تتوالى القرارات السعودية المتسارعة لتصل الى مرحلة استنفاذ مصادر قوتها فتلجأ الى الخزين المتبقي من خيارات الرد الاخير والتي تسمى لدى البعض بقرارات الحياة او الموت، أياما قليلة بعد قرار السعودية تجميدَ مساعداتها للجيش اللبناني في خطوة قرأت على انها انسحابا سعوديا من الساحة اللبنانية ورأى فيها آخرون محاولة للضغط على حزب الله، ليتبعها القرار الاخير لمجلس التعاون الخليجي ووزراء الداخلية العرب الذي اعتبر فيه حزب الله منظمة ارهابية والسبب كما يقول الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني إن دول المجلس اتخذت هذا القرار بسبب استمرار نشاطات الحزب في لبنان وسوريا والعراق واليمن وهو ما يتنافى مع "القيم الأخلاقية والقوانين الدولية". قرار ستكون له تبعات على الداخل اللبناني حيث يشارك الحزب كلاعب رئيسي في الحكومة وتبعات خارجية مرتبطة بالصراع الإقليمي وحرب المحاور.
لا نعرف الى اي مصير ستؤدي هذه القرارات بالمنطقة وهل هي في صالح من يصدرها قبل ان تأتي ثمارها في معاقبة من صدرت ضده؟، ولا يمكن التنبؤ بالمستقبل الذي يريد ان يوصلنا اليه الامير الشاب ووالده الخرف في مملكة النفط البارود، البعض يشير الى ان التخبط السعودي جعل من الصعب فهم الاسباب الكامنة وراء قراراته في حين تشير بعض وجهات النظر الى ان القرار يمثل احد فصول التقشف السعودي السياسي والفكري، فتصنيف حزب الله كمنظمة ارهابية جاء بعد ان عجزت مملكة النفط والبارود عن مواجهته بالقوة الناعمة رغم تفوقها في هذا المجال بحسب الخبراء، حيث تملك السعودية جيشا هائلا من المؤسسات الاعلامية التي تعمل على تشويه صورة الحزب، لكن من دون جدوى وبذلك اضطرت الى استخدام لغة تصعيدية قد تتحول الى مواجهة عسكرية على غرار ما حدث في اليمن.
اصحاب السلطة في السعودية يقولون ان القرار الارهابي يأتي كرد فعل طبيعي تجاه تدخلات حزب الله في شؤون دول مجلس اتعاون الخليجي والدول العربية الاخرى وخاصة سوريا والعراق واليمن وهي لغة غير مفهومة بالمرة فاذا كان الارهابي يقاس بمدى تدخله في شؤون الدول الاخرى فهذا يعني ان السعودية هي ام الارهاب وابيه بتدخلها في شؤون العراق منذ اكثر من عشر سنوات وهي التي اعادت اليمن الى العصور الوسطى وتحاول فعل ذلك في سوريا بالتعاون مع حليفها الجديد "تركيا" لكن هناك رأي يقول بان القرار السعودي تكمن ورائه اسباب تراكمت بفعل فصولٍ من الصراع بين الطرفين وهي كالاتي:
1- محاولة تحويل الانتباه عن الخسائر السعودية في ميادين الحرب مع المحور الايراني، فاليمن بات كابوسا بالنسبة للمملكة بعد مرور عام على عاصفة الحزم من دون تحقيق اهدافها، اما في الجبهة السورية فمستوى التحشيد العسكري في قاعدة انجرليك التركية يدل على مدى الياس من تحقيق الجماعات التابعة للسعودية اي تقدم ضد النظام السوري فضلا عن ذوبان الآمال السعودية بإسقاط حكومة بشار الاسد في ظل التغيرات المتسارعة التي توجت بهدنة وقف الاعمال العدائية بين روسيا وامريكا بعد تهميش السعودية وتركيا من محادثات هذه الهدنة.
2- قد يكون استخدام هذه اللهجة التصعيدية تجاه حزب الله هو لصناعة هالة "الردع السعودية" التي تحاول المملكة تسويقها من خلاله اظهار جديتها في تصريحاتها المتواصلة ضد الحزب ومناصريه من اجل كسب المزيد من القوى المترددة التي تصفق للقوي المنتصر وتركض وراء المال السعودي، فضلا عن طمأنة حلفائها الذين باتوا في وضع لا يسمح لهم بالصمود امام قوة المحور الايراني في المنطقة ولا يثقون بصحاب القرار السعودي بعد انكساراته العسكرية والسياسية المتواصلة.
