في ظل الاندفاع السعودي الهستيري لم يكن خبر حظر بيع الاسلحة الاوربية الى السعودية مفاجئا حيث صادق البرلمان الاوربي قبل ايام على فرض حظر لبيع السلاح للسعودية داعيا بريطانيا وفرنسا وحكومات دول الاتحاد الأوروبي الأخرى إلى التوقف عن بيع الأسلحة إلى دولة تنتهك حقوق الانسان باستهدافها المدنيين في اليمن. ولم تكن منظمة العفو الدولية غائبة عن لغة الشجب والاستنكار ضد السعودية حيث دعت الى فرض حظر على بيع الاسلحة عليها في بادرة تشير الى مدى انزعاج الاوربيين والمنظمة الدولية من السلوك العدواني السعودي ضد الشعب اليمني.
السعودية تعاني في هذه الايام من أزمة حقيقة اربكت حساباتها وخلخلت مكانتها بين حلفائها واعدائها، اذ اثبتت القيادة الحالية فشلها الذريع في ادارة اي ملف من ملفات المنطقة الشائكة نتيجة افتقادها لسياسة قادرة على تحديد اليات المعالجة الناجحة للأوضاع في بؤرة تسودها النزاعات في كل مكان. وربما ستؤدي ازمات المملكة المتراكمة الى تهديد وجودي يفضي بالنهاية الى انهيار نظام القبيلة الواحدة الذي حكم البلاد بسلطة "المال والدين " لعقود طويلة من الزمن ومع انهيار قيمتها المالية وارتباك سلطتها الدينية تبدو السعودية امام اختبار حقيقي لمدى صمودها امام المتغيرات السريعة في المنطقة والعالم .
وفي قراءة للدور السعودي في السنوات القليلة الماضية نجد انها عاشت نشوة تزعم العالم الاسلامي السني بعد احداث ما يسمى بـ"الربيع العربي" فباتت تقرر ما يجب وما لا يجب بما تمليه اوهام العظمة لدى امرائها على وقع اشلاء ضحايا اليمن مرورا بتمزيق الدولة السورية وليس انتهاء بدعم الجماعات التكفيرية في كل بقاع العالم, وعاشت منطقة الشرق الاوسط في ظل صعود نجم السعودية على وقع صفيح ساخن فبات اعلان التحالفات العشرينية والثلاثينية والحروب المفاجئة هو الصفة الابرز للسلوك السياسي السعودي. لكن نشوة الزعامة هذه لم تدم طويلا فقرار الاتحاد الاوربي الاخير القاضي بحظر الاسلحة والادانات الدولية المستمرة تشير الى وجود خطر وجودي يهدد الكيان السعودي.
هذا الخطر بدأت ملامحه بعد احداث تفجيرات باريس حينما بدت الدول الاوربية اكثر صراحة مع النظام السعودي وهو ما ظهر جليا من خلال اعلان جهاز المخابرات الالماني نهاية عام 2015 عن قلقه ازاء السياسة الاندفاعية السعودية في مختلف ميادين الصراع بالمنطقة، ومنذ ذلك التاريخ ومؤشر الادانات ضد نظام القبيلة الواحدة في تصاعد مستمر سواء على مستوى الصحافة الغربية او السياسيين وحتى المنظمات الدولية. وربما يكون قرار الاتحاد الاوربي ومنظمة العفو الدولية الاخير هو البداية لفصل جديد تسوده لغة تصعيدية ضد المملكة المصابة بداء الزعامة والعظمة الجوفاء .
وتشير اغلب التحليلات الى ان هناك قضايا مهمة عجلت في تبني خطاب اوربي رافض للسياسات السعودية في منطقة الشرق الاوسط والعالم :
القضية الاولى: هجمات باريس التي ادت الى فضح الدعم السعودي للفكر الوهابي التكفيري ورغم ان الدول الاوربية كانت تعرف كل شيء عن ذلك الدعم السعودي الكبير للجماعات التكفيرية الا انها كانت تغض الطرف عنها طمعا بالإبقاء على السخاء السعودي في توفير امدادات النفط اليها وبالتالي فان هجمات باريس تمثل حجر الزاوية في الكشف عن مخاوف الدول الاوربية من الدعم السعودية للجماعات الوهابية، وقد توالت على اثرها الدعوات لفك الارتباط الاوربي مع النظام السعودي كونه اصبح يمثل خطرا على الدول الاوربية لا سيما بعد تزايد القلق من استغلال الجماعات الوهابية لحرية الرأي والتعبير لنشر الافكار المتطرفة هناك.
