أسوأ ما في الزّعيم او القائد او حتى السّياسي هو عندما يصل الى النتائج قضاءً، فيبني رؤية بعد فوات الاوان ويتّخذ قرارهُ بعد خرابِ البصرة كما يقول العراقيّون!.
يظلّ يستوعب المتغيّرات بانتظار المعجزة ليهرب من الاستحقاق!.
لذلك قيل [الذي يعيش بالحيلةِ يموتُ بالفقر] او كما قيل [مستقبل التنگه (الجرّة) گحف (قاعدتها)].
متى؟ متى يحصل ذلك؟!.
أولاً؛ عندما لا يعيش الواقع فيظلّ يطلّ عليه من برجهِ العاجي، محاطاً بالأسوار ومحصّناً بالحمايات المدجّجة بالسّلاح.
ثانياً؛ عندما تطرب آذانهُ لسماع معسول الكلام من مستشاريهِ الذين هم عبارة عن أَبواقٍ صدئة او (عبدة عِجْلٍ) وصوليّون لا يهمّهم ماذا يجري خارج أسوار مكتب القائد الضّرورة انّما المهمّ عندهم هو ان يرضى عنهم ولي نعمتهم ليواصل عطاياه لهم!.
فعندما تولّى هاري ترومان منصب رئاسة الولايات المتّحدة عقب موت الرئيس فرانكلين روسفيلت، قام المتحدّث باسم البيت الأبيض، سام رايبورن، بإعطائهِ نصحيةً ابويّة بقولهِ:
من الآن فصاعداً سترى حولك العديد من الأشخاص الذين سيحاولون بناء حائط حولك وعزلكَ عن أيّة أفكار الا افكارهم! وسيُخبرونك بأنّك رجلٌ عظيمٌ يا هاري، ولكن انا وانت نعرف جيّداً انَّكَ الآن لستَ كذلك!.
ثالثاً؛ عندما يخطأ التقدير فكأنه لا ينظر بمرآةٍ مستويةٍ وانّما محدّبة او مقعّرة فتقرّب له البعيد وتُبعّد له القريب وبذلك يُصاب بعمى العيون والالوان او بغبش الرُّؤية الّليليّة.
رابعاً؛ عندما لا يُصغِ الى تحذيرات المحبّين وتنبيهِ المريدين لانّهُ {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} كونه مسكونٌ بنظريّة المؤامرة، فكلّ مَن حولهُ متآمر يُرِيدُ عزلهُ ولا يحبّ الخير له.
خامساً؛ عندما لا يُتابع دقائق الامور وتفاصيل التطوّرات ظناً مِنْهُ انّ ما يسمعهُ من خطوطٍ عامَّةٍ وعريضة على لسانِ مستشاريه يكفي لرسم صورة حقيقيّة للواقع.
سادساً؛ عندما لا يفهم لغة الشّارع فاذا تظاهر الشعب مُطالباً برغيفِ الخبز يدعوهُ ليأكل الصّمّون مثلاً او الكيك!.
سادساً؛ وهو أخطر ما في الامر، عندما يتصوّر انّ صندوق الاقتراع الذي منحهُ الشّرعية لتسنّم موقعٍ ما في الدّولة يكفي للاستمرارِ في موقعهِ، غافلاً او متغافلاً انّ صوت النّاخب لكسب شرعيّة المنصب فقط وليس لكسب شرعيّة الاستمرار فيه، فلذلك مصدرٌ آخر للشّرعيّة ينحصر فقط بالانجاز والنّجاح والعمل والاداء.
وعندما يتظاهر الشّارع العراقي اليوم معترضاً على فشل السياسيّين وعدم إنجازهم معشار ما وعدوا به الناخب، تكون شرعيّة صندوق الاقتراع في مهبّ الريح، ولذلك لا يحقّ لاحدٍ من المتصدّين اليوم التذرّع بشرعيّة صوت النّاخب للردّ على الشّارع أبداً فذلك بحكم السّالبة بانتفاءِ الموضوع.
برأيي، فانّ على السياسيّين والمسؤولين، وأخصّ بالذّكر السيد رئيس مجلس الوزراء، ان يبذلوا قصارى جهده لفهم الشّارع والاستجابة لمطاليبهِ التي يُفترض انّها طرقت أسماعهم جميعاً بلا مكبّرات صوت او واسطة فهي لا تحتاج لا الى ترجمةٍ ولا الى تفسيرٍ.
هي واضحةٌ جداً [تقديمُ عِجْلٍ سمينٍ واحدٍ على الأقل للقضاء ليقفَ خلفَ القُضبان] ليشعر الشّعب بأنّ قادة الاصلاح قد أطلقوا النار من مسدّسهم إيذاناً ببدء الحرب على الارهاب بصورةٍ جديّةٍ بلا شعارات او هزل او لفّ ودوران.
