ما زلنا والقول لصاحبي حتى في فعالياتنا العلمية نقدم السياسة على العلم، قد نعذرهم لو كانت الفعالية سياسية، لكنها علمية بكل جزئياتها، لماذا حدث ذلك؟: لأن الجهة المنظمة ترى ان مصالحها ترتبط بذلك المسؤول وليس بي، انا العبد الفقير الذي نذر عمره للعلم وتعليم الأجيال، ولو عاد بي الزمن للوراء لربما عملت على ان أكون مسؤولا وليس استاذا جامعيا....
هذا ليس عنوانا لكتاب كتلك التي تعلمك كيف تكون مؤثرا في سبعة أيام، بل جزء من سخرية استاذ جامعي بقوله: لقد بلغت من العلم مراتب متقدمة، وحصلت على أعلى شهاداته، وألفت من الكتب ما تيسر لي من وقت، وانجزت من البحوث ما لفت أنظار المتخصصين، وحصدت من الشهادات والدروع ما ملأ غرفة الضيوف، ونشرت من المقالات حتى بلغت الألوف، ولأنها مؤثرة ومفيدة واسلوبها جميل خصصت لي الصحف مساحة بإسمي، ان غبت تعتذر عن غيابي، وتخبر القراء بانتظاري الاسبوع المقبل، وتخرج المئات من الطلبة علي يدي من أدنى الشهادات الجامعية الى أعلاها.
لقد كنت مهما جدا في نظر نفسي، وكذلك في نظر زملائي، ومع ان الناس تعرف ما بلغته من مراتب وما أنجزته من ابداع ، لكنهم لم يجسدوا أهميتي في الواقع.
وأضاف: سأضرب لك مثلا: انت تعرفني جيدا لا يعنيني أين يكون مجلسي في المحافل العامة، مؤتمرات او مهرجانات وغيرها، ان جلست في أولها او آخرها، فالتواضع سمة انسانية أكدتها مختلف الأديان والثقافات، لكن تخيل ان أحد طلبتي أجلسه منظمو فعالية علمية في الصف الأول، بينما أجلسوني في الصف الثالث، بسبب أن طالبي حصل على منصب في الدولة، فلا المنظمون بادروا باجلاسي الى جانب طالبي باعتباره مسؤولا، ولا طالبي تواضع ورفض أن أكون خلفه.
ما زلنا والقول لصاحبي حتى في فعالياتنا العلمية نقدم السياسة على العلم، قد نعذرهم لو كانت الفعالية سياسية، لكنها علمية بكل جزئياتها، لماذا حدث ذلك؟: لأن الجهة المنظمة ترى ان مصالحها ترتبط بذلك المسؤول وليس بي، انا العبد الفقير الذي نذر عمره للعلم وتعليم الأجيال، ولو عاد بي الزمن للوراء لربما عملت على ان أكون مسؤولا وليس استاذا جامعيا.
ليس هذا وحسب يا أخي، ونحن الاثنان انت وأنا نعمل في المؤسسة الأكاديمية، جرب أن تذهب الى مجلس عزاء او أي تجمع عشائري تجد الناس تهتم بالضابط الأمني أضعاف اهتمامها بك، يجلسونه في أفضل الأماكن وعلى الأرائك الوثيرة، وقريبا من شيخهم، وترى من يتودد له، ويشعره بأنه الأهم من الجميع، بينما الآخرون يجلسونهم على الكراسي البلاستيكية، وطبعا من الشخصيات المهمة في نظرهم اولئك الذين ذكرتهم: المسؤول التنفيذي او السياسي او من وضع النجمات العسكرية على كتفه، لماذا؟، لأن الناس تنظر الى الأشخاص بمنظار احتمال الحاجة لهم، وهؤلاء يحتاجونهم أكثر من احتياجهم للاستاذ، وسبحان من غير الأحوال، ففي منتصف القرن الماضي كان المعلم يتقدم الصفوف.
بينما الآن يرافق الأفراد المسؤول والسياسي والضابط ليقولوا للناس انهم مهمون ومتنفذون وبإمكانهم فعل ما يرغبون، ولو عاد بي العمر الى أوله وهذا مستحيل لفكرت أن أكون ضابطا، فللضابط سلطة في عمله، ومكانة لا تضاهى في المجتمع، خصوصا اذا كان في سلك الشرطة، وما يحزنني ان بعض المسؤولين والسياسيين والضباط تافهون، لكن لديهم سلطة، والناس تتودد لمن لهم سلطة، وليس لمن لهم قيمة. آسف دوختك بهمومي: تحملني سأختمها بذلك الثري الذي لا يجيد قول عبارة سليمة، ولا حتى يعرف ما يرتدي من ملابس، وفوق هذا وذاك فاسد ما بعده فاسد، ولكن ما أن يدخل مجلسا صغيرا كان ام كبيرا حتى يستقبله الجالسون بالصلوات والتهليل، وينهض آخرون من مقاعدهم متقدمين نحوه للسلام عليه.
بينما هو لا يتقدم خطوة نحوهم، ويقبلونه بحرارة فائقة بينما هو يقبلهم كذبا، وان نظره لا يصوب نحوهم للتقليل من شأنهم، فندمت لأني لم أكن ثريا لأحظى بما يحظى به الأثرياء من مكانة، لن تحظى بمثلها حتى وان بلغت الأعلى من سلم العلم غير المتناهي، لا تقل لي: ان الناس سينفضون من حولهم اذا ما فقدوا ثرائهم، ولكنهم تمتعوا بلذة التقدير ولو في جزء من حياتهم، والاستاذ انسان كما الآخرون، أظن يا أخي ان الحياة هكذا في موزمبيق، ولا أدري هل هي هكذا في بلاد الآخرين؟، واذا كانت على عكسها، فلِمَ أصبحنا هكذا؟
اضف تعليق