الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يأمر بسحب القوات الرئيسية من سوريا بدءا يوم الثلاثاء 15 مارس/آذار، قرار جاء عقب لقاء ثلاثي جمع بوتين بوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغوو وزير الخارجية سيرغي لافروف، الاثنين 14 مارس/اذار في الكرملين وأعلن أن "جميع ما خرج به اللقاء (الثلاثي) تم بالتنسيق مع الرئيس السوري بشار الأسد".
القرار الروسي المفاجئ اثار موجة من ردود الافعال على مختلف المستويات الاقليمية والدولية، فوسائل الاعلام الروسية وصفت الانسحاب بالانتصار وقد اوردت صحيفة "موسكوفسكي كومسموليتستمكنت" مقالة نشرها موقع روسيا اليوم قالت فيها ان روسيا استطاعت الإفلات من الفخ السوري الذي ربما كانت عواقبه على البلاد نظريا اسوأ من حرب افغانستان، فروسيا تنسحب من سوريا مرفوعة الرأس منتصرة، وكدولة عظمى تمكنت من تغيير مسار الحرب في سوريا ولم تسمح بسقوط دمشق على يد المتطرفين فبعد ان كان نظام الأسد في الخريف الماضي على وشك السقوط في أي لحظة، ولم يكن بإمكانه سوى التفاوض بشأن شروط استسلامه ومصيره، اصبح اليوم قويا، ويتفاوض كرئيس قوي وجيشه يحقق الانتصارات في ساحات القتال.
واشارت الصحيفة الى ان تنظيم داعش لا يزال يمثل خطرا عالميا وهو ما يعطي بوتين الحق في ابقاء قواته في سوريا لكنها قالت متسائلة: هل علينا ان نحل مكان المجتمع الدولي؟، هل علينا ان نقوم بدور الجندرمة الدولية؟، وهل علينا تحمل عبء المسؤولية عما يجري في الشرق الأوسط؟. وهو ما يعطي انطباعا بالاقرار بصعوبة المهمة الروسية في سوريا وبالتالي محاولة الابقاء على المكاسب المتحققة على الارض واستثمارها بتحقيق المزيد من المكاسب على المستوى السياسي.
إعلان موسكو عن بدء انسحاب القوات الرئيسية من سوريا بالتزامن مع الزخم الكبير الذي تحظى به المفاوضات السياسية بين كافة الأطراف خاصة موسكو وواشنطن، يحمل الكثير من الدلالات التي لا يمكن النظر إليها بعيداً عن مجريات الأحداث في المنطقة والعالم، حيث تقول وكالة سبوتنيك الروسية ان الانسحاب يبعث "رسالة سلام إلى كل الأطراف بعد تلك الرسالة التي وصلت إلى كل التنظيمات الإرهابية ومن يتعاون معهم في استهداف مستقبل الشعوب المستقرة بالفوضى والطائفية والتقسيم" مؤكدة أن روسيا ستظل جزءاً من استراتيجية مواجهة التهديدات التي تتعرض لها المنطقة والعالم.
الامم المتحدة رحبت بالقرار الروسي معتبرة على لسان المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في بيان له أن قرار سحب القوات الروسية الأساسية من سوريا سيساعد العملية السلمية بسوريا وسيساهم في الانتقال السياسي.
عدد من كبار المسؤولين الايرانيين اعربوا عن تفاؤلهم بالقرار الروسي بالبدء بسحب القوات العسكرية من سوريا، مشددين على تأييد القرار وعمق علاقات طهران مع كل من دمشق وموسكو، وتأكيدهم على دعمهم المستمر لسوريا والسعي وراء الحل السلمي للنزاع. علي اكبر ولايتي مستشار المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية تحدث بلغة المنتصرين قائلا ان التقدم الذي احرزه الجيش السوري في جبهات القتال ضد المجموعات الارهابية وتطبيق وقف لاطلاق النار وبدء محادثات جنیف، نستطيع القول ان سوريا وحلفائها ومن بینهم ایران وروسیا هم اصحاب الكفة العليا ونحن متفائلون حیال المستقبل. لكنه لم يخفي رغبته ببقاء الروس قائلا في تصريح للصحفيين ونشرته وكالة تسنيم الايرانية ان الروس اکدوا انهم سیحتفظون بقواعدهم رغم تقلیص قواتهم الجویة، وحسب تصورنا فانهم سیشارکون مرة اخرى في العمليات ضد الجماعات الارهابیة ان اقتضى الامر ذلك، و هذا الكلام سمعناه من کبار المسؤولین الروس بما فیهم الرئیس الروسی فلادیمیر بوتین.
