ينبغي لكلِّ طرف أن يتخلى عن أنانيته وغروره، وأن يفتح المجال أمام الحكمين لتنفيذ مهمتهما الإصلاحية بحرية تامة، وقبول النتائج حتَّى وإن كانت ضد مصلحتهما، أو تتناقض مع ما كانا يظنان، وهذا السلوك هو ما يعيد بناء الثقة ويؤسس لعلاقة زوجية قائمة على التعاون والمرونة، مما يعزز استقرار الأسرة...

تختلف الخلافات بين الزَّوجين؛ فبعضها يمكن أن نصفه بالاختلاف البسيط، والبعض الآخر بالاختلاف المعقَّد؛ والفرق بين الحالتينِ أنَّ الأوَّل لا يستمر طويلاً، وتبقى مشاعر الودِّ والحبِّ موجودة بين الزَّوجينِ، حتَّى وإن ظهرت بعض مظاهر العنف مثل السَّب والشَّتائم. ومع ذلك، فإنَّ العاطفة العميقة والمشاعر الصَّادقة بينهما تدفع الطَّرفين إلى السَّعي الجاد لحل المشكلة والخلاف، وفي حالات أخرى، قد يتطلب الأمر وقتًا طويلًا للتعامل مع الأسباب الجذرية للنزاع، إلَّا إنَّ الرَّغبة في الحفاظ على العلاقة تبقى دافعًا رئيسيًا للبحث عن الحلول.

وأمَّا النوع المعقَّد من الخلافات فيتسبب في تغيير المشاعر وحدوث فجوة كبيرة بين الطَّرفين، وتزداد هذه الفجوة كلَّما طال زمن الخلاف، إلى درجة قد تصل فيها الأمور إلى الطلاق في حالات كثيرة. ويتفاقم الوضع إذا صاحَبَ الخلاف إشعار أحد الطَّرفينِ بالنقص أو الاستحقار، وإفشاء الأسرار أو بيان عيوب الآخر علنًا. وفي جميع الأحوال، فإنَّ إفشاء الأسرار ووصف الطَّرف الآخر بالتَّقصير في المراحل الأولى للخلاف ليس محبذًا أو مفضلًا؛ بل يعمِّق المشكلة؛ لذلك، تختلف الطُّرق المتبعة في حل الخلافات؛ فبعضها يتسم بالصُّعوبة، وبعضها الآخر بالسُّهولة، ويعتمد ذلك على طبيعة ونوع الخلاف؛ فإن كان الخلاف من النَّوع البسيط، يكتفي الزَّوجان بحلِّه بأنفسهما، وأمَّا إذا كان من النَّوع المعقَّد، وعجز الزَّوجان عن حلِّه، فيجب عندها تدخل طرف ثالث ورابع من أجل تدارك الخلاف، وتقديم النَّصائح والتَّوجيهات التي تساعد على الوصول إلى حلٍ يرضي الطَّرفينِ ويعيد التَّوازن للعلاقة بينهما.

وعلى العموم سنذكر هنا أساليب حل الصراعات الزَّوجية، وبيان السَّبيل المناسب في حلِّ الخلاف:

الأسلوب الأوَّل: الحوار بين الطَّرفين

يُعدُّ هذا الأسلوب من أفضل الأساليب المتبعة في حلِّ الصِّراعات الزَّوجية؛ خاصة إذا كان الزَّوجان يمتلكان شيئًا من المعرفة والعلم بأسس الحياة الزَّوجية، مما يجعل تقديم هذا الأسلوب على بقية الأساليب أمرًا مفضلًا؛ لأنَّه يعتمد على العلم والعقل. ولكن المشكلة التي قد تواجه هذا الأسلوب هي انخفاض المستوى المعرفي والعلمي لأطراف الخلاف، حيث إنَّ الانخفاض في المعرفة غالبًا ما يرافقه تراجع في اللجوء إلى هذا الأسلوب. ولا أعني بوجود المعرفة والعلم أن يكون الزَّوجان مطلعَينِ على مجال الحياة الزَّوجية، بل يمكن اكتساب المعرفة من خلال التأمل في تجارب الآخرين والاستفادة منها، كما يمكن للزَّوجين الاستفادة من تجربتهما الشَّخصية، بالاعتماد على ما تعلموه من مواقف سابقة. وفي كلِّ الأحوال، ينبغي على الزَّوجين المحاولة ومعرفة أسس الحياة الزَّوجية الناجحة سواء عن طريق القراءة، أو سماع المحاضرات المتعلقة بهذا الشأن، أو الاستفادة من تجارب الآخرين؛ فالتَّجاهل لهذه الأسس يؤدي إلى تكوين أسرة غير ناجحة في الغالب، حيث ينتج عن التفكير الخاطئ واقع مليء بالفشل، بينما التفكير الصَّائب يعزز من نجاح العلاقة، ويحقق السَّعادة للطَّرفين في عاجلهما وآجلهما.

إنَّ من فوائد أسلوب الحوار أنَّه يبقي المشكلة داخل أسوار المنزل، مما يسهل عملية العلاج والحل بسرعة وفعَّالية، وأمَّا إذا خرجت المشكلة إلى خارج حدود البيت، فإنَّ ذلك يعني اتساع نطاقها وتعقيدها، وزيادة أطرافها، مما يجعل عملية حلها أكثر صعوبة ويقربها من الاستحالة.

كيف يتجاوز الزوجان مرحلة سوء التفاهم بحكمة ومودة:

1- إنَّ ترك المنزل بالنِّسبة للزَّوجة وأحيانًا للرَّجل ليس أسلوبًا ناجحًا في الحل، بل هو أقرب إلى عملية الهروب من المشكلة؛ ولكن الهدوء والصَّمت لفترة، وهما داخل المنزل، يمنحان الفرصة للتفكير بشكل هادئ ومراجعة واقع المشكلة بشكل أعمق؛ وهذه الفترة تساعد على الوقوف على مواطن الضعف والقوَّة في الخلاف، مما يتيح للطَّرفين فرصة لفهم الموقف بشكل أفضل والعمل على إيجاد حل مناسب.

2- سكوت الزَّوجة في حالة نشوب خلاف مع زوجها خوفًا من الطَّلاق أو من غضب الزَّوج ليس هو الحل الصَّحيح؛ بل يجب أن تُناقش الزَّوجة زوجها بهدوء ومحبَّة، مع اختيار الوقت المناسب لفتح النقاش؛ فالحوار بين الزَّوجين بعد اختيار الوقت المناسب يكون أكثر فاعلية، ويقود إلى نتائج إيجابية تحل المشكلة وتقوي العلاقة بينهما.

3- هناك حالات تمرُّ بها الزَّوجة، خاصة أثناء عادتها الشَّهرية، حيث لا يكون من المناسب نقاش المشاكل الزَّوجية في هذه الفترة؛ والقرارات التي تُتخذ خلال هذه المرحلة غالبًا ما تكون غير مدروسة أو مدفوعة بالعواطف، مما قد يدفع إلى تصعيد الخلافات بدلًا من حلها.

4- في حالة الغضب، لا يُستحسن النقاش في أيِّ مشكلة