المسؤول في الوقت الحالي لا يجد صعوبة في جعل الطبقات المثقفة وشرائح النخبة يبتلعون العجينة ليصطدموا بالسنارة التي يسحبون من خلالها الى الشاطئ ويبدأون رحلة الموت البطيء والمحتوم؛ لذلك ومن باب النصيحة قبل كل شيء، لا تقتربوا من العجينة رغم جوعكم فالبداية لذيذة والنهاية هي الموت بعيدا عن اوكسجين الحرية...
ظهرت مبكرا اعراض الإصابة بداء الهيمنة والاستحواذ الانتخابي، مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المزمع اجراءها في شهر تشرين الثاني المقبل، ومن هذه الاعراض الزيارات المكوكية لمسؤولين كبار في الحكومة المركزية والمحلية.
كتبنا كثيرا عن السعي الدائم لمسؤولين في الحكومة من اجل السيطرة على مفاصل هذه الدائرة او تلك المؤسسة، لكن هذه المرة تأتي الكتابة حين برزت المسألة بشكل واضح وبصورة غير مسبوقة وبوقت مبكر، اذ يحاول المسؤولون في الوقت الحالي ابتلاع المؤسسات الحكومية.
وهو كذلك تمكن البعض من اختراق منظومة المؤسسات الحكومية، عن طريق الهيمنة المباشرة وغير المباشرة، وهذا المسؤول نفسه استطاع من التمكن عبر تعيين جميع مدراء الوحدات الإدارية في المدينة من الأحزاب او الشخصيات المؤيدة لسياسته والعاملة على تنفيذ رؤيته.
وليس في ذلك أي نوع من أنواع المغالاة او المبالغة فالمسؤول سين نراه في الأشهر الماضية أجرى حزمة من التغييرات في المناصب الإدارية، ليس بناء على كفاءة الشخصية المكلفة، بل على درجة الولاء الذي تحمله هذه الشخصية وعلى درجة المساهمة في تسويق المسؤول الاعلى في مؤسسته وامام موظفيه.
ومن الإشكاليات التي يقع فيها المسؤول الذي يطمع في الاستحواذ على جميع المفاصل هي ضرورة ذكر ان المشروع برعاية فلان وإشراف فلان، او بحسب توجيه فلان او حرصا من فلان وجميعهم نفس الشخص، وكل هذه العبارات او التسميات هي الوجه الآخر لسياسية الهيمنة القهرية على المؤسسات الحكومية.
وانا شاهد عيان على بعض من هذه التصرفات التي تؤكد ما طرحناه في السطور السابقة، اذ اعترض الرجل الأول في محافظة من المحافظات على الكليشة المكتوبة على اللوحة التعريفية بالمشروع، لخلوها من عبارة برعاية فلان!
اما الشق الثاني من الهيمنة يأتي عن طريق الزيارات اليومية لحضور بعض الفعاليات الروتينية، كإقامة حفل تكليف شرعي لمجموعة من الفتيات في مدرسة أهلية، او المشاركة بحفل تقيمه مؤسسة خيرية لتكريم أبناء الشهداء وكأنه الراعي الرسمي لهذه المبادرة والأب الروحي لهذه الشريحة.
ويبلغ الامر ابعد من ذلك الحد عند رعاية بعض التجمعات العلمية والمؤتمرات البحثية، اذ تمثل تلك الرعاية الرغبة الحقيقية والوسيلة العملية للهيمنة على تلك المؤسسات والتحكم بمصيرها ومجريات العمل فيها.
والسؤال الذي يدور في ذهن اغلب العامة، من اين يأتي المسؤول بهذه الأموال لتغطية نفقات هذه الرعايات؟
وبأي مشروعية يسمح لهذا المسؤول التوغل داخل هذه المؤسسات وفرض سياسته عليها؟
المشروعية الوحيدة في هذا الخصوص هي انه يتربع على راس السلطة، ولا يوجد من يقف بوجه مشروعه التوسعي وفرض سيطرته الكاملة على المؤسسات الحكومية الخاضعة له إداريا وغيرها، فالمال والبذح سلطة، لا يمكن لأي مسؤول الصد عنها او الامتناع عن لهمها.
ومن يقبل ان يأكل بقايا فتات المال العام، لا يجد صعوبة في قبول الإملاءات من قبل الجهات العليا، يجند افراده وطاقته لخدمة هذه الجهة الحزبية المتغطرسة في السلطة، والباحثة عن المجد في اكوام الفساد والتخبط الإداري والهدر المالي وغيرها من الممارسات.
وكذلك الشرائح الاكاديمية بلعت الطعم، حيث تزايدت زيارة هذا المسؤول مع الرعاية الكاملة لأغلب الفعاليات التي خرجت عن إطارها العلمي والذهاب الى الابعاد السياسية، ويتجسد ذلك بنوع الدعوات الموجهة الشخصيات التي تنتمي لجهة حزبية او متوافقة معها.
المسؤول في الوقت الحالي لا يجد صعوبة في جعل الطبقات المثقفة وشرائح النخبة يبتلعون العجينة ليصطدمون بالسنارة التي يسحبون من خلالها الى الشاطئ ويبدأون رحلة الموت البطيء والمحتوم؛ لذلك ومن باب النصيحة قبل كل شيء، لا تقتربوا من العجينة رغم جوعكم فالبداية لذيذة والنهاية هي الموت بعيدا عن اوكسجين الحرية.
اضف تعليق