اما وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف فلم تغب عنه اللغة الدبلوماسية المعهودة وابقى الامور مفتوحة بانتظار ما سيحدث في المستقبل قائلا أنه ينبغي النظر إلى خطوة روسيا ببدء الانسحاب من سوريا ، كـ"إشارة إيجابية" لوقف إطلاق النار، واوضح في مؤتمر صحفي من العاصة الاسترالية كانبيرا أن "اعلان روسیا بدء سحب جزء من قواتها یشیر إلى أنهم لا یرون حاجة وشیكة للجوء إلى القوة في الحفاظ على وقف إطلاق النار"، وتابع بأن "هذا فی حد ذاته یجب أن یكون إشارة إیجابیة، وعلینا الآن أن ننتظر ونرى".
على الجانب الاخر تلقت الولايات المتحدة القرار الروسي بحذر كبير وفق التقارير الإعلامية الواردة الا ان الرئيس اوباما علق على سحب القوات الروسية قائلا إن سوريا كانت في أشد الحاجة إلى الحد من العنف منذ بداية اتفاق وقف الأعمال العدائية، لكنه شدد على أن استمرار الأعمال الهجومية من قبل قوات النظام السوري، يُقوض جهود وقف الأعمال العدائية والعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة. فيما قال الاتحاد الأوروبي إن أي خطوات لخفض العنف تكتسب أهمية مع استئناف محادثات السلام. وبحسب وكالة رويترز قالت كاثرين راي المتحدثة باسم الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي للصحفيين بعد أن طلب منها التعليق على الأنباء المفاجئة من موسكو "أي خطوات تساعد في تحقيق تراجع للعنف داخل سوريا وإطالة أمد وقف الأعمال.
اذاً جميع ردود الافعال والتصريحات تصب في صالح روسيا فبعد ان كان فلادمير بوتين رجل حرب متهم بارتكاب المجازر اصبح اليوم رجل سلام لا يمكن انكار دوره في تثبيت العملية السياسية في سوريا وهو ما يعتبره مراقبون انه استثمار ذكي من قبل الروس فاذا ما فشلت المفاوضات الجارية في جنيف فان فرضية القاء اللوم على الجانب الروسي قد ذهب وبالتالي فقد سحب بوتين هذه الورقة من ايدي خصومة المتمثلين بالمحور السعودي الامريكي.
كما ان هذه الخطوة الروسية قد تزيد من فرص تثبيت وقف اطلاق النار في سوريا حتى وان فشلت المفاوضات خاصة بعد توقيع عدد كبير من فصائل المعارضة السورية على الهدنة مع الجانب الروسي وبالتالي فان ذلك الانسحاب سيعطي رسالة لتلك الفصائل بان الروس جادون في انهاء الحرب ولا داعي للعودة لساحة القتال.
وما يثير مخاوف الجميع سواء خصوم روسيا ام حلفاءها هي الغموض الذي يكتنف السياسة الروسية في الآونة الاخيرة فالبعض يرى بان هذا القرار سببه وجود خلاف مع حكومة بشار الاسد خاصة بعد تأكيد وزير الخارجية السوري بان مناقشة رحيل الاسد خط احمر وهو ما دفع موسكو للضغط على حليفها من خلال سحب قواتها كون تلك التصريحات تتعارض مع التوافقات الروسية الامريكية الاخيرة، وهو رأي يقترب من الواقع كثيرا لكن ابقاء منظومات الدفاع الجوي الروسية المتطورة تثير قلق خصوم روسيا وتدعوهم للتفكير كثير قبل الاقدام على اي خطوة للتدخل البري في الاراضي السورية.
اضف تعليق