منذ تصاعد المد الطائفي في البلدان العربية والإسلامية والحديث عن تبعية الشيعة لإيران، او دور ايران في نشر التشيع لا ينقضي.
وكأن الشيعة والتشيع لم يكن لهم وجود قبل الثورة الإيرانية في العام 1979 ورفعها لشعار تصدير الثورة تلك الى بقية انحاء العالم.
ربما ساهم بريق الثورة الإيرانية في نشر صورة من التشيع السياسي في عدد من الأماكن، لكن هناك اكثر من سبب لا يمكن اغفاله في انتشار التشيع بوجهه العقائدي والفلسفي والأخلاقي في العديد من الأماكن، "افريقيا، اوربا، الامريكيتين، استراليا، اوربا، اسيا".
يمكن لنا ادراج الهجرة العراقية أيام النظام السابق في السبعينات والثمانينات، وزيادتها بعد غزو الكويت وحرب تحريره في العام 1991، ويمكن لنا أيضا ذكر الهجرات اللبنانية اثناء الحرب الاهلية طيلة سنوات طويلة، وقسم منها سبق حتى الثورة الإيرانية بعقود طويلة.. ويمكن لنا أيضا تسجيل الحضور الكثيف للشيعة في مجتمعاتهم وظهورهم كقوى اجتماعية واقتصادية وثقافية تساهم في الكثير من أوجه الحراك والنشاط في تلك المجتمعات.
لكن التضليل العربي والإسلامي لا ينظر الى تلك الأسباب، فهو فقط يقف عند اعتاب تلك الثورة وجعلها السبب الرئيسي في هذا الانتشار للتشيع وتزايد اعداد الشيعة في كل البلدان.
وربما هو أيضا يغض النظر عن صور الإرهاب التي اقترنت بالمسلمين السنة وأصبحت تطرح الكثير من التساؤلات عن الفروق العقائدية والتاريخية والأخلاقية والنفسية لكلا المذهبين، وايهما يمثل وجه الإسلام الحقيقي.
وهذا التضليل المتواصل وبعد ان يرجع كل شيء في انتشار التشيع الى الثورة الإيرانية، يضيف تفسيرات اقتصادية او معرفية لانتشار التشيع في عدد من البلدان بالقول ان التشيع انتشر بسبب فقر وجهل الكثير من المجتمعات، ضاربا عرض الحائط انتشاره في كثير من المجتمعات ذات البحبوحة الاقتصادية وفي أوساط متعلمة كثيرة.
وينسى القائمون على وسائل التضليل هذه، انتشار الوهابية التي صرفت مليارات الدولارات على نشر مذهبها التكفيري في الكثير من المجتمعات عبر بناء المدارس والمساجد ذات الهندسة المعمارية المبهرجة والباذخة، والتي لا تقارن بما ينفقه الشيعة على حسينياتهم وحوزاتهم ومدارسهم، حتى في بلدان تواجدهم الكثيف.
هذا التضليل يراد منه إعطاء الضوء الأخضر لاستهداف الشيعة وابادتهم وجعلهم كبش فداء للصراع الطائفي السياسي بين السعودية وايران، وتحميلهم وزر التنافس المحموم على مد النفوذ السياسي العابر لحدود كل دولة منهما.
في افريقيا لا يختلف الحال عن بقية البلدان، نفس الأسطوانة المشروخة التي تحيل الوجود الشيعي فيها الى الأصابع الإيرانية، وان ما حدث في نيجيريا جزء من سياسة التمدد الإيراني في تلك القارة، وان انتشار التشيع هناك نتيجة الفقر والجهل.
لكن ابن الاثير له رأي اخر، وهو الذي كتب الكامل في التاريخ قبل ان تكون لإيران ثورتها، ويوم كان المسلمون السنة لهم أكثر من دولة على امتداد العالم الإسلامي، مع بعض الأماكن التي حكمها الشيعة واقاموا فيها دولا لا يمكن تجاهل ما قدمته من ثقافة وحضارة لعموم المسلمين.
يقول ابن الاثير في ذيل احداث سنة 407 للهجرة: في هذه السنة في المحرم قُتلت الشيعة بجميع بلاد افريقية. وكان سبب ذلك ان المعز بن باديس ركب ومشى في القيروان والناس يسلمون عليه ويدعون له، فاجتاز بجماعة، فسأل عنهم، فقيل: هؤلاء رافضة يسبون أبا بكر وعمر، فقال: رضي الله عن ابي بكر وعمر! فانصرفت العامة من فورها الى درب المقلى من القيروان، وهو حومة تجتمع فيه الشيعة، فقتلوا منهم، وكان ذلك شهوة العسكر واتباعهم، طمعا في النهب، وانبسطت ايدي العامة في الشيعة، واغراهم عامل القيروان وحرضهم.
وسبب ذلك انه كان قد أصلح أمور البلد، فبلغه ان المعز بن باديس يريد عزله، فأراد فساده، فقتل من الشيعة خلق كثير، واحرقوا بالنار، ونهبت ديارهم، وقُتلوا في جميع افريقية، واجتمع جماعة منهم الى قصر المنصور قريب القيروان، فتحصنوا به، فحصرهم العامة وضيقوا عليهم، فاشتد عليهم الجوع، فاقبلوا يخرجون والناس يقتلونهم حتى قُتلوا عن اخرهم، ولجأ من كان منهم بالمهدية الى الجامع فقُتلوا كلهم.
وكانت الشيعة تسمى بالمغرب بالمشارقة نسبة الى ابي عبد الله الشيعي، وكان من المشرق، واكثر الشعراء ذكر هذه الحادثة، فمن فرح مسرور ومن باك حزين. (الكامل في التاريخ 9/295 ).
ثم يضيف ذيل وقائع سنة 423 للهجرة: وفيها اجتمع ناس كثير من الشيعة بافريقية، وساروا الى اعمال نفطة، فاستولوا على بلد منها واستوطنوه، فجرد إليهم المعز عسكرا، فدخلوا البلاد وحاربوا الشيعة وقتلوهم اجمعين...
انتهى كلام ابن الاثير..
هل كان ثمة إيران وثورتها ذلك الزمن قبل قرون طويلة، ام ان ديدن كل الحكومات السنية على امتداد التاريخ الإسلامي هو التنكيل بالشيعة وقتلهم لأنهم يختلفون عن مذهب الحاكم السائد؟
اضف تعليق