الإصلاح هو عملية تغيير تتم بطريقة تدريجية وتشمل مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية في الدولة، بطريقة سلمية بعيدا عن العنف، من خلال الاستجابة لمطالب الجماهير المنادية بالإصلاح بإجراءات دستورية أو خارج نطاق الدستور أحيانا من خلال إصدار قرارات لها قوة القانون، وبهذا فان المظاهرات التي انطلقت في العراق من 7 أب 2015، وشملت اغلب محافظات العراق، كانت تنادي بإصلاح الوضع السياسي والاقتصادي وإصلاح القضاء والأجهزة الأمنية في الدولة بعد ما أصابها من تدهور أدى إلى حدوث أزمات وكوارث أودت بحياة الآلاف من العراقيين، واختلاس المليارات من الدولارات من المال العام، وتقسيم الحكم على أساس طائفي وقومي، وقد تقود في نهاية المطاف إلى تقسيم البلاد.

ومنذ اكثر من سنة على اعلان السيد العبادي عن إصلاحاته التي لم ترى النور لحد الان، وواجهت الكثير من العقبات سواءً على المستوى السياسي او الدستوري، وقد بدأها بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية الذين ما زالوا يمارسون مهماتهم كنواب للرئيس لحد اليوم، ثم دعوته الى تغيير وزاري شامل وقيام حكومة تكنوقراط مستقلة، الامر الذي يجعلنا نتساءل هل هي إصلاحات حقيقية ام محاولة لتهدئة الشارع؟، وهل ان السيد رئيس الحكومة هو فعلا قادر على القيام بإصلاحات وتجاوز الكتل السياسية؟ ام انها إجراءات فقط حكومية تعمل على إصلاح البناء المؤسسي للدولة؟، وماهي نتائج فشل الحكومة في القيام بهذه الاصلاحات؟

ان المتابع للأحداث في العراق يرى ان اغلب الإجراءات التي قامت بها الحكومة العراقية هي إجراءات لم تكن مساس للواقع السياسي، بل هي كانت ترقيعية تحاول تهدئة الأوضاع الداخلية، مع عدم الضرر بالحزب الحاكم، المستحوذ على اغلب المناصب الحكومية، خصوصا مع وجود عقبات واضحة أمام الإصلاحات، وأن الحكومة باتت في منطقة حرجة بل صعبة للغاية، حيث تتداخل العقبات الإدارية مع الدستورية لإجراء الإصلاحات، في ظرف عصيب يمر به العراق، يتمثل بالتهديد الأمني الخطير الذي يتهدد وجوده بالكامل، متمثلا بالحرب الكبيرة التي يخوضها العراقيون ضد تنظيم داعش الإرهابي.

هذه الإصلاحات لم تلامس الواقع اليومي للمجتمع، بل ولك تنعكس في حياته اليومية، والمتابع يرى بوضوح انها مجرد إجراءات لتهدئة الأوضاع وذر الرماد في العيون خصوصاً وان المرجعية الدينية العليا في خطبة صلاة الجمعة الاخيرة من الصحن الحسيني الشريف صعّدت من خطابها وطالبت باتخاذ مواقف حاسمة تجاه مكافحة الفساد المستشري وبحماية الدولة من شخصيات متنفذة وفاسدة، كما طالبت المرجعية الدينية ضرورة ان تكون هناك خطة واضحة لعملية الإصلاح، وان لا تكون انتقائية تستهدف مكون دون مكون اخر، بل يجب ان تشمل الجميع، كما ان هذه الإجراءات عكست عجز الحكومة من احداث تغيير واضح في الهيكلية الإدارية للدولة، الامر الذي ربطت فيه المرجعية الدينية عملية الإصلاحات مع ملاحقة المفسدين وتقديمهم للقضاء وإعادة الأموال المنهوبة والمشروعة من أموال الشعب العراقي في مشاريع وهمية ومقاولات مبنية على العلاقات المشبوهة والمحاباة والفساد.

