليمزق الدول العربية والاسلامية وعلى رأسها العراق وسوريا فيما يعرف بنظرية "الفوضى الخلاقة" من اجل تعديل موازين القوى الدولية، وقد عادت هذه البضاعة الاوربية الرخيصة لتدمير تجار شعارات حقوق الانسان، فحينما كان العراقيون يأنون من مجازر الارهاب بحق المدنيين كان العالم الغربي يتفرج بانتظار لحظة تقسيم هذا البلد العريق، الا ان الامور تسير على عكس ما يريد الاوربيون فقد وجد الارهاب ان الاتحاد الاوربي المنقسم بفعل ازمة اللجوء وتقاطع المصالح داخله لقمة سهلة مستفيدا بذلك من التسهيلات الامنية هناك.
الدول الاوربية اليوم في مأزق كبير فبين ازمة اللجوء واستفتاء بريطانيا للخروج منه بات الوضع اكثر سوء مع تزايد العمليات الارهابية في دول الاتحاد، فقد يقوم الاتحاد الاوربي بتعديل بعض القوانين الامنية وخاصة فيما يتعلق بإجراءات الحدود وامنها إذ من المحتمل ان يتم تشديد الاجراءات على الحدود بين الدول الاوربية وفي هذا السياق دعا رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس الى تعزيز مراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، معتقدا أن بلاده "غضت النظر" عن الأفكار المتطرفة غداة اعتداءات بروكسل وتابع فالس أنه يجب التقدم "في مجمل الوسائل لمكافحة الإرهاب..
ومن يدقق في هذه التصريحات يجد انها تحمل في طياتها رغبة بإجراءات جديدة قد تهدد اتفاقية الحدود الحرة بين دول الاتحاد بحجة فرض اجراءات وقيود امنية منعا لحدوث عمليات ارهابية ومن المرجح أن تطال الإجراءات ضد الإرهابيين الحريات الشخصية، والحقوق الدستورية للمواطنين الأوروبيين على اختلاف مشاربهم وأصولهم. كما أنها ستهدد الوحدة السياسية والاقتصادية للقارة، وتنذر بنعي اتفاقية "شينغن" للفضاء الأوروبي الحر. ووسط هذه الفوضى الامنية تصر بريطانيا على مضيها قدما في اجراء الاستفتاء للخروج من الاتحاد الاوربي.
ليس هذا فحسب فحلف الناتو مهدد ايضا بالتفكك امام صعود الاحزاب المتطرفة في اوروبا والولايات المتحدة فقد تطرقت صحيفة "روسيسكايا غازيتا" الروسية إلى الضربة التي وجهها دونالد ترامب لمؤسسات السياسة الخارجية الأمريكية والأوروبية، مشيرة إلى أنها تهدد منظومة الأمن في الغرب. وجاء في مقالة صحفية ان المرشح لمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، وجه ضربة قوية الى مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية وكذلك الأوروبية، عندما وضع قيادة واشنطن لحلف شمال الأطلسي "الناتو" موضع الشك والتي تمثل حجر الزاوية في منظومة الأمن الغربي. فقد اشار ترامب خلال لقائه بهيئة تحرير صحيفة واشنطن بوست الى ان "الناتو يكلفنا كثيرا. نعم نحن بهذه الصورة نحمي أوروبا، ولكننا ننفق أموالا كثيرة. لم يعد بإمكاننا تحمل هذا، لذلك يجب اعادة النظر بهذا. ابقاء الناتو ولكن بتحمل نفقات أقل".
وفي المقابل، فإن أحزاب اليمين المتطرف شرقا وغربا اتحدت حول شعارات شعبوية، تحمِّل الأقليات المسلمة، واللاجئين إلى القارة العجوز المسؤولية عن العمليات الإرهابية. وذهب بعضهم إلى المطالبة بترحيل ملايين المسلمين ردا على الهجوم الإرهابي؛ في خطوة تتضمن عقابا جماعيا، ونكوصا عن شعارات الانسانية التي ترفعها القارة العجوز واوصلت حضارتها الى القمة وذلك عن طريق تحميل ملة، أو مجتمع مسؤولية تصرفات اتخذها أفراد، لا يشكلون نسبة يعتدُّ بها من العرب والمسلمين المقيمين، أو اللاجئين إلى أوروبا. كما ان صعود اسهم الاحزاب المتطرفة في القارة الاوربية يمثل تهديدا جديا لمستقبل أوربا كلها .
واذا كانت ازمة اللجوء قد ادت الى صعود الاحزاب المتطرفة في فرنسا والمانيا واسهمت في تعقيد الاوضاع السياسية والاقتصادية؛ فان استمرار الهجمات الارهابية في دول الاتحاد الاوربي تنذر بتفاقم مخاطر تفكك الاتحاد تحت وطأة اجراءات الحماية التي تتبناها كل دولة على حدة، بالاضافة الى ذلك فان استفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد الاوربي سيقلل من فرص بقاء المملكة المتحدة تحت خيمة الاتحاد الاوربي ما يعني كسر هيبة هذا الاتحاد القاري وينذر بامكانية خروج دول اخرى من الوزن الثقيل بعد ان تجد نفسها في اتحاد صغير لا يحقق طموحاتها وانها تنفق الكثير في سبيل دول لا تتمتع بنفس المستوى الاقتصادي والاجتماعي لا سيما مع الحديث عن امكانية انضمام تركيا التي لا تلقى ترحيبا كبيرا .
ومع امكانية اختلاف وجهات النظر بين الدول الاوربية حول قضايا الارهاب ومموليه فقد نشهد تحولات في التعامل مع الملفات الدولية الشائكة مثل الازمة السورية ، وعلاقة الاتحاد الاوربي مع السعودية الراعي الرسمي للجماعات التكفرية السلفية والتي تمثل الخطر الحققي للدول الاوربية ، ويبقى السؤال المطروح هنا عن امكانية تحول بعض الدول الاوربية الى المعسكر الروسي فيما يتعلق بالازمة السورية والابتعاد عن الامارات الخليجية الراعية للجماعات السلفية الوهابية ، وقد استغل رئيس وفد الحكومة السورية لمفاوضات السلام في جنيف بشار الجعفري هذه الاوضاع المرتبكة مطالبا من مسؤولة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني بإعادة فتح سفارات دول الاتحاد المغلقة في دمشق وهي دعوة لنسيان امكانية رحيل بشار الاسد وتؤكد على ضرورة التركيز على محاربة الجماعات الارهابية .
وفي ظل هذا الوضع المتازم عالميا ينبغى الابتعاد عن لغة التشفي بدول كانت تغض الطرف عن الارهاب فكلما توسع هذا المرض السرطاني فان الجميع معرضون للخطر وبالتالي فالعالم اليوم بحاجة الى معالجة جذرية للارهاب قبل ان يدمر مستقبل كوكب الارض ، وهذه المعالجة لا يمكنها ان تنجح اذا لم تاخذ في الحسبان حاجات جميع الدول والمجتمعات ومراعات خصوصياتها الدينية والاجتماعية، فقد آن الأوان لتسمية الأشياء بمسمياتها وإطلاق صفارة الخطر الذي يتهدّد جميع الأمم واعتماد سياسات واضحة ، تقف في وجه داعمي ورعاة الإرهاب من الدول والمنظمات اذا كانت هناك نية صادقة للحفاظ على القيم الانسانية التي ينادي بها الجميع .
اضف تعليق