هي فَقْدُ الإِحْسَاسِ بِالحَرَكَةِ، وحالة يعوز الجسم فيها الحسّ أو الشُّعور، وهي فقدان الوعي.
لغويا هي مصدر الفعل (غاب) وهو يأتي بمعان متعددة، مثل غاب التلميذُ : تخلَّف عن الحضور، خلاف شهِد وحضَر، وغابتِ الشَّمسُ : اختفت، غربت واستترت عن العين، وغاب عن فلان الأمرُ : خفِي، وغاب عن السَّاحة : اختفى نشاطه،، وغاب الشّيءُ في الشّيء : توارى فيه، غاب وعيُه/غاب عن الوعي غَيْبُوبةً : فقَد إدراكَه أو حِسَّه.
من مرادفات الغيبوبة هو السبات، ومن اضدادها الاستفاقة، الصَحْوٌ، النُهُوضٌ.
تعني الغيبوبة في اليونانية (النوم العميق)، وهي حالة فقدان وعي عميقة، لا يمكن للفرد خلالها أن يتفاعل مع البيئة المحيطة به، ولا يمكنه أيضا الاستجابة للمؤثرات الخارجية. الشخص الواقع تحت تأثير الغيبوبة هو شخص على قيد الحياة، لكنه ليس نائما. موجة نشاط الدماغ لشخص في غيبوبة تختلف كثيرا عن تلك لدى شخص نائم، يمكنك إيقاظ شخص من النوم، لكن لا يمكنك إيقاظ شخص من حالة غيبوبة.
قسم الأطباء الغيبوبة من حيث درجاتها الى:
1. لا يدرك المصاب ما يحدث حوله تماما ولا يتفاعل معه مع أنه مستيقظ لكنه وكأنه نعسان.
2. نائم ويمكن إيقاظه لينام فورا بعد ذلك.
3. نائم ولا يمكن إيقاظه ولكنه يستجيب للمؤثرات المؤلمة بتحريك يده أو ساقه.
4. لا يستجيب أبدا للوخز أو أي مؤثر خارجي، ولديه صعوبة في التنفس الذي يكون غير منتظم ومتقطع.
بعد تلك المقدمة يمكننا ان نطرح هذا السؤال: هل ان العرب والمسلمين يعيشون في غيبوبة مزمنة لا يمكن ان يفيقوا منها، رغم كل ما يجري من حولهم، وهل يمكن لهم ان يكونوا فاعلين بدلا من يكونوا منفعلين ومستجيبين بصورة سلبية، ام انهم سيبقون هكذا لا يستفيقون من غيبوبتهم، وهي الغيبوبة التي يصنفها الأطباء في المستوى الرابع، ويطلقون عليها تسمية (الوعي المشلول)؟.
هذا الوعي يتبدى في كل شيء يحدث حولنا، من خلال مواقفنا اتجاهه، حكومات وشعوب، قبائل وافراد، لا نصحو ولا نستجيب، لأننا في مكان اخر، المكان الذي تختفي قدرتنا على الاستيقاظ والصحو والنهوض.
الأمثلة كثيرة حول ذلك، ربما وسائل التواصل الاجتماعي من تويتر وفيس بوك وغيرها تكشف الكثير، منها هذا المثل الذي رصدته احدى الكاتبات السعوديات وهي تتحدث عن الشارع السعودي وغياب التفاعل الاجتماعي في فضائه، وكيف ان السعوديين يستعيضون عن هذا التفاعل المفقود بما اسمته (المزمزة) و(الطقطقة) تأخذ نموذجا لذلك، فأحد المغردين ضُبط بثلاثة أنواع من التغريدات المتناقضة، فهو يتغزل في مؤخرة فنانة، ثم يتهم ناشطة اجتماعية بأنها عاهرة لأنها تؤيد حملة قيادة السيارة، ثم ظهر في تغريدة أخرى يرسل إلى أحد الوعاظ عبارة «أحبك في الله يا شيخ»، وتضيف الكاتبة: حين دخلت على حسابه وجدته يسأل شيخه: «يا شيخ.. والدي دخل غيبوبة في العناية المركزة فكيف يصلي؟» ولا أدري كيف يصلي من هو في غيبوبة إلا إن كان سؤاله نوعاً من «الطقطقة».
وهو نفس الشارع الذي يحتل المرتبة الثانية في عدد الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم خلال السنوات الاخيرة في المساجد والحسينيات والتجمعات ومجالس العزاء في العراق.
المكان الثاني الذي يكشف عن تلك الغيبوبة المستديمة والوعي المشلول، ما نجده في تعليقات القراء في الكثير من المواقع الناطقة بالعربية على شبكة الانترنت، التي تفيض بالمعلومات الغزيرة دون جهد منا في غربلتها وتحليلها وتحويلها الى مادة معرفية لعلها يمكن ان تساعدنا في ايقاظنا من غيبوبتنا.
الامثلة التي اوردها من موقع واحد، اخترته لتنوعه في المادة الاخبارية وتنوع الاقلام التي تكتب فيه.
نشر هذا الموقع خبرا عنوانه (استجواب مسافرين في مطار أميركي ضبطا يتحدثان بالعربية) لفت نظري في الردود التي علقت على الخبر، ردان يكشفان عن الوعي المشلول الذي يقود خطواتنا حكاما وشعوب، يقول الرد الاول: (العرب والمسلمون في حاجة الآن إلى وقفة حازمة تجاه هذه المضايقات التي لا يمكن السكوت عليها.. التهديد بورقة المقاطعة الاقتصادية إن استمروا على هذا المنوال من الإذلال أصبح مطلب ملح). ماذا لدينا غير النفط كي نقاطع العالم به، وحتى هذا النفط أصبح سلاحا منزوع الاسنان بعد هبوط اسعاره ومواصلة هبوطها، ونحن نستورد حتى دشادينا وغترنا وملابسنا الداخلية من هذه الدول التي نطالب بمقاطعتها، وحتى هذه التكنولوجيا التي نتعامل بها وننشر غيبوبتنا عليها هي من ابتكار هذه الدول.
