منذ أن بدأت الحرب في غزة قبل أكثر من عام ونصف، ووسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المنابر، لم تهدأ عن شتم الانظمة العربية التي تصفها بالمتخاذلة ولم تنصر غزة وشعبها. ويترافق هذا مع صور الموت والخراب تنقل عبر الفضائيات من فلسطين التي كان العرب واغلب المسلمين يرونها قضيتهم الأولى...

منذ أن بدأت الحرب في غزة قبل أكثر من عام ونصف، ووسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المنابر، لم تهدأ عن شتم الانظمة العربية التي تصفها بالمتخاذلة ولم تنصر غزة وشعبها. ويترافق هذا مع صور الموت والخراب تنقل عبر الفضائيات من فلسطين التي كان العرب واغلب المسلمين يرونها قضيتهم الأولى، لكن الانظمة لم تصغ لهذا ولم يتحرك أي منها عسكريا للوقوف مع حماس في مواجهتها مع اسرائيل، ولهذا اسباب يصعب على الحكومات ذكرها بشكل مباشر لكنها سرّبتها بشكل غير مباشر أو من خلال المحللين والمتابعين ممن يتناولون الحدث السياسي في فلسطين وغيرها. 

الأنظمة العربية ترى أن قرار الحرب مع إسرائيل لم يتخذ من قبلها أو في الأقل من قبل (دول المواجهة)، وإنما اتخذته منظمة حماس من دون ان تستشير احدا بمن فيهم السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليا والتي لها تمثيل (عضو مراقب) في الأمم المتحدة بالإضافة إلى عضويتها في الجامعة العربية وغيرها، وبما إن الحرب تعد خيارا استراتيجيا صعبا، فإن الذهاب اليها يجب أن تسبقه استراتيجية للمواجهة وعلى مختلف المستويات، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، أي يجب على الدولة التي تقرر الحرب، أن تضع في حسابها أن المواجهة تستدعي استحضارات غير عادية وتأمين ممرات الدعم المختلف للميدانين المدني والعسكري، من أجل الصمود في الحرب. 

وهذا لم تضعه حركة حماس في حسابها وانما اعتقدت انها بما لديها من اسلحة في الميدان، قادرة على تنفيذ عملية كبيرة، وهذا ربما كان ممكنا، لكن هل كانت تمتلك غطاء سياسيا فلسطينيا أو عربيا، يدافع عن ما حصل في المحافل الدولية، لاسيما ان العملية بما رافقها من خطف لنساء ومدنيين اضافة إلى العسكريين الاسرائيليين، وضع اسرائيل امام العالم في صورة الضحية لعمل وصف بالإرهابي، وتحديدا في الغرب الذي تعاطف مع اسرائيل وقدم الدعم لها، فوجد العرب انفسهم جميعا في مأزق، لأنه بات من الصعب الدفاع عن هكذا عملية امام الرأي العام العالمي، مهما كانت مبرراتها، لاسيما ان العرب اعلنوا في مؤتمر قمة بيروت العام 2002 عن مبادرتهم في انهاء النزاع بمجرد عودة اسرائيل لحدود 4 حزيران العام 1967 لكن حماس رفضت ذلك ونفذت عملية في تل ابيب، وقتذاك، ردا على القرار الذي اضعفته هذه العملية ووضعته على الرف لاحقا، عندما اختطت حماس لنفسها طريقا في مواجهة إسرائيل بعيدا عن الدول العربية.

ودخلت في تحالفات اقليمية عقّدت وضعها داخل المشهد الوطني الفلسطيني وكذلك العربي، كون أغلب الدول العربية وجدت أن لا حل ّ عسكريا للمواجهة مع اسرائيل، بسبب اختلال التوازن على مختلف المستويات، ولكون إسرائيل معترفا بها دوليا وعضو في الأمم المتحدة ولها تحالفات معروفة مع أميركا والغرب واغلب دول العالم المؤثرة، ما يعني أن المواجهة العسكرية باتت خيارا غير مجد، وأن استمرار المواجهة بهذه الطريقة ستكون مكلفة للشعب الفلسطيني ومعيقة لعملية نهوضه في عالم بات يحقق قفزات هائلة في مجال التقنيات الحديثة بما فيها التقنيات العسكرية، التي فاجأت حماس وكانت وراء تدمير قطاع غزة بشكل شبه كامل.

وتبين ايضا ان تحالفات حماس لم تكن فاعلة ووجت نفسها وحدها في معركة قررتها بنفسها. لذا فإن العقلاء لا يرون تخاذلا في موقف الانظمة العربية، لأدراك بعضها من قبل ان المعادلة مختلة لصالح اسرائيل، وادراك البعض الآخر ذلك لاحقا أو سلّم به، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي الذي كان مع حق الشعب الفلسطيني في العودة لأرضه وليس مع رؤية بعض العرب في تدمير اسرائيل بالكامل، وهذه مسألة جوهرية ولعبت دورا في عدم تسليح العرب بسلاح استراتيجي يتفوق على السلاح الذي تمتلكه اسرائيل طيلة عقود المواجهة.

اضف تعليق