في هذا الحوار مع الباحثة تبيَّن لي أن رحلة البحث ليست مجرد تجارب وأنابيب وأرقام، بل هي إصرار على تقديم فائدة علمية وإنسانية في آن واحد. لقد فتحت دراستها عن النعناع الفلفلي آفاقاً جديدة لإنتاج مستحضرات طبية وصناعية صديقة للبيئة...
في هذا الحوار الذي جمعني بالباحثة هبة جبار كاظم العامري من قسم البستنة وهندسة الحدائق في كلية الزراعة بجامعة كربلاء، لم يَحُل بُعد المسافة دون أن يصلني شغفها وحرصها العلمي وهي تتحدث عن رسالتها الموسومة: "تأثير بعض منظمات النمو والمحفزات الكيميائية والفيزيائية في النمو والمحتوى الكيميائي لنبات Mentha piperita L خارج الجسم الحي".
خلال الأسئلة والأجوبة، اكتشفتُ كيف أن اختيارها للنعناع الفلفلي لم يكن صدفة، بل كان ثمرة رؤية علمية وواقعية، تجمع بين التراث الشعبي والبحث الأكاديمي الحديث. في السطور التالية أترككم مع تفاصيل الحوار وما كشفته العامري من تجاربها وتحدياتها ونتائجها.
ما الخلفية الفكرية والعلمية التي قادتكِ لاختيار نبات النعناع الفلفلي بالذات موضوعاً لرسالتكِ، دون غيره من النباتات الطبية والعطرية؟
اخترت نبات النعناع الفلفلي لكونه من النباتات الطبية والعطرية المهمة الغنية بالزيوت الطيارة وخصوصًا المنثول الذي يمتلك خصائص علاجية واسعة مما أدى إلى سهولة إدخاله في تطبيقات صناعية ودوائية. كذلك صعوبة اكثاره حقليا لكونه هذا النبات هجين ناتج من تضريب الجيل الأول لنبات النعناع المائي والنعناع المدبب إضافة الى زيادة الاهتمام مؤخرا بالنباتات الطبية والعطرية تأثيراً بالتقدم الحضاري والعلمي الذي تشهده معظم دول العالم مما دفعني لدراسة هذا النبات وإيجاد طرق مستدامة لإكثاره وزيادة محتواه من المركبات الفعالة.
كيف تنظرين إلى العلاقة بين الطب الشعبي والطب الحديث في ضوء نتائج دراستكِ عن النعناع، وهل يمكن أن يكون جسراً بينهما؟
اعتمد الطب الشعبي على النعناع منذ القدم لعلاج امراض مختلفة والطب الحديث أثبت علمية ذلك، توضح دراستي ان النعناع يمكن ان يكون جسراً بين الطب الشعبي والحديث عبر تحويل الخبرة الشعبية الى مستحضرات دوائية علمية دقيقة وهي محاولة لربط الاثنين.
ما التحديات الأكبر التي واجهتكِ في تطبيق تقنية زراعة الأنسجة خارج الجسم الحي، وكيف تعاملت معها في المختبر؟
أبرز التحديات كانت التلوث الميكروبي أثناء التعقيم وصعوبة ضبط التراكيز وتغلبت عليها بتجارب مكررة وضبط ظروف التعقيم والبيئة الحاضنة حتى وصلت الى أفضل النتائج.
إلى أي مدى كان لاختيار منظمات النمو BA وNAA وKIN تأثير حاسم في مراحل النشوء والتضاعف، وما الذي ميز استجابات النعناع عنها؟
أظهرت منظمات النمو BA وNAA دوراً اساسياً في مرحلة النشوء، بينما BA مع KIN وNAA حسنت التضاعف بشكل ملحوظ إذ ازداد عدد الافرع وأطوالها والوزن الطري والجاف.
ما الذي كشفته تجربة استخدام الفنيل ألانين وPEG مع الإضاءة المختلفة عن قدرة النعناع على إنتاج المركبات الثانوية؟
كشفت التجربة أن إضافة الفنيل الانين و PEG مع اختلاف مصادر الإضاءة تحسين النمو الخضري وأثر معنوياً في تراكم المركبات الثانوية، مما يثبت قدرة النعناع الفلفلي على التكيف وإنتاج مركبات فعالة تحت ظروف المحفزات الكيميائية.
ما الأثر الأبرز الذي لاحظته عند استخدام مصابيح LED الملونة على النمو والمحتوى الكيميائي للنبات؟
أثرت مصابيح LED الملونة تأثيراً واضحاً في تعزيز النمو وزيادة تراكم المركبات الكيميائية وخاصة الزيوت الطيارة مما يجعلها من المحفزات الفيزيائية المهمة في تحسين جودة الإنتاج.
