إن العجز المائي في العراق لم يعد تحديًا بيئيًا فحسب، بل أصبح قضية أمن قومي تتطلب حلولًا عاجلة واستراتيجية طويلة الأمد، فالماء ليس مجرد مورد طبيعي، بل هو ركيزة للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وإذا كان العراق قد ازدهر حضاريًا بفضل دجلة والفرات، فإن الحفاظ على موارده المائية اليوم هو الضمانة الوحيدة لاستمرار حياته ومستقبله...
يُعدّ الماء عصب الحياة وأساس التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن العراق –وهو من أقدم الحضارات التي نشأت على ضفاف الأنهار– يواجه اليوم أزمة مائية حادة تُعرف بـالعجز المائي، هذه الأزمة لم تعد مجرد مشكلة بيئية، بل أصبحت قضية استراتيجية تمس الأمن الوطني، وتهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وأسباب العجز المائي ترجع للعوامل الجغرافية والسياسية من خلال بناء السدود والمشاريع المائية الضخمة من قبل دول المنبع (تركيا وإيران) على نهري دجلة والفرات، مما أدى إلى تقليص كميات المياه الواردة إلى العراق، وغياب اتفاقيات ملزمة لتوزيع الحصص المائية بشكل عادل.
إضافة إلى العوامل المناخية مثل التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، وقلة الأمطار وزيادة معدلات الجفاف، والعوامل الداخلية كثيرة هي الاخرى مثل سوء إدارة الموارد المائية داخل العراق، والهدر المائي في الزراعة بسبب الاعتماد على طرق ري تقليدية، والتلوث المائي الناتج عن المخلفات الصناعية والصرف الصحي غير المعالج.
أما آثار العجز المائي فهي على الزراعة والأمن الغذائي بالدرجة الاساس فقد أدّى نقص المياه إلى تراجع المساحات الزراعية، وانخفاض إنتاج المحاصيل الاستراتيجية مثل الحنطة والشعير، مما عمّق الفجوة الغذائية وزاد الاعتماد على الاستيراد، والاقتصاد الوطني له دور في تراجع الإنتاج الزراعي الذي ينعكس سلبًا على الدخل القومي وفرص العمل، ويؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية، بالإضافة إلى الهجرة والنزوح الداخلي لأنه أدت شحة المياه إلى نزوح سكان بعض المناطق الريفية، خصوصًا في وسط وجنوب العراق، باتجاه المدن الكبرى، مما خلق ضغوطًا إضافية على الخدمات الحضرية، وللعجز المائي تأثيره على البيئة والصحة العامة وانخفاض منسوب الأنهار ساهم في تدهور نوعية المياه، وزيادة نسب التلوث، وانتشار الأمراض المرتبطة بالمياه.
الحلول والمعالجات الممكنة تكون من خلال التعاون الإقليمي والدولي في التفاوض مع دول المنبع لإبرام اتفاقيات ملزمة تضمن حصة عادلة للعراق، والاستعانة بالمنظمات الدولية (كالأمم المتحدة) لدعم الموقف العراقي، وتدخل في إدارة الموارد المائية من خلال تحديث شبكات الري واعتماد تقنيات حديثة مثل الري بالتنقيط والرش، وعبر إنشاء خزانات وسدود داخلية لتجميع مياه الأمطار والسيول، وأخيرًا فالتوعية المجتمعية ضرورية في نشر ثقافة ترشيد استهلاك المياه بين المواطنين، وتشجيع استخدام المياه المعالجة في الزراعة والصناعة، والاعتماد على مصادر بديلة، وتحلية مياه البحر في المحافظات الجنوبية، والاستثمار في مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي.
ختامًا- إن العجز المائي في العراق لم يعد تحديًا بيئيًا فحسب، بل أصبح قضية أمن قومي تتطلب حلولًا عاجلة واستراتيجية طويلة الأمد، فالماء ليس مجرد مورد طبيعي، بل هو ركيزة للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وإذا كان العراق قد ازدهر حضاريًا بفضل دجلة والفرات، فإن الحفاظ على موارده المائية اليوم هو الضمانة الوحيدة لاستمرار حياته ومستقبله.
اضف تعليق