كثيرة هي الاخطاء التي ارتكبها النظام السعودي في سياساته الداخلية والخارجية؛ لعدم وجود استراتيجية واضحة للتعامل مع الاحداث المتأزمة في المنطقة، لكن ربما يعد اعدام الشيخ نمر النمر هو احد اكبر تلك الاخطاء في سياسة السعودية الارتجالية، وهو ما ينذر بارتدادات عكسية تزيد من مشاكل السعودية في الميادين السياسية والعسكرية الساخنة.
اعدمت السعودية 47 شخصا غالبيتهم من السنة والمنتمين لتنظيم القاعدة وداعش لكن ابرزهم كان رجل الدين الشيعي الشيخ نمر باقر النمر في لعبة تشير لمدى سذاجة الفاعلين الذين ارادوا ايهام الراي العالم بانهم يتعاملون مع الجميع في نفس المستوى سواء اكان سنيا او شيعيا. لكن تلك الخدعة مكشوفة للجميع، فالشيخ النمر لم يرفع سلاحه بوجه الدولة مثلما فعل تنظيم القاعدة، وكل مطالبه تتعلق بإصلاح النظام السياسي في السعودية واسترجاع الحقوق المغصوبة من الاقلية الشيعية في المنطقة الشرقية، لم يكن هذا كلامنا فقط فالكثير من المنظمات الدولية طالبت في اكثر من مناسبة بضرورة ايقاف احكام الاعدام في السعودية وخاصة الشيخ النمر لعدم ثبوت اي جرم عليه وهو ما يكشف مدى الازمة التي سيسببها اعدام هكذا شخصية لها حضورها لدى الشيعية وفي الساحتين الاقليمية والدولية.
السياسات الارتجالية للسعودية اغرقتها في حرب استنزاف "مفتوحة النهايات" في اليمن. ففي الوقت الذي ابرمت فيه ايران اتفاقها النووي مع الدول العظمى شعرت السعودية بضعفها امام قوة الدبلوماسية الايرانية التي انتزعت اعترافا دوليا ببرنامجها النووي، وفي ظل هذه المعطيات حاولت السعودية ابراز عضلاتها لمواجهة ما تسميه المد الشيعي فالقت قذائف حقدها على الشعب اليمني الفقير معتقدة بانها ستنهي المهمة مع الحوثيين في ايام قلائل حتى انها عنونة عدوانها بـ"عاصفة الحزم" تيمنا بعاصفة الصحراء، وهي عاصفة اعمت السعوديين وانقلبت عليهم جحيما، فنحن نقترب من السنة الكاملة ولم تنتهي عاصفة تلبدت سماؤها بأحدث الطائرات وغبارها انفجارات الصواريخ الذكية والغبية و القنابل العنقودية المحرمة دوليا.
ومع اشتداد المعارك في اليمن وتحولها الى حرب استنزاف طويلة لا يمكن التنبؤ بنتائجها وفقدان تأثيرها في سوريا ومقتل ابرز حلفائها هناك على راسهم متزعم جيش الاسلام زهران علوش باتت السعودية في وضع محرج للغاية وكعادتها كان كبش فداء الغطرسة السعودية هذه المرة هو اعدام الشيخ النمر لإعطاء رسالتين الاولى لإخافة خصومها ولتؤكد بانها حازمة في معاقبة كل من يحاول النيل من السلطة الحاكمة حتى ولو بالدعوة الى تظاهرات سلمية، كما تريد التأكيد على انها لا تخشى التهديدات المتكررة سواء كانت من انصاره او من المنظمات الدولية والدول العظمى ايضا . والرسالة الثانية هي للأصدقاء في اشارة منها بان المملكة في اوج قوتها وهي دولة يمكن الوثوق بها والسير في التحالفات التي عقدتها بحجة محاربة الارهاب تارة وتقويض المد الشيعي تارة اخرى.
المشكلة في القيادة السعودية كما اشرنا في بداية حديثنا هي فقدانهم للحكمة وعدم تقديرهم للظروف المتأزمة في المنطقة، فإدارة السعودية لقضية اعدام الشيخ النمر وحشر عناصر القاعدة وداعش معه هو خطأ فادح اعطى نتائج عكسية وستؤدي الى مشاكل كبيرة للسعودية على المستويين القريب والبعيد حتى وان ارادت المملكة المكابرة على هذه المشاكل بافتعال ازمات جانبية ، فسمعتها في مجال حقوق الانسان تكاد تكون صفرا قبل جريمة الاعدام فما بالك بإعدام شخص له ثقله على المستويين الديني والسياسي، وهو ما يظهره مستوى الادانات الدولية والاقليمية لهذه الجريمة.
بالإضافة الى ذلك فإنها فتحت جبهة جديدة مع تنظيم القاعدة بعد اعدام عدد من عناصره، وما يؤكد كلامنا هو ما قام به تنظيم القاعدة بإنهاء الهدنة غير المعلنة بينه وبين السعودية في اليمن واستهدافه محافظ عدن في اليمن بالمفخخات، كما يتضح ذلك جليا في تهديدات عناصر القاعدة وداعش للسعودية عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتوعدها بالانتقام لإعدام عناصرها، وقد يستغل داعش هذه القضية لجذب مقاتلين جدد يكون هدفهم القادم هو المصالح السعودية، اما الجبهة السلفية في مصر فقد التحقت هي الاخرى بركب المعادين للسعودية داعية انصارها في السعودية الى مراجعة مواقفهم تجاه النظام السعودي.
وفي النهاية فان خدعة السعودية قد انقلبت عليها ؛ فإعدام الشيخ النمر مع عدد من السنة يعني صعود اسهم المتشددين في الجانب الشيعي وهو ما لا ترغبه السعودية بالتأكيد كونه يزيد من صعوبة المواجهة وعدم امكانية التوصل الى حل سريع، فضلا عن فتحها جبهة جديدة مع بعض الجماعات السنية وخاصة القاعدة وداعش والجماعات السلفية الاخرى وما تمثله تلك الجبهة من مشاكل للسعودية في الميدان اليمني والسوري وزيادة الضغوط الامنية في الجبهة الداخلية ايضا، اما النقطة الثانية والتي نراها ستأثر كثيرا على سمعة السعودية ودورها في المنطقة فهي ضعف مساندة السعودية من قبل حلفائها. فالدول العربية المؤثرة كالجزائر والمغرب ومصر لم تتفاعل مع القضية بالشكل الذي كان يتوقعه عرابو التحالفات الثلاثينية السعودية كما ان تركيا الدولة الإقليمية الكبرى والتي عقدت مؤخرا "اتفاقا استراتيجيا" مع السعودية وقفت بالحياد بين ايران والسعودية في اول اختبار لمدى متانة التحالفات السعودية التي كثرت في الآونة الاخيرة وهو ما يوضح حجم التورط السعودي وانقلاب سحره عليه وربما سيكون اعدام النمر هو بداية النهاية للعائلة الحاكمة في السعودية.
اضف تعليق