منذ انطلاق اصلاحات الحكومة في اب 2015، فان العديد من المتابعين كانوا يرون ان هذه الاصلاحات ماهي الا لتهدئة الشارع العراقي، وان هذه الإصلاحات لم تلامس الواقع اليومي للمجتمع، بل ولم تنعكس في حياته اليومية، والمتابع يرى بوضوح انها مجرد إجراءات لتهدئة الأوضاع وذر الرماد في العيون، وان الحكومة غير قادرة على اجراء اي اصلاح حقيقي في العراق، وهناك عدة معوقات تقف بوجه الحكومة لإكمال اصلاحاتها منها:

1- المحاصصة الطائفية

ان اغلب المسؤولين العراقيين؛ وحتى الذين كانوا ينادون بإلغاء المحاصصة الطائفية وإنها سبب مشاكل العراق قد غيروا رأيهم الان وأصبحوا ينادون باحترام الدستور والتوافق السياسي، وذلك بعد تعرض مصالحهم الشخصية للخطر، فقد حذروا من ضرب المؤسسات الوطنية الدستورية وخرق الدستور والقفز على المتوافقات السياسية التي تشكل صمام أمان للاحتجاجات الشعبية، وإن أي إصلاحات أو إجراءات تتخذها الحكومة يجب أن تكون منسجمة مع مبادئ الدستور العراقي، مشددين على أهمية احترام الدستور وعدم تجاوز التوافق السياسي، حتى ان اقرب المقربين لرئيس الوزراء ومنهم الائتلاف الوطني قد رفضوا اجراء اي تعديل على الحكومة، فقد اكدت كتلة المواطن مثلا ان اي تغيير وزاري في الحكومة يجب ان يشمل الكل بما فيهم رئيس الوزراء نفسه، وهو مطلب تعجيزي، وهو يعني ضمنا ان اي تغيير واصلاح في الحكومة يعني اسقاط الحكومة الحالية وسحب الثقة منها.

كما سار كلا من نائب رئيس الجمهوري (أسامة النجيفي) ونائب رئيس الوزراء (صالح المطلك) بنفس الاتجاه من خلال المطالبة باحترام التوافقات السياسية التي تشكلت عليها الحكومة العراقية واحترام الدستور، علما إن اغلب العرب السنة قد رفض الدستور في بداية الاستفتاء عليه عام 2005، أما الكتل الكردستانية هي الاخرى منقسمة من التعديل الوزاري الجديد، ففي الوقت الذي اعلن فيه الحزب الديمقراطي الكردستاني معارضته لأي مساس بالتوافق السياسي، فان كتل اخرى قد ايدت التغيير الحكومي مثل التغيير، وهذا التباين في المواقف نابع من الازمة والصراع السياسي في الاقليم، ولم يكن نابع من موقف ثابت من اصلاح الاوضاع في العراق، كما إن بعض الكتل السياسية من الطرف الشيعي بدأت بالمراوغة في تحركاتها، فمن جهة أيدت في العلن المطالب بالإصلاح والتغيير الوزاري خاصة بعد تأييد المرجعية الدينية لها، وبعضها دعا الحكومة الى الاسراع بالتغيير، الا ان هذه الكتل من اشد المعارضين لها خلف الكواليس.

2- عدم جدية الحكومة في تحقيق مطالب الشارع العراقي والمرجعية الدينية العليا

اذ ان اغلب المطالب كانت تنصب على امرين مهمين وهما محاسبة الفاسدين والذين كانوا السبب في دمار البلد، واعادة الاموال المسروقة، اذ اكدت المرجعية العليا وفي جميع خطبها في صلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف دعت وطالبت باتخاذ مواقف حاسمة تجاه مكافحة الفساد المستشري وبحماية الدولة من شخصيات متنفذة وفاسدة، كما طالبت المرجعية الدينية ضرورة ان تكون هناك خطة واضحة لعملية الإصلاح، وان لا تكون انتقائية تستهدف مكون دون مكون اخر، بل يجب ان تشمل الجميع، كما ان هذه الإجراءات عكست عجز الحكومة من احداث تغيير واضح في الهيكلية الإدارية للدولة، الامر الذي ربطت فيه المرجعية الدينية عملية الإصلاحات مع ملاحقة المفسدين وتقديمهم للقضاء وإعادة الأموال المنهوبة والمشروعة من أموال الشعب العراقي في مشاريع وهمية ومقاولات مبنية على العلاقات المشبوهة والمحاباة والفساد، هذه المطالب اساسية لأي عملية اصلاح حكومي حقيقي في العراق، ولكن هل الحكومة العراقية قادرة بالفعل على ملاحقة الفاسدين واعادة الاموال المنهوبة للبلاد؟، خاصة وان اغلب المتهمين بالفساد وسرقة المال العام هم من يمسك بخيوط السلطة بقوة في البلاد، واي تحرك ضدهم سوف يقود البلاد الفوضى، كما ان اعلان رئيس الوزراء بان اجراء اي اصلاح حكومي في العراق يجب ان يحظى بموافقة الكتل السياسية يعد تراجعا ضمنيا عن الاصلاح.

