إن هذه القمة سعت لولادة نظام عالمي جديد قائم على استثمار الموارد والموقع الجغرافي للدول، بما يؤمن تأسيس بديل لمؤسسات النظام الغربي التي ظلت مهيمنة على اقتصاديات الدول بدرجة كبيرة جدا، ومن جانب آخر رفض القيادة الأحادية للعالم سواء في الجانب الأمني أو الاقتصادي...

من تابع قمة تيانجين 2025 لمنظمة شنغهاي للتعاون سيجد إن هذه القمة تؤسس لمرحلة جديدة عبر تشكيل واقع جيو سياسي جديد انطلاقاً من منطقة أوراسيا وصولا إلى أبعد من ذلك وأولها منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر وهذا ما حدث بالفعل عبر انضمام السعودية والأمارات ومصر بصفة شركاء وإيران بصفة عضو كامل، مما يعني تعدد التحالفات وعدم حصرها بأميركا أو روسيا فقط كما كان يحصل في فترة الحرب الباردة وهو نهج جديد لم يكن متبعا في الحقب الماضية. ومن جانب آخر ربط ممرات وموانئ هذه الدول بمبادرة الحزام والطريق الصينية.

ولو نظرنا لأعضاء هذه المنظمة سواء أصحاب العضوية أو الشركاء سنجد إنهم يشكلون 40 بالمئة من سكان العالم ويمتلكون موقع إستراتيجي كبير في الممرات البحرية للتجارة الدولية، مضافا لذلك القدرات المالية الكبيرة لبعض هذه الدول لا سيما دول الخليج والصين وهذه القدرة المالية من شأنها أن تعزز نجاح دور منظمة شنغهاي للتعاون من تحقيق أهدافها سواء الأمنية منها أو الاقتصادية خاصة أن هذه القمة ربطت بين الأمن والاقتصاد بشكل كبير جدا.

من هنا نجد أن هذه القمة عقدت بتوقيت مناسب جدا يتلاءم ورغبة الكثير من الدول، سواء أعضاء المنظمة أو من خارجها والداعية إلى رفض العقوبات الأحادية الجانب على أية دولة من الدول تحت بند الضغوطات بعيداً عن إرادة المجتمع الدولي وهو يعني رفض تام لقيادة واشنطن لهذا العالم لوحدها. والجانب الثاني يتمثل إعطاء دور أكبر للدول النامية وفي مقدمتها الدول العربية في ممارسة دورها في المؤسسات الدولية، لا سيما مجلس الأمن والمؤسسات الاقتصادية العالمية الأخرى بما يؤمن نهوض هذه الدول ومواكبتها للتطورات العالمية ورفض وصايا صندوق النقد الدولي على هذه الدول التي تعاني من وطأة القروض وشروط الدائنين عليها بما يجعلها أحياناً كثيرة دولاً مسلوبة الإرادة عاجزة عن تحقيق أهداف التنمية في بلدانها.

لذا وجدنا دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي يمكن تلخيصها بأمرين مهمين الأول التخلي عن التعامل بالدولار، والثاني تأسيس بنك تنمية تابع للمنظمة، وهذا يعني دعوة صريحة لإنهاء الهيمنة الأمريكية عبر رفض التعامل بالدولار، والثاني ضرب بنوك التسليف الدولية بمختلف مسمياتها والتي سيطرت على القرار السياسي والاقتصادي للكثير من دول العالم النامية عبر شروطها القاسية والمجحفة.

دعوة بوتين هذه ستجد من يتقبلها بقوة سواء الدول الفقيرة التي ستجد في ذلك متنفس لها، أو الدول الغنية في المنظمة والتي لديها فائض مالي كبير جدا، يمكن استثماره في هذه الدول على شكل قروض مضمونة التسديد بحكم ما يتحقق من واردات.

وخلاصة ما يمكن قوله إن هذه القمة سعت لولادة نظام عالمي جديد قائم على استثمار الموارد والموقع الجغرافي للدول، بما يؤمن تأسيس بديل لمؤسسات النظام الغربي التي ظلت مهيمنة على اقتصاديات الدول بدرجة كبيرة جدا، ومن جانب آخر رفض القيادة الأحادية للعالم سواء في الجانب الأمني أو الاقتصادي.

اضف تعليق