3- تطور العلاقات الاسرائيلية السعودية في الآونة الاخيرة حيث يعتقد بعض المتابعين ان هناك علاقة طردية بين تطور التنسيق السعودي الاسرائيلي وارتفاع النبرة التصعيدية ضد ايران وحزب الله, ويشير بعض المتابعين الى ان هناك ارتباط بين القرار الاخير ضد حزب الله والتقارير الاسرائيلية حول تصنيف الحزب باعتباره الخطر الثاني بالنسبة للكيان الصهيوني ليكون هذا بداية طيبة لعلاقة اكثر جدية بين الكيان الصهيوني والسعودية.
السعودية اليوم تتبع سياسة خلق الاعداء او زيادة حدة العداء لأسباب ثأرية انتقامية في عالم تسوده اللغة البراغماتية ، وهذا لا يخدم مصالحها على مختلف الجبهات فكسب الحرب لا يقتصر على هزيمة العدو بل قد يكون تحويل العدو الى صديقة هو الانتصار الاكبر وهو ما يلعب عليه الان الغريم الايراني للسعودية حيث استطاع انهاء الملف النووي لصالحة مع كسبه المزيد من الاصدقاء الاوربيين او تحييد بعض الاعداء بعد ان اثبتت الجمهورية الاسلامية نفسها كقوة دبلوماسية ابهرت الجميع بقدرتها على مجارات مسار المفاوضات والحفاض على ديمومتها بدون اعطاء تنازلات كبيرة مقابل تحقيق الكثير من المكاسب، وفي الشأن العربي استطاعت ايران كسب الفصائل الفلسطينية رغم الاختلافات الدينية والايدلوجية وهو ما تفتقده السعودية في هذا المجال.
ولا يمكن لأي دولة ان تعول كلياً على اللغة التصعيدية والتهديد بالحرب او شنها, فحتى الدول العظمى التي تملك اكبر الترسانات الحربية لا يمكنها الاعتماد على الخيار العسكري كحل للازمات التي تتعرض لها؛ فالعلاقات الدولية اليوم تسودها الحلول الدبلوماسية اكثر من الخيارات العسكرية ، والمعطيات تشير الى ان السعودية لا يمكنها تحمل المواجهة وحدها وبالتالي فهي بحاجة الى المزيد من الحلفاء لكسب المعركة المفتوحة ضد محور المقاومة ومن ثم فهي بحاجة الى خلق اجماع عربي يمهد لها الطريق للقضاء على حزب الله، لكن هذا لا يمكن ان يحصل فالجزائر قد فتحت طريق الرفض لهذا القرار الارهابي بالتأكيد على موقفها الداعم لخط المقاومة عندما قال وزير خارجيتها السيد رمطان لعمامرة ان بلاده تتبرأ رسميا من هذا القرار "وان حزب الله حركة سياسية تنشط في لبنان وفق قوانينه، والجزائر مواقفها ثابته لا ولن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول". لتلتحق تونس بركب الرافضين للقرار العربي الارهابي حيث قال وزير خارجية تونس السيد خميس الجهناوي ان "هذا البيان الختامي لا يعكس موقف تونس، وليس له صفة اقرارية"، واوضح ان "مثل هذا القرار يصدر بالتشاور بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وتعلنه وزارة الخارجية لا الداخلية".
هذه الدلائل تشير الى عجز مروجي هذا القرار الارهابي عن تحقيق احلامهم بهزيمة حزب الله الذي اثبت قدرة فائقة في تحدي اعدائه وهزيمتهم فكل الدلائل تشير الى صعوبة او استحالة هزيمة هذا الحزب الذي استطاع تحطيم اسطورة التفوق الاسرائيلي في المنطقة العربية عام 20٠٠ و٢٠٠٦ رغم ما حصلت عليه من دعم دولي وعربي لحروبها في المنطقة.
وتبقى النتيجة الابرز في هذا القرار الارهابي كما في القرارات السابقة هي ان السعودي قد اعطت الضوء الاخضر مرة اخرى لغريمها ايران بكسب المزيد من الاصدقاء العرب باعتبارها قوة اقليمية كبرى تدعم خط المقاومة وتتبنى مناصرة القضية العربية والاسلامية الكبرى وهي قضية فلسطين ولا نريد ان نورد الكثير من الادلة في هذا المجال لنكتفي بخاتمة افتتاحية جريدة "رأي اليوم" التي قالت فيها "المقاومة التي هزمت الاحتلال الاسرائيلي سواء في لبنان، او قطاع غزة، او الضفة الغربية، او هضبة الجولان، وسيناء، لا يمكن ان تكون ارهابا، والذين يريدون تبني التوصيفات الاسرائيلية لها يرتكبون خطأ فادحا، ويؤكدون عدم استيعابهم لمشاعر الانسان العربي المسلم الذي ستظل بوصلته دائما موجهه نحو فلسطين ومقدساتها".
اضف تعليق