يبدو للأوروبيين إن ما تبقى من رابط بين ضفتي الأطلسي هو حلف الناتو القديم جدا، هذا الحلف الذي من وجهة نظر أمريكا الحالية لا قيمة له طالما أن هنالك (تصفيرا) للمشكلات والأزمات في أوروبا وتحديدا مع الخصم التقليدي روسيا، التي باتت طاولات الحوار تجمعهما معا متى أرادوا ذلك...

المتغيرات في السياسة الأمريكية الحالية تجعل أوروبا أمام مفترق طرق تأريخي لم تتصور إنها ستصل إليه من قبل، وهذا يتمثل في مدى بقاء حلف الناتو على قيد الحياة في ظل سياسة ترامب الرامية إلى تغيير وجه العالم عبر شعار(أمريكا أولا)، وهو شعار ترى فيه أوروبا أنه سيضر كثيرا بتحالفاتها التقليدية مع واشنطن سواء في فترة الحرب الباردة أو حتى بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي وهيمنة القطب الواحد.

دونالد ترامب في ولايته الأولى أكد لأوربا أن حمايتها لن تكون مجانية وعليها أن تدفع ثمن ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وتمثل ذلك بزيادة المبالغ المخصصة للتسليح وهو الأمر الذي ربما آنذاك لم يثر مخاوف الأوربيين إلا مع بداية الحرب الروسية – الأوكرانية، التي وجدت فيها أوروبا نفسها بحاجة ماسة للإنفاق العسكري ليس لدعم أوكرانيا فحسب، بل لضمان أمنها من هجمات الدب الروسي وبالتالي وجدنا إن أغلب الدول الأوربية في الناتو زادت إنفاقها العسكري بشكل متسارع.

في ولايته الجديدة يجد ترامب إن حلف الناتو قد يشكل عبئاً اقتصادياً على واشنطن، وهذا يعني إن عليها مراجعة ذلك عبر عدة خطوات لعل أبرز ما أعلن عنها المطالبة بضم كندا وغرينلاند التابعة للدنمارك ليكونا جزأين من الأراضي الأمريكية، مضافا لذلك المطالبة بقناة بنما التي قد تعود ملكيتها لواشنطن من جديد عبر عملية شراء لعدد من الموانئ هناك والتي هي استثمارات صينية وجدت بكين أن بيعها قد يكون ضمن صفقة مع الإدارة ألأمريكية تفضي لتحقيق مصالح بكين في مناطق أخرى.

ومن هنا نجد أن أوروبا تجد أن واشنطن تتصرف وفق مصالحها دون مراعاة مصالح الحلفاء التقليديين، فهي تتقارب مع موسكو، وتتحاور مع بكين، وتبعث برسائل لطهران حول إمكانية فتح حوار مباشر، وتفرض إرادتها على أحداث العالم وأحيانا تتدخل في الانتخابات الأوربية، وتحث الناخبين على انتخاب هذا الحزب هنا أو هناك، وهو ما حصل في الانتخابات الألمانية الأخيرة، وما قد يحصل لاحقا في دول أوربي أخرى.

لهذا يبدو للأوروبيين إن ما تبقى من رابط بين ضفتي الأطلسي هو حلف الناتو القديم جدا، هذا الحلف الذي من وجهة نظر أمريكا الحالية لا قيمة له طالما أن هنالك (تصفيرا) للمشكلات والأزمات في أوروبا وتحديدا مع الخصم التقليدي روسيا، التي باتت طاولات الحوار تجمعهما معا متى أرادوا ذلك.

من جانب آخر أن العقلية السياسية الأمريكية متجددة وترغب بين فترة وأخرى تغيير صورة العالم وفق مصالحها، التي يمكن لها أن تحققها بمفردها دون الاستعانة بأي حليف يكون في ما بعد شريكا لها في الغنائم الاقتصادية، وهذا ما تجلى بوضوح في صفقة المعادن مع أوكرانيا وما سيحصل في الصفقات القادمة سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط أو غيرها من البقع الجغرافية التي ستطولها صفقات ترامب البعيدة المدى.

اضف تعليق