عرفت المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية بأنها منطقة متوترة ومتأزمة طوال العهد السعودي المعاصر. ولمعرفة حقيقة ما يجري لابد من رسم خلفيات يمكن طرحها في عدة نقاط:
أولا: خرجت الدولة السعودية من رحم الخلافة العثمانية بعملية قيصرية تحت إشراف بريطاني، جعل من قادة (الحركة الإصلاحية) منفذين لها حين اتفقا على تأسيس دولة في الجزيرة العربية منطلقين من نجد، واضعين عدة نقاط نصب أعينهم وذلك في حديث دار بين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب في الدرعية، حيث تحالفا على القيام بتطبيق مبادئ الدعوة فعرف ذلك بـ"لقاء الدرعية".
ثانيا: أدرك المتحالفان أنهما لن يتمكنا من تنفيذ المشروع ما لم يحصلوا على قوة مالية فصار ابن سعود يأخذ الضرائب من نجد وأعرابها، لكن ابن عبدالوهاب وبحكم تخصصه في تاريخ السلف (الصالح) أخبر حليفه أن أفضل وأسهل طريق لذلك هو "الغزوات والفتوحات" باسم نشر الدعوة، وبالفعل حصل ذلك تحت عنوان "التوحيد السياسي" و"توحيد الشريعة" في أنحاء الجزيرة العربية وخارجها إذ شنوا سلسلة من الحروب صادروا أثنائها أموال الناس وسلبوا ونهبوا المدن فضلا عن إراقة الدماء تحت ذريعة الدعوة والإصلاح.
ثالثا: تعرضت السعودية خلال مراحل قيامها الأولى والثانية إلى حركات صعود وهبوط إلا أنها بسطت نفوذها على أجزاء كبيرة من أرض الجزيرة خلال مرحلتها الثالثة باستثناء بعض قرى ومدن شرق الجزيرة التي لم تنضم تحت راية "توحيد الشريعة" حتى الساعة -ومع ان دولة الدعاة بسطت نفوذها السياسي على تلك المنطقة- وازدادت أموالهم بعد جمع الغنائم إلا انها تضاعفت بصورة مذهلة بعد التنقيب عن حقول الذهب الأسود الوافر في المنطقة الشرقية.
رابعا: بعد توفر النفط أو الأمان (الاقتصادي) والأمان السياسي سنحت الفرصة للقادة أن يواصلوا تطبيق "توحيد الشريعة" فاستأنفوا مشروع "الفتوحات" بتوكيل هذه المهام إلى الدعاة في "تنظيم الدولة الاسلامية" وهو الجناح الدولي للمملكة السعودية.
ومع إن اسم الدولة في السعودية لا يحمل عنوان الخلافة -لأسباب دولية- لكنها كذلك عمليا كونها تطبق كل مبادئ الخلافة على أرض الواقع إذ أنها مثلا: تنفذ الشريعة (الإسلامية) في مبايعة الحاكم الذي يسمى ولي الأمر ويجاهد أهل الرفض. أما الاسم الصريح للخلافة فقد فوض إلى الدعاة في الجناح الدولي أن يظهروا به.
باختصار شديد إن ما يجري في المنطقة الشرقية هو عبارة عن؛ إنها منطقة غزيت وفتحت سياسياً ومالياً لكنها لم تفتح دينياً حيث لم تنضم تحت راية "توحيد الشريعة" فلذا أوكلت أمورهم إلى الجناح الدولي كي يقوم بجهادهم كونه لابد لهم أن يخضعوا لدولة الخلافة ولو بقوة السيف كما كان عند السلف أو أن يمحوا من الوجود لكن -بدون عرضهم لقول كلمة (التوحيد) كونهم كفرة برأيهم أو تخييرهم بأن يعطوا الجزية رغم إن ثرواتهم البترولية قد صودرت سلفا!- هذا ناهيك عن التغيير الديمغرافي من خلال إستيطان الدخلاء.
من هنا اتضح جليا أنهم عرضة للتصفية في أي وقت وتحت اي عنوان سواءا بشكل رسمي كـ إعدام النمر مثلاً، أو غير رسمي كـ إستهداف مراكز التجمع ودور العبادة وحتى الشوارع والأزقة، أو الجلاء من الأرض على المدى البعيد من خلال التضييق بأشكاله المتعددة.
اضف تعليق