3- كما لا ننسى الدور الدولي والاقليمي المعرقل لأي عملية اصلاح حقيقية في البلاد، فالاحتلال الامريكي ومنذ ان وطأة قدمه ارض العراق، فانه سعى الى تقسيم البلاد قوميا وطائفيا من خلال مجلس الحكم، كذلك سعى الى اضعاف العراق من خلال حل الجيش وتدمير كل مقومات اعادة تأهيله مستقبلا، وهو لازال يسعى الى تحقيق اهدافه، من خلال دعم طرف على اخر، لمنع اي عملية اصلاح حقيقي في العراق، كما اننا لا يمكن ان نغفل دور الدول الاقليمية في منع الاصلاح السياسي في العراق، فكل طرف يحاول ان يتغلب على الطرف الاخر من خلال دعم المنظومة التابعة له داخل العراق، ويسعى الى منع اي عملية اضرار بأنصاره داخل العراق حتى وان ادى ذلك الى اضعاف الدواة العراقية، او ادى الى الاضرار بالمواطن العراقي، المهم ان يكون لانصار هذه الدول الاقليمية او تلك كلمة مسموعة في الداخل الخارج، لهذا فان اي عملية اصلاح سياسي وحكومي اذا اراد لها النجاح فانه لابد من تحييد التدخل الخارجي، فهل الحكومة العراقية الحالية لها القدرة على تحييد التدخل الخارجي؟ خاصة وأنها محتاجة لهذا الدور في مجابهة الارهاب الذي سيطرة على مساحات واسعة من الاراضي العراقية.

ان استمرار القيام بإصلاحات شكلية، وعدم تنفيذ رغبة الشارع العراقي في الاصلاح، كذلك تعكز الحكومة على حجة التوافقات السياسية، وعدم تجاوز الكتل السياسية لان موافقتها ضرورية في عملية الاصلاح الجوهري وتشكيل الحكومة التكنوقراطية.

ان عدم تحقيق الاصلاح وفشله سوف يكون له تأثير كبير على الحكومة العراقية وعلى العراق بشكل عام، ولعدة اسباب منها:

1- سوف تفقد الحكومة العراقية التأييد التي كانت تحضا به من المرجعية الدينية في العراق، هذا التأييد الذي لا يمكن لأي حكومة عراقية تجاوزه او التخلي عنه، اذ ان اعلان المرجعية الدينية بانها سوف تتخلى عن الخطبة السياسية في خطبة الجمعة والاقتصار على الدينية فقط، لا يعني هذا انها سوف تغض الطرف عن التصرفات الحكومية، بل سوف يكون لها راي من خلال الشارع خاصة وان الانتخابات التشريعية والمحلية على الابواب، وهذا ما اكد وكيل المرجعية الدينية في كربلاء السيد (الصافي) خلال تكريم للطلبة المتفوقين، متسائلا عن من يعيد الاموال المسروقة للعراق، ومن الذين يحاولون تفتيت العراق، خاصة وان اغلب السياسيين يرجون لسياسات تمثل مصالحهم الخاصة على حساب الصالح العام.

