يعتبر مفهوم "الدعوة" لدى أتباع الدين الإسلامي مرادفا لمفهوم "التبشير" لدى أتباع الدين المسيحي وهو عبارة عن حث الفرد أو المجتمع للدخول أو الالتزام بالدين والتخلي عن كل ما يناقض هذا الدين.
أما مفهوم "الدولة" فهو عبارة عن منظومة تهدف إلى تنظيم الأمور وتقنين الممارسات للحؤول دون وقوع الفوضى أو الهرج والمرج.
من هذه المقدمة وبناءا على هذين التعريفين يمكن أن نوضح إلى ماذا يهدف الدعاة حين يؤسسون دولهم.
كما أشرنا في مقال سابق فإن عوامل دينية هي التي أدت إلى ظهور الدولة السعودية، وهذه الدولة ماضية في طريقها لتحقق أهداف مؤسسيها بالدعوة إلى السلف (الصالح) التي نادى بها محمد بن عبدالوهاب وأتباعه وطبقها عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود وأبناؤه. وواقع الأمر إنه لا يصح القول إن رجال الدين في المملكة العربية السعودية هم في خدمة الدولة ولا يصح أيضا أن نقول إن الدولة السعودية هي في خدمة رجال الدين، ذلك لأن رجال الدين هنا هم رجال الدولة ورجال الدولة هم رجال الدين مع فارق واحد كون الدولة جاءت لتنظيم الأمور بينما الدين جاء لـ (إرشاد) المجتمع دون قيد أو شرط.
وبناءا على هذا فإن الدعاة القائمون على الدولة السعودية يمارسون مهامهم أحيانا كرجال دين وأحيانا أخرى كرجال دولة، وذلك حسب المقتضيات والظروف التي تطرأ عليهم.
مثلا؛ للدولة السعودية عدة قنوات فضائية من حيث التمويل والتأسيس منها قناتي "mbc" و"الوصال"، الأولى منفتحة من حيث البرامج الترفيهية والأخرى منغلقة تبث المنهج التقليدي. لكن مصبهما واحد وهو استهداف كل من لم ينظم تحت راية (التوحيد) التي دعا لها ابن عبد الوهاب ليكفروه. مثال ذلك ما عرض مؤخرا في القناة الفضائية "mbc" إذ بثت مسرحية ساخرة عن حسن نصر الله وذلك بغرض استهداف الطائفة التي ينسب إليها في حين إن قناة "الوصال" ليست بحاجة إلى عرض مثل هذا النموذج إذ أن ما لديها من حوارات جادة وصريحة يوصلها إلى نفس الهدف الذي تصبو إليه البرامج الترفيهية والمسلّية في قناة "mbc".
وفيما يرتبط بالتصفيات الجسدية يكون الأمر على هذا الغرار أيضا؛ فحينما قامت الدولة بنحر الشيخ نمر النمر كان ذلك تحت غطاء المحاكم الشرعية والقضاء وفي أروقة الدولة وكان ذلك تحت ذريعة أنه مضر لأمن الدولة ويسبب الفوضى والمشاكل في البلد. لكنهم حينما أرادوا قتل مجموعة أكبر فوضت المهام إلى الدعاة ورجال الدين الذين تكوّنوا تحت مجموعة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام فقاموا بعمليات انتحارية في مراكز تجمع الروافض في المنطقة الشرقية، لأنهم هم المستهدفون في مشروع حركة (الدعوة والإرشاد) فلا يمكن نشر (التوحيد) وإنجاح الدعوة (الإصلاحية) إلا بمحوهم.
وفي خارج حدود المملكة العربية السعودية تتوزع نفس المهام حيث يلقى بعبء مهمة (الإصلاح والإرشاد) أحيانا على الدعاة وأحيانا على المؤسسات الحكومية وذلك حسب الظروف.
ففي العراق وسوريا هذا العبء ملقى على عاتق الدعاة في حين إنه في اليمن والبحرين ملقى على عاتق رجال الدولة إلا أن النتيجة واحدة.
وأخيرا موجز القول: لا يمكن الإدعاء بإن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام صناعة سعودية، إنما تنظيم "داعش" هو الذي صنع الدولة السعودية منذ أوائل القرن العشرين، وما الملك عبدالعزيز وابناؤه إلا دعاة مخضرمون ينقلون تجاربهم إلى الدعاة الجدد في تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام.
اضف تعليق