يؤسفني انّهم مشغولون بالبيانات التي لا ترقى الى مستوى التّحدّي لركاكةِ لغتها السّياسية وبساطةِ محتواها الذي ليس فيه الا الإنشاء الذي يذكّرنا بالأيام التي كنّا نجلس فيها على مقاعد الدّراسة لنتعلّم كيف نكتب قصة في درس الإنشاء!.
ايّها السّادة؛
ترجّلوا من دوابّكم.
اهبطوا من أبراجِكم العاجيّة.
انزعوا نظّاراتكم عن أعينكم.
زوروا النّاس في بيوت الصّفيح وفي تقاطعات الشّوارع وفي الاسواق الشّعبية واسمعوا منهم ما الذي يريدونهُ.
لا تتحدّثوا لهم او تُخاطبونَهم {فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ}.
لقد هالني اليوم نسبة الشّباب والصّغار الى عدد المشاركين في التّظاهرات، والتي قد تصل الى اكثر من (٨٠٪) لماذا؟!.
انّهم الجيل الجديد الذي شَبّ وترعرع في ظلّ (العراق الجديد) فهو لم يتذكّر شيئاً من عهد الطّاغية الذليل صدّام حسين، فلماذا نراهُ اليوم في الشّوارع مُتظاهراً وغاضِباً ومُعارضاً؟!.
لو انّهم وجدوا الفرص المناسبة للدّراسة والعمل والرّياضة والتّرفيه والصّحة والسّكن والزّواج والسّفر وغير ذلك من أبسط شروط الحياة الكريمة ومقوّماتها، هل كانوا سيلجأون الى الشّارع للتّظاهر؟!.
لا تقولوا انّهم متآمرون! لا تطعنوا بطهارةِ نواياهم! لا تتعذّروا بالحربِ على الارهاب لمنعهم او الوقوف بوجههم! او حتّى لتبريرِ فشلكم! لا تعتذروا بالدّستور والشّراكة والمسار القانوني وغير ذلك لتبريرِ فشلِ الحربِ على الفساد! او الاصلاح الحكومي او تقديمِ (عِجْلٍ سمينٍ) واحدٍ على الأقل للقضاء ليقفَ خلفَ القُضبانِ! فلازال الخطابُ المرجعي كان قد أذِن بالحرب على الفساد والحرب على الارهاب قائمة وفي أوَجها فذلك يكفي لانْ نقولَ لكم حجَّتُكم باطلة!.
عن ايّ دستورٍ تتحدّثون؟ وماذا بقيَ من بنودهِ لم تسحقوهُ بحزبيّتكم وانانيّتكم وطائفيّتكم وعنصريّتكم؟!.
الا يكفيكم أَنَّكُم فصّلتم كلّ قوانين الفرص والامتيازات على مقاساتكم الضيّقة فحرمتُم منها الوطن والمواطن؟!.
إِنتبهوا لانفُسكم قبل فوات الاوان.
إحذروا أن تكونوا مصداقاً لهذه الصّورة {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}.
لو كُنتُم قد أصغيتم الى الخطاب المرجعي قبل عامين، لما وصل بِنَا الحال الى ما هو عليه اليوم، ولو لم تصغوا اليوم الى الشّارع فقد تكونوا غداً في خبرِ كان، ولْتنفعْكُم حينها (شرعيّة صندوق الاقتراع) ولتنفعكُم بياناتكم وشعاراتكم وخطبكم الفارغة وركوبَكم الموجة.
وحقًّا اقولُ لكم، فالإصلاحُ والحربُ على الفسادِ هدفٌ نقيٌّ وطاهر لا يمكن ابداً تحقيقهُ بأدواتٍ نجسةٍ وغير طاهرةٍ وبرجالٍ فاسدين، فهل رأيتم عاقلاً يطهّر النّجاسة بأختِها؟!.
لقد كان السّلفُ فنّاناً في الالتفاف على الشّارع ومطاليبهِ بعنتريّاتهِ وأكاذيبهِ وشعاراتهِ البرّاقة وخطبهِ الرّنّانة ووعودهِ المعسولة والفتوى الدِّينِيَّة التي كان يستصدرها في كلّ مرّةٍ يقفُ فيها على حافّة الهاوية من عددٍ من وعّاظ السّلاطين الحزبييّن، حتى سقط أخيراً على وجههِ وبئس المصير، فلماذا يصرّ البعض على تكرار التّجربة الفاشلة؟! أوَليس مَن جرّبَ المُجرّبُ نَدِم؟!.
اضف تعليق