نهاية الأسبوع الفائت، تناقلت العديد من الصحف والمواقع الإعلامية وعلى اختلافها، نبأ إقدام دار النشر الأمريكية (هارفر كولينس- Harpercollins Publishers) على طباعة أطلس تعليمي، لا يحمل اسم (إسرائيل) في خرائط الشرق الأوسط، وعِوضاً عن ذلك سجّلت مكانه اسمى الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا الإجراء الذي اعتمدته الدار، كان محل إعجاب لدى كثيرين من العرب والفلسطينيين على نحوٍ خاص، لكن إعجابهم لم يكن في محِلّه، فعلاوةً على مجموعة الارتباطات العربية الهائلة مع كافة المستويات التسويقية المختلفة، وخاصة العسكرية التي يديرها القادة والمسؤولين بصراحة وبغير صراحة، وسواء مع المؤسسات الأمريكية أو مع مثيلاتها الإسرائيلية مباشرةً، فإن دار النشر هذه، أوضحت بجلاء، بأن إصدارها لسلسلة الأطالس باللغة الإنجليزية، وبدون ذكر إسرائيل، بسبب أنها متوجهة لمدارس في دول عربيّة - دول الخليج ومصر والأردن ودول أخرى في منطقة الشرق الأوسط، وليست متوجهة لإسرائيل، وإنّ حذف الاسم ينبع من تفضيلات محليّة.
إذاً لم يكن في نيّتها إيذاء (إسرائيل) وإنما كان لتفضيلات محليةّ، والتي يُفهم منها، لتوفير دعمٍ لها من جهة، ومن أخرى، لتكريس هيمنتها على السوق العربية، التي لا تزال تنفر من تواجد اسم (إسرائيل) على المنتوجات المُرسلة، حرصاً على عدم استفزاز ذوي الاهتمام – المعارضة- مثالاً، وعلى أذواق أولئك الذين لا يزالون لا يعترفون بإسرائيل، أو أن مجرد الاسم لديهم في حد ذاته غير مقبول.
دار النشر هذه، هي واحدة من أكبر خمس دور نشر للكتب في الولايات المتحدة وربما في العالم، وهي من مجموعة (نيوز غروب- News group) العائدة إلى قطب الصحافة الأمريكية "روبرت ميردوخ" وبمساهمات واستحواذٍ قويّين، يعودان لاقتصاديين يهود.
كنا سنُظهر سرورنا، فيما لو كانت الدار، تقصد من وراء إجرائها، هو إظهار معاداتها لإسرائيل أو لبيان احتجاجها على ممارساتها الاحتلالية على الأقل، أو أنها قررت الانضمام إلى المؤسسات العلمية، المشاركة في الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل، والتي تبنّتها العديد من الهيئات والمؤسسات الدولية الكبرى.
ما أحزننا أكثر، وبرغم التوضيح الذي أعلنته الدار، ومن عدم الاعتراض الإسرائيلي، أن هناك من أغضبهم إجراء الاستبدال، وهم رجال الكنيسة البريطانيّة، حيث قام رئيس منظمة الأساقفة للعلاقات الدوليّة بتقديم انتقادات شديدة على الأطلس الجديد، بزعمه أنّه يبرّر الادعاءات الإسرائيلية، حول الموقف العدائي من قبل بريطانيا، ويؤكّد من جهةٍ ثانية، على أنّ هناك عداء تجاه دولتهم من قبل أجزاء من العالم العربي، وهذا الأمر يمنع المساهمة نحو بناء روح الثقة التي تجلب التعايش بسلام.
بالنسبة لنا، فكل هذا، لا يُعتبر إنجازاً، فإسرائيل نفسها ومنذ الأزل، وفي حالات عِدة، تقوم باستبدال اسمها على منتوجاتها الصناعية الثقيلة والخفيفة، لتمريرها في الأسواق العربية، تجنباً للقوانين المتبعة لديها، والمترتبة على نظام المقاطعة العربية، ودرءاً للحرج الذي قد يُلاقيه قادة وحكام تلك الدول، وتماشياً مع أذواق المستهلكين العرب الذين لا يزالوا يتحسسون من ابتياع أيّة منتوجات إسرائيلية، وكانت بالمقابل وطوال السنوات التي أشرفت فيها على المعابر الفلسطينية، لا تسمح بمرور أي مجسّمات أو كُتب أو أطالس ترمز إلى فلسطين أو يُبرز اسمها، دون طمسه بالختم عليه باسم إسرائيل، أو تقوم بمصادرته إذا كان غير قابلٍ للطمس.
وللتذكير في هذا الصدد، فمنذ قيام الدولة الإسرائيلية، كانت الصادرات الزراعية الفلسطينية التي يتم تصديرها من الحمضيات والخضار وغيرهما، إلى الدول الأوروبية ودول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وأهمها إيران- قبل العام 1979-، كانت سلطاتها تضع اسم (إسرائيل) وليس قطاع غزة، على تلك المنتوجات، وينطبق الحال على التصدير الجوي والبحري من قِبل شركتي (جافا، Jafa- Agresco، أغريسكو) الإسرائيليتين.
وفي صورة ٍ أخرى، وقبل الحديث عن دولة (إسرائيل) علانيةً كما اليوم، فقد اضطر الفلسطينيون الذين يعملون بالخارج، إذا ما أرادوا مُراسلة ذويهم، إلى تسجيل اسم دولة (إسرائيل) على جهة الغلاف المخصصة لجهة المُرسل إليه، خشية ألاّ تقوم السلطات الإسرائيلية باستقبال رسائلهم.
لدار الكتب، نوايا طيّبة لإسرائيل، ولنفسها أيضاً، بسبب التفاهمات المسبقة، والتي هي ليست فقط بسبب مصالح مشتركة، بل بسبب قيم مشتركة، وأمّا بالنسبة لِما لنفسها، فمن منطلق تكتيكاتها الضرورية من جهة، ولتقوية (بروباغاندا) لتنمية السوق الشرق أوسطية ولجلب المزيد من الود والمال العربيين، باعتبارها شركة ربحيّة من جهةٍ ثانية، غير أن مسيرة أخطاءنا نحن تتواصل بلا انقطاع.
اضف تعليق