يمثل العمل التطوعي أحد الأسس الهامة لتحقيق المساهمة المجتمعية والتنمية المستدامة. من خلال تعزيز ثقافة العمل التطوعي في المجتمع، يمكن تحسين الظروف المعيشية وتعزيز التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع، وبينما يواجه العمل التطوعي تحديات كبيرة، فإن هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن تبنيها لتشجيع المشاركة الفعالة في الأنشطة التطوعية...

يمثل العمل التطوعي ركيزة أساسية في دعم المجتمعات وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ويعتمد العديد من المجتمعات حول العالم على جهود الأفراد الذين يشاركون طواعية في الأنشطة الخيرية والاجتماعية والخدمية التي تهدف إلى تحسين حياة الآخرين، إن أيديولوجية العمل التطوعي تقوم على فكرة التضامن الاجتماعي والمشاركة الجماعية في حل المشكلات المجتمعية، تتجلى أهمية العمل التطوعي في دوره في تعزيز القيم الإنسانية، مثل العطاء، والتعاون، والإيثار، وعليه، يعتبر العمل التطوعي أحد الوسائل الفعالة لتحقيق المساهمة المجتمعية المستدامة.

تهدف هذه المقالة إلى تحليل أيديولوجية العمل التطوعي، والتعرف على تأثيره الفعلي في المساهمة المجتمعية، وكيف يمكن استخدامه كأداة لتحقيق التنمية المستدامة، كما ستتطرق الدراسة إلى التحديات التي تواجه العمل التطوعي وأهمية تعزيز ثقافة التطوع في المجتمع.

ان الأيديولوجية الأساسية للعمل التطوعي تتضح لدى بيان مفهوم العمل التطوعي والذي يعني العمل الذي يتم تنفيذه دون مقابل مادي، ويكون بدافع من رغبة الأفراد في تقديم المساعدة والمساهمة في خدمة المجتمع، يتمثل الهدف الرئيسي للعمل التطوعي في تحقيق مصلحة عامة، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو بيئية، ويساهم المتطوعون في هذا العمل بناءً على قيم إنسانية مثل العطاء والإيثار، كما يمكن أن يتم التطوع في مجموعة من الأنشطة مثل التعليم، والرعاية الصحية، والمساعدات الإنسانية، وحماية البيئة.

كما ان القيم والأيديولوجية الكامنة وراء العمل التطوعي تستند أيديولوجية العمل التطوعي إلى عدد من القيم الإنسانية الأساسية التي تشمل التضامن الاجتماعي، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، والشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، تعتمد هذه الأيديولوجية على مبدأ أن التماسك الاجتماعي في المجتمع لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التعاون والمشاركة الجماعية بين أفراده، وبالتالي، يعزز العمل التطوعي الشعور بالانتماء والهوية المجتمعية، كما يعزز من قدرة المجتمع على مواجهة التحديات بشكل جماعي.

ومن الجدير بالذكر أنّ دور العمل التطوعي في المساهمة المجتمعية يكون في تحقيق التنمية المستدامة حيث يعد العمل التطوعي جزءًا أساسيًا من تحقيق التنمية المستدامة في المجتمع، حيث يمكن للمتطوعين المساهمة في مجموعة من الأنشطة التي تعزز من تحسين مستويات المعيشة، مثل مشاريع الإغاثة، وبرامج التعليم، والصحة العامة، ومن خلال هذه الأنشطة، يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مثل القضاء على الفقر، وتحسين التعليم، وتعزيز الصحة العامة، وحماية البيئة. لذا، يمثل العمل التطوعي أحد المحركات الرئيسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات المحلية.

كما أنه تعزيز التضامن الاجتماعي والشعور بالمسؤولية حيث يُعد العمل التطوعي وسيلة لتعزيز التضامن الاجتماعي بين أفراد المجتمع. من خلال تقديم المساعدة للأفراد الذين يحتاجون إليها، يصبح المجتمع أكثر تماسكًا وقدرة على مواجهة التحديات. كما يعزز العمل التطوعي الشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية، مما يجعل الأفراد يدركون أهمية دورهم في تحسين مجتمعهم. وبالتالي، يعمل التطوع على تقوية الروابط الاجتماعية وتعزيز ثقافة التعاون والمشاركة في حل المشكلات.

بالإضافة إلى تحفيز التغيير الاجتماعي والإصلاح حيث يسهم العمل التطوعي في تحفيز التغيير الاجتماعي والإصلاح من خلال خلق مناخ من الوعي الاجتماعي حول القضايا المهمة التي تؤثر على المجتمع. سواء كان ذلك من خلال حملات التوعية بشأن حقوق الإنسان أو حملات للحفاظ على البيئة أو حملات توعية صحية، فإن العمل التطوعي يساهم في دفع المجتمعات نحو التغيير الإيجابي. ومن خلال التعاون بين الأفراد والمنظمات، يمكن الوصول إلى حلول فعالة للتحديات الاجتماعية والاقتصادية.