2- غليان الشارع العراقي من سياسات بعض المسؤولين في الحكومة، والذين أصبحوا حجر عثرة في مسيرة الاصلاح في العراق، خاصة بعد اتجاه الحكومة الى استقطاع رواتب الموظفين لسد العجز في الموازنة، فاستمرار الحكومة في نهجها المهادن للكتل السياسية الفاسدة، وعدم الاستماع الى مطالب الشعب والمرجعية بمحاسبة المسؤولين الفاسدين واعادة الاموال المسروقة، واللجوء الى استقطاع الرواتب لسد العجز، سوف يقود الى تذمر شعبي عام، قد يتوسع لاحقا الى انتفاضة قد لا تستطيع الحكومة مقاومتها او ارضاءها.

3- ان فشل الحكومة للقيام بواجباتها في الاصلاح، وتغيير الوضع العام، سيكون فرصة سانحة للكتل الفاشلة والفاسدة للقيام بانقلاب مضاد، من خلال القيام بإصلاحات رمزية فوقية، ومنها اسقاط الحكومة نفسها، وتشكيل حكومة جديدة، خاصة وان عدد من الكتل السياسية قد دعت بشكل غير مباشر الى تغيير رئيس الوزراء، ومنها كتل ضمن الائتلاف الشيعي، اذ طالبت ان تطال الاصلاحات رئيس الوزراء شخصيا، وهي دعوة لتغييره، خاصة وان هناك تجارب عديدة سابقة في العراق قادة الى قيام تحالفات بين كتل سياسية ليس بينها اي توافق سياسي، ولكن الضرورة اجبرتها على التوافق فيما بينها للوقوف بوجه الاصلاحات السياسية والحفاظ على مصالحها.

4- ان استمرار رئيس الوزراء بالتغيير والاصلاح وتجاهل الكتل السياسية، خاصة وان اغلبية الكتل ترفض ما يذهب اليه، ومنها ضمن الائتلاف الشيعي نفسه، هذا التجاهل للكتل السياسية ومجلس النواب في عملية الاصلاح يعني الرغبة في الدخول في صراع وتأزيم للأوضاع، إذن رئيس الوزراء يرى ان حكومة مصغرة ومن التكنوقراط يكون له الحرية في اختيار وزرائها هو السبيل الوحيد للخروج من الازمة في العراق، ولكن هل يستطيع ان يتحمل مجابهة الكتل السياسية، واجبارها على قبول الاصلاحات؟، ان استمرار المطالب الشعبية بالإصلاح، وفشل الحكومة في تحقيقه، واصطدام ذلك بمعارضة الكتل السياسية سيقود في نهاية المطاف الى اجراء انتخابات مبكرة في العراق للخروج من هذه الازمة، خاصة وان عدد من الكتل قد لوحت بإجراء انتخابات مبكرة.

إن الإصلاح في جوهره هو تصفية مظاهر الطائفية من الحياة السياسية وهي خطوة صحيحة لأي إصلاح او تغيير حكومي، وهي ضمان لخروج البلاد من التشرذم والتصدع، كذلك الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وإعادة بناء الدولة العراقية على أسس جديدة، كذلك تفعيل السلطة التشريعية ورقابتها على مؤسسات الدولة، وإنهاء المظاهر الشاذة وغير الدستورية، وإنهاء حالة استلام مناصب بالوكالة لأنها أدت إلى دمار البلاد والمؤسسات التي انتشرت فيها، وان الإصلاح الحقيقي، هو السعي بتوفير حياة رغيدة للمواطن، من خلال تفعيل القطاع الصناعي والزراعي، والتشجيع على دخول الشركات الاستثمارية، لاستثمار أموالها بالعراق، ومن خلال ذلك ينتعش الاقتصاد، عما هو عليه اليوم من اقتصاد ريعي.

ونأمل أكثر إن تتكاتف بقية القوى السياسية ظاهرا وباطنا مع السيد (حيدر العبادي) لإنقاذ العراق من هذا المأزق، ونجعل من نداء المرجعية بالإصلاح هو بحجم نداء الجهاد الكفائي، وهو بحاجة إلى رجال ليثبت بأنه نداء لإنقاذ العراق، مثلما اثبت رجال الحشد الشعبي إن نداء الجهاد الكفائي أنقذ العراق.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

اضف تعليق