في الحديث عن الإصلاحات المطلوبة في العراق، ينقسم الرأي الى اتجاهين... الأول يطالب بالتغيير الجذري للنظام الحالي واعتماد مرحلة جديدة من التغيير بعيدا عن أسلوب المحاصصة السياسية وتوافق الكتل والفساد المستشري...الخ.
اما الثاني فلا يرى صواب المجازفة ضرورية للإطاحة "بنظام ديمقراطي تعددي" ضحى من اجل تثبيت اركانه، عشرات الالاف من المواطنين العراقيين، خلال 13 عاما في حرب دامية مع الإرهاب، وانما الضرورة تقتضي اصلاح وترميم دعامات هذا النظام، وازاله المفسدين منه، وحذف واضافة القوانين والأنظمة التي تنسجم وروح المجتمع العراقي ونظامه الديمقراطي الذي يؤمن السلم المجتمعي والرفاهية والامن لكل مكوناته وسلامة أراضيه ووحدة ترابه.
ما ينبغي ان يقال قبل ان يذهب بنا الرأي مع أحد الاتجاهين، هو ان التغيير الجذري او الجزئي سيكون سليما في حال ابتعد عن المؤثرات الخارجية، وهو امر عسير في المرحلة الراهنة، سيما وان العراق منذ غزوه من قبل الولايات المتحدة الامريكية عام 2003 وحتى يومنا هذا مازال خاضعا لحسابات الربح والخسارة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
إضافة الى ما حل بالبلد من حرب الإرهاب العالمي، والتي أدخلت العراق ضمن اللعبة العالمية لمكافحة التطرف والإرهاب، ابتداءً من تنظيم "القاعدة" ووصولا الى "داعش"، وبالتالي أصبح العراق جزءً من "الحرب الكونية" ضد هذه الجماعات والتنظيمات المسلحة أينما حلت وكيفما كانت... مما سمح للمزيد من التدخل في شؤونه الخاصة بحجة مكافحة الإرهاب والمساعدة والاستشارة...الخ.
لكن هل تنتهي الحكاية عند هذا الحد؟
لا اعتقد ذلك... فإلى جانب التأثيرات الخارجية، التي ستكون مانعة لأي تعديل من شأنه إعطاء المزيد من القوة للدولة العراقية، لان ذلك سيضعف من نفوذهم في نهاية المطاف، هناك تأثيرات وموانع داخلية لا تقل خطورة (ان لم تكن منسجمه وتابعة) عن التأثيرات الخارجية، تلك هي الموانع او "التأثيرات الداخلية".
ابسط اشكال تلك الموانع هو "الفساد" الإداري والمالي المستشري في كل جزء ومفصل داخل الدولة ومؤسساتها الرسمية العاملة، والتي عجزت اغلب الحكومات السابقة، فضلا عن الحالية، عن القضاء عليها او احتوائها، حيث ما زالت تدرج منظمة "الشفافية" الدولية، العراق ضمن البلدان الأولى في "الفساد" عالميا منذ عام 2003 وحتى عام 2016 من دون أي تقدم او تطور ملموس طوال عقد من الزمن، رغم الحملات والدعوات المتكررة لمكافحة الفساد.
هناك "دولة عميقة" ومخيفة تمد أذرعها الاخطبوطية من أصغر دائرة رسمية الى اعلى مراتب صنع القرار السياسي في البلد، دولة مبنية على السرقة وعمليات غسيل الأموال والتهريب بالتعاون مع مافيات عالمية، وقد امن أعضاء هذه المؤسسة الفاسدة حياتهم على نظام يعتمد على "الفوضى" والمحاصصة والتوافقات السياسية، ولا يمكن ان تنسجم "عملياتهم القذرة" مع أي حزمة من حزم الإصلاح او العدلة الاجتماعية والنظام والقانون.
لكن ما هو الحل؟
ختاما لا ينبغي ان نشعر باليأس او الإحباط امام هكذا منغصات، فمصيرها للزوال في نهاية الامر... ما يهمنا في هذه المسألة ان نركز على امرين مهمين:
- المحافظة على نظامنا الديمقراطي الاتحادي التعددي، وعلى حرية الرأي والتعبير والنقد والمعارضة...الخ، مهما كلف الامر.
- السعي الى اصلاح هذا النظام وترميمه بصورة مستمرة، بعيدا عن التأثيرات (الداخلية والخارجية)، حتى نصل الى المستوى الذي نطمح اليه في تحقيق رغبات المجتمع العراقي في التعايش السلمي والرفاهية الاقتصادية.
اضف تعليق