كيف يمكن استثمار النتائج التي حصلتِ عليها لتطوير مستحضرات دوائية أو صناعية صديقة للبيئة؟
يمكن استثمار النتائج لتطوير مستحضرات عشبية ودوائية صديقة للبيئة مثل مضادات الأكسدة والمضادات الميكروبية، وكذلك كمبيدات حشرية آمنة، إضافة الى كسب طعم مستساغ للأدوية الأطفال مما يفتح مجالاً للصناعات الدوائية والغذائية.
ما القيمة الإضافية التي قدمتها تقنية HPLC في قراءة النتائج والتأكد من دقة التحليل الكيميائي للمركبات المستخلصة؟
تقنية HPLC وفرت دقة عالية في تشخيص المركبات الثانوية وتحديد كميتها مما أعطى مصداقية للنتائج وأثبت نتائج المعاملات في زيادة تراكم المواد الفعالة.
برأيكِ، كيف تساهم تقانة زراعة الأنسجة في الحفاظ على الموارد الطبيعية للنباتات الطبية، خصوصاً مع التهديد البيئي الحالي؟
تسهم زراعة الانسجة النباتية في حماية الموارد الطبيعية بإنتاج نباتات في المختبر بعيداً عن استنزاف الطبيعة وتحافظ على التنوع الحيوي وتوفر إنتاجاً مستمراً من المواد الفعالة دون التأثير بالظروف المناخية او دون التقيد بموسم محدد.
إلى أي مدى يمكن أن تُفتح دراستكِ آفاقاً جديدة لإنتاج عقاقير علاجية بديلة عن الأدوية الكيميائية؟
الدراسة تفتح الباب أمام انتاج عقاقير نباتية عالية النقاوة وفعالة بديلة عن الادوية الكيميائية التي غالباً ما تسبب آثارا جانبية وبالتالي نعزز مفهوم الطب الأخضر.
ما العوامل الفيزيائية أو الكيميائية التي ترين أنها جديرة بالدراسة مستقبلاً بعد الضوء والـPEG والفنيل ألانين؟
يمكن دراسة تأثير المطفرات الكيميائية وأشعة كاما والليزر والمجال المغناطيسي إضافة الى أنواع أخرى من الإجهادات لمعرفة قدرتها على تحفيز إنتاج المركبات الثانوية.
كيف تقيمين إمكانية التعاون بين الباحثين في مجال زراعة الأنسجة والمراكز الطبية لتسريع الاستفادة التطبيقية من النتائج؟
التعاون مع المراكز الطبية ضروري حيث يمكن للباحثين أنتاج المستخلصات النباتية والمركبات الفعالة النقية وبكميات وفيرة في المختبر بينما تقوم المراكز الطبية بتحويل النتائج الى تطبيقات علاجية عملية مما يسرع الاستفادة منها.
ماذا أضافت لكِ تجربة العمل في المختبر لمدة ثمانية أشهر من الناحية العلمية والإنسانية؟
اكتسبت من التجربة خبره علمية وصبراً عملياً ومهارات عالية في تقانة زراعة الانسجة النباتية والتحاليل الكيميائية كما عززت إحساسي بالمسؤولية تجاه خدمة المجتمع.
ما اللحظة التي شعرتِ فيها بأن تعبك لم يذهب سدى، وأن البحث أعطى ثماره؟
عند ظهور نتائج HPLC الإيجابية التي أثبتت نجاح التجارب واظهرت زيادة واضحة في المركبات الثانوية تحت ظروف معينة وان الجهد أثمر ان النتائج قابلة للتطبيق.
إذا طُلب منكِ أن توجهي نصيحة للباحثين الشباب المقبلين على دراسة النباتات الطبية، ماذا تقولين لهم؟
اختيار موضوع يخدم الصحة والمجتمع والبيئة عملياً والحد من استخدام الادوية الكيميائية واستخدام العقاقير الطبية من خلال تطبيقات عملية على النباتات الطبية مما يحقق فائدة صحية وصناعية.
وبين سطور هذا الحوار مع الباحثة هبة جبار كاظم العامري تبيَّن لي أن رحلة البحث ليست مجرد تجارب وأنابيب وأرقام، بل هي إصرار على تقديم فائدة علمية وإنسانية في آن واحد. لقد فتحت دراستها عن النعناع الفلفلي آفاقاً جديدة لإنتاج مستحضرات طبية وصناعية صديقة للبيئة، وأكدت أن الطب الشعبي حين يلتقي بالبحث الحديث يمكن أن يصنع جسراً حقيقياً نحو مستقبل أكثر صحة واستدامة.
وبهذا تختم العامري حوارها برسالة واضحة للباحثين الشباب: اجعلوا بحوثكم قريبة من هموم المجتمع واحتياجاته، فالعلم لا يكتمل إلا حين يخدم الإنسان.
اضف تعليق