إن موسكو تنتظر جني أرباح حوارها مع الإدارة الأمريكية، خاصة وإن ما تحقق لها من مكاسب على الأرض في حربها ضد أوكرانيا بات في حكم المؤكد بقاؤها تحت سيطرتها، ولن تكون هذه المكاسب بعيدة عن خارطة روسيا الجديدة، وبالتالي فإن العالم قابل للتشكيل بطريقة جديدة...
منذ أن وطأت قدماه البيت الأبيض منذ أكثر من شهر يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يكون صاحب الحدث الأول في الإعلام العالمي، خاصة وإنه مواظب لأيام متتالية على استقبال زعماء العالم سواء من الشرق الأوسط أو أوربا الذين زاروا أمريكا وسمعوا من رئيسها كلمات وخطب أقل ما يقال عنها إنها صريحة جدا وخالية من الغموض وليست مغلفة بعبارات دبلوماسية، ويهدف من ورائها أن يدرك الجميع إن أمريكا قوية وهي من تعيد ترتيب العالم وفق مصالحها.
وكأنه يمهد الطريق لمرحلة جديدة لهذا العالم مبنية بالأساس على المصالح لا التحالفات، أول أهدافها إنهاء الحروب خاصة بين أوكرانيا وروسيا هذه الحرب التي كلفت أوربا الكثير من المال والقلق معا حتى أمريكا في عهد بايدن قدمت مئات المليارات دعما لأوكرانيا، لكن ترامب اعتبرها ديونا يجب أن تعود حتى وإن كانت عودتها عبر صفقات المعادن النادرة الموجودة في الأراضي الأوكرانية، المهم أن تقف الحرب هناك، وبدأت ملامح الوصول لذلك قريبة خاصة بعد جولة أولى بين واشنطن وموسكو عقدت في الرياض حددت الخطوات القادمة للعلاقات الأمريكية – الروسية ليس على مستوى العلاقات الثنائية فقط بل قد يتعدى ذلك إلى ترتيب العالم من جديد برؤية مغايرة لما كان سائدا في الماضي.
وبالتالي وجدنا إن الإدارة الأمريكية الحالية تمكنت من كسر حاجز الجمود في علاقة واشنطن بموسكو، وإن كان ثمن ذلك قلق أوروبي من تبعيات التقارب بين العملاقين وتمثل هذا القلق من خلال زيارة الرئيس الفرنسي، وتبعه رئيس وزراء بريطانيا ثم الرئيس الأوكراني الذي قد يجد نفسه مجرد متفرج لنهاية الحرب الروسية – الأوكرانية وليس طرفا في أي اتفاق وهذا ما دفعه للقول لترامب (استقبلتني في البيت الأبيض لاهانتي) وهي كلمات فشل الكثير من زعماء العالم الذين التقاهم ترامب في قولها، وهو ما يعكس إن هنالك نظام أمريكي جديد في الحوار لم يعتد عليه العالم من قبل. ربما يمكننا أن نقول عنه (حوار فوقي) يؤكد أن أمريكا فوق الجميع وأقوى من الجميع وتحمي الجميع.
بالمقابل نجد إن موسكو تنتظر جني أرباح حوارها مع الإدارة الأمريكية، خاصة وإن ما تحقق لها من مكاسب على الأرض في حربها ضد أوكرانيا بات في حكم المؤكد بقاؤها تحت سيطرتها، ولن تكون هذه المكاسب بعيدة عن خارطة روسيا الجديدة، وبالتالي فإن العالم قابل للتشكيل بطريقة جديدة أيضا طالما إن المصالح العليا لموسكو وواشنطن تتحقق بالحوار في ما بينهما، بعيدا عن ضوضاء الحلفاء سواء لأمريكا أو روسيا.
لهذا نجد أن حلفاء واشنطن في أوروبا على الأقل سيكون من أولوياتهم بناء علاقات جيدة وطبيعية مع موسكو ويتناسون حرب أوكرانيا ومواقفهم منها، طالما أن حليفتهم الأولى أمريكا وضعت مصالحها فوق كل شيء، فعلى الأوربيين أيضا أن يضعوا مصالحهم فوق كل شيء خاصة أنهم جيران موسكو المباشرين ويعتمدون عليها في مسائل الطاقة والنفط وغيرها.
اضف تعليق