ولكن الأمر لا يخلو من التحديات التي تواجه العمل التطوعي منها نقص الوعي والتثقيف في المجتمع، حيث تعد واحدة من أكبر التحديات التي تواجه العمل التطوعي هي نقص الوعي بأهمية التطوع في بعض المجتمعات، حيث يعاني العديد من الأفراد من قلة المعرفة حول الفرص المتاحة لهم للمشاركة في الأنشطة التطوعية، مما يؤدي إلى انخفاض معدلات المشاركة. بالإضافة إلى ذلك، قد يعتقد بعض الأفراد أن العمل التطوعي يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرًا قد لا يتناسب مع حياتهم اليومية.

كذلك التمويل والموارد المحدودة هي من التحديات حيث تفتقر العديد من المنظمات التطوعية إلى التمويل الكافي لتنفيذ برامجها وأنشطتها بشكل فعال.

قد تتطلب المشاريع التطوعية الكبيرة موارد مادية ولوجستية لتوفير الأدوات والموارد اللازمة لتحقيق أهدافها، وفي حال عدم وجود الدعم المالي الكافي، يصعب تنفيذ هذه المشاريع على النحو المطلوب، بالإضافة إلى التحديات القانونية والتنظيمية خاصة في بعض الدول، قد تكون هناك صعوبات قانونية أو تنظيمية تؤثر على العمل التطوعي.

وقد تشمل هذه التحديات عدم وجود إطار قانوني واضح لتنظيم العمل التطوعي أو الإجراءات البيروقراطية المعقدة التي تحول دون مشاركة الأفراد في الأنشطة التطوعية. كما أن بعض الأنظمة القانونية قد تفرض قيودًا على المنظمات التطوعية في جمع التبرعات أو تنظيم الفعاليات المجتمعية.

ولو تكلمنا عن استراتيجيات تعزيز ثقافة التطوع في المجتمع فسنجد أنّ التثقيف المجتمعي والتوعية فمن الضروري أن تعمل الحكومات والمنظمات غير الحكومية على نشر ثقافة التطوع وتعريف الأفراد بأهمية المشاركة في الأنشطة المجتمعية. يمكن تحقيق ذلك من خلال حملات توعية في وسائل الإعلام أو من خلال التعليم في المدارس والجامعات، مما يعزز من فهم الأفراد لفوائد العمل التطوعي وكيفية المشاركة فيه، كما يجب أنّ يكون هنالك تحفيز المبادرات التطوعية من قبل المؤسسات الخاصة وأن توفر بيئة تشجع على التطوع، مثل تقديم الحوافز للمتطوعين أو تمويل المشاريع التطوعية المبتكرة، كما يمكن تحسين التنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة في المجتمع، مثل الجمعيات الأهلية، والمنظمات الحكومية، والشركات الخاصة، لتوفير فرص أكبر للمتطوعين وتوسيع نطاق المشاركة المجتمعية.

بالإضافة إلى استراتيجية دعم التنظيمات التطوعية والرقابة على الأنشطة فمن المهم دعم التنظيمات التطوعية بموارد مالية وفنية، وكذلك توفير بيئة قانونية وتنظيمية مرنة تشجع على التوسع في الأنشطة التطوعية. كما يمكن أن تلعب الأنظمة الحكومية دورًا في مراقبة الأنشطة التطوعية لضمان الشفافية والمساءلة.

في الختام، يمثل العمل التطوعي أحد الأسس الهامة لتحقيق المساهمة المجتمعية والتنمية المستدامة. من خلال تعزيز ثقافة العمل التطوعي في المجتمع، يمكن تحسين الظروف المعيشية وتعزيز التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع، وبينما يواجه العمل التطوعي تحديات كبيرة، فإن هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن تبنيها لتشجيع المشاركة الفعالة في الأنشطة التطوعية، بما في ذلك التثقيف المجتمعي، وتحفيز المبادرات التطوعية، وتوفير الدعم المالي والتنظيمي اللازم، إن دور العمل التطوعي في بناء المجتمعات لا يمكن التقليل من أهميته، ويجب أن يكون جزءًا أساسيًا من خطط التنمية المستدامة في مختلف الدول.

* الدكتورة جمانة جاسم الأسدي، عضو ملتقى النبأ للحوار، تدريسية في جامعة كربلاء

.....................................

المصادر المعتمدة في كتابة المقال:

1. Wilson, J. (2012). “Volunteerism and social engagement: A global perspective.” In The Handbook of Volunteering in Public Services. Routledge.

أيديولوجية العمل التطوعي من منظور عالمي، ويسلط الضوء على دور العمل التطوعي في تعزيز المشاركة الاجتماعية والتنمية المستدامة.

2. Cnaan, R. A., & Handy, F. (2005). “The Study of Volunteer Work: A Review and Critique.” Voluntas: International Journal of Voluntary and Nonprofit Organizations, 16(4), 340-362.

دراسة أكاديمية تحلل العمل التطوعي من خلال منظور علمي، وتستعرض التأثيرات الاجتماعية للعمل التطوعي على المجتمعات.

3. Adele, M., & Reid, J. (2020). “Volunteering in Contemporary Society: A Global Perspective.” Voluntary Action, 22(2), 65-82.

دراسة عالمية حول العمل التطوعي في العصر الحديث، وتتناول الأيديولوجيات المعاصرة التي تدفع الأفراد للانخراط في الأنشطة التطوعية، مع التركيز على التحديات والفرص في العصر الرقمي

اضف تعليق