الرد الثاني، هو من المستوى الرابع لهذه لغيبوبة، فهو ليس له من علاقة لأمن قريب ولا من بعيد بالخبر عنوانا ومحتوى، لنقرأ ماذا كتب صاحب هذا الرد المغيّب عن الوجود: (الفرس المجوس جعلوا من الاسلام دين تطبير وثأر واحقاد ونفوا عنه اي صفة انسانية لقد شوهوا كل شيء اسمه اسلام في اسلوب متدني تفوق على المكر والدهاء الصهيوني). عرب وين طنبورة وين.
المثال الثاني من خبر حمل عنوان (احتجاج تركي على قصف روسيا لتركمان سوريا) جاء احد الردود على الشكل التالي: (أمحو عصابات المجرم المعتوه بشار من الخارطة فورا.... فكل إنسان يؤمن بالإنسانية يطالب أوروبا والعالم أجمع بمحي هذه القاذورات من الخارطة... قبل 5 سنوات من اليوم "لو رجعنا قليلًا بذاكرتنا إلى تهديد أحمد بدر حسون (مفتي الإرهاب عصابات المجرم المعتوه بشار ) حين هدد أوروبا بتصريحه الشهير بأنَّ الآلاف ممن أسماهم استشهاديين جاهزون للرد في العمق الأوروبي).
وكان الرد الثاني على الخبر بالشكل التالي: (كل عائلة بن لادن كانت تسكن طهران وكانت محمية من خامنئي. عصابات داعش انطلقت من الموصل بعد ان اعطاها المالكي الصعلوك مئات سيارات التويوتا كما صرحت بذلك شركة تويوتا نفسها. المال الوفير بيد داعش تركها لهم في صناديق البنوك عن قصد وتعمد نوري المالكي تم شراء النفط من داعش لدعمهم ولكي يستمروا في نشاطاتهم ودفع تكاليفهم بواسطة المالكي والمجرم المعتوه بشار اينما تخطط ايران للتوسع او الاستهداف فهي تستدعي داعش والاتجاهات الشيعية لعمل ما في مدينة او منطقة وبعدها ترسل الحشد الشعبي التابع مباشرة لقم ولخامنئي بمفرده بدون اي علاقة للعراق به وبحجة الرد على داعش تقوم ايران باحتلال واذلال ونفي واعتقال الوف المواطنين المعاديين لسياستها).
واذا تجاوزنا قليلا قراء الاخبار والمقالات والتعليقات عليها، حتى قبل قراءتها وهضم المعلومات الواردة فيها وتحويلها الى معرفة ولو بسيطة، نجد ان معظم الكتاب العرب والمسلمين يعيشون في نفس المستوى من الغيبوبة والوعي المشلول، واقتبس لاحد هؤلاء الكتاب في معرض تحليله للأعمال الارهابية التي ضربت باريس وغيرها، وحملت مقالته عنوان (الإسلام السعودي وعدالة الغرب!) يصل فيه الى نتيجة مفادها: (المتهم الرئيسي الذي يجب ان يحاسب، ليس السعودية، ولا الإسلام، ولا سبعة اشخاص او عشرة فجروا هنا او هناك، بل إن غياب العدالة هو المتهم الأول. هذا الغياب هو من يجب ان يحاسب، ويستجوب لمعرفة لماذا غاب؟ ومن وراءه؟
السياسات الغربية في الداخلية قبل الخارجية منها، هي من يجب ان يحاسب، وهي المتهم الحقيقي. فنحن إن بررنا للسعودية إسلاميتها القوية (لا اعرف ما الذي يعنيه بالاسلامية القوية)، فكيف نبرر للدول الغربية غياب عدالتها القوية ايضا؟).
لاحظوا الربط القسري بين السعودية والاسلام (أي اسلام؟) وذكره لغياب العدالة، وكأن هذه العدالة غائبة في البلدان الغربية في تعاملها مع مسلميها وحاضرة بقوة في تعامل حكام دولنا مع شعوبها (حكم الاعدام على نمر النمر، وحكم الاعدام بحق الصحفي الفلسطيني في السعودية صاحبة هذه الاسلامية القوية) كنموذج لهذه العدالة الحاضرة.
اما الردود على هذا المقال فجاءت اكثر تعاسة مما اورده الكاتب (وهو على فكرة احد الكتاب الذين كانوا متعاطفين مع القاعدة وكان قريبا منهم). فأحد التعليقات جاء على الشكل التالي:
(لا مكاسب استراتيجية مما فعلته لطميات الإيرانيين وأوساخهم في سوريا والمجرم المعتوه بشار في حربه البرية.. يجب على دول العالم مساءلة المليشيات العراقية الطائفية ومعقباتها لان حكومات العراق مزبلة التأريخ وعلى الأخص الشيعية هي من انشات ودربت داعش لمحاربة الشعب السوري).
بقية الردود والتعليقات جاءت على نفس المستوى من الغيبوبة والوعي المشلول.
غياب الارادة او القدرة على الصحو والاستيقاظ والنهوض ستبقى حالة ملازمة لنا، وسنبقى في غيبوبتنا ووعينا المشلول حتى يرث الله الارض ومن عليها.
اضف تعليق