القضية الثانية: هبوط اسعار النفط ادى الى تراجع الايرادات المالية للسعودية إذ تقدر مراكز الدراسات ان استمرار هبوط الاسعار يرجح افراغ الخزينة السعودية خلال السنوات القليلة القادمة ونتيجة لذلك فالسعودية لم تعد لاعبا كبير في السوق العالمية للذهب الاسود بعد ان باتت البدائل متوافرة بفعل تخمة المعروض اذا ما حسبنا زيادة انتاج النفط الصخري في امريكا.
القضية الثالثة: الحرب السعودية على اليمن وقد تكون هي العامل الاهم في تغير النظرة الاوربية للسعودية فقد احرجت الرياض حلفائها الاوربيين امام الراي العام المحلي و العالمي لارتكابها مجازر مروعة بحق المدنيين وتدمير البنى التحتية لشعب اليمن، واصبحت التقارير الواردة عن انتهاكات حقوق الانسان هناك واستخدام الاسلحة المحرمة دوليا تصدر بشكل مستمر . وليس غريبا ان تتصدر السعودية تتصدر السجلات السوداء في مجال حقوق الانسان بعد تصدرها العالم في مجال شراء الاسلحة.
ورغم هذه المعطيات التي تحمل في طياتها تهديدا فعليا على مستقبل العائلة الحاكمة لم نلحظ انها تسير نحو معالجة الوضع وتجميل صورتها المتآكلة وتبدو انها ماضية في تنفيذ سياساتها الخاطئة من خلال موقفها من الازمة السورية ودعمها للفصائل المسلحة واصرارها على رحيل الرئيس السوري بشار الاسد فضلا عن سعيها لتشكيل تحالفات جديدة تضمن لها التدخل بعيدا عن الدول الغربية من اجل تقويض النفوذ الايراني في المنطقة حسب ما تروج له وسائل اعلامها.
واذا مضت السعودية في سياستها الحالية فستواجه نتائج عكسية، فالدول العظمى يزعجها الحليف المغامر ولنا في تركيا الصديق الجديد للسعودية مثالا حيا على تخلي امريكا عنها بعد حادثة اسقاط الطائرة الروسية. ومن ثم فان الاستمرار بهذه السياسة المعتمدة على ترجيح الحل العسكري ومحاولة فرض شروط غير واقعية قد يفضي في النهاية الى انسلاخ العلاقة مع الحلفاء السابقين وقد نشهد تخلي الغرب عن السعودية بشكل كامل و تتحول في ذلك الوقت الى دولة مارقة يتحالف الجميع للقضاء عليها وستكون نهايتها مشابه للطريقة التي سقط فيها نظام صدام في العراق بعد تجاوزه الخطوط الحمر التي رسمها له الغرب.
الرياض استشعرت الخطر القادم لذلك بدأت بتوثيق العلاقة مع الكيان الصهيوني وشهدنا تطورت العلاقات مع هذا الكيان بشكل كبير حتى باتت اللقاء العلنية بين الطرفين طبيعية جدا ، لكن ذلك قد يمثل مشكلة لصورة السعودية لدى العالم الاسلامي السني فعلاقاتها ووزنها بُني مع المسلمين باعتبارها راعية للمصالح الاسلامية وطالما ادعت قيادتها السياسية تبنيها الدفاع عن المسلمين في جميع بقاع العالم، واذا ما مضت السعودية في تحالفها مع الكيان الصهيوني فان ذلك سيمهد الطريق لبروز معارضة داخل العالم الاسلامي ضد هذا التحالف ، وقد يفتح الطريق لعدوها التاريخي" ايران" من كسب الراغبين بالتصدي لدولة الاحتلال خاصة وان ايران تلعب على الفرص المتاحة حيث قامت اخيرا بمبادرة لتوزيع مساعدات مالية لضحايا الاعتداءات الاسرائيلية في فلسطين.
ووفق المعطيات الواردة فان استمرار السلوك السعودية قد يحولها الى دولة مارقة وفق الحسابات الاوربية وبالتالي فأنها ستخسر الحاضنة الاوربية التي اكسبتها الكثير من الشرعية الدولية، كما انها ستحول نفسها في المستقبل القريب الى دولة خائنة لقضايا الامة وفق الحسابات العربية والاسلامية وهي مؤشرات ستعجل بنهاية الدور السعودي الطامح للزعامة وربما انهيار النظام الحاكم الى الابد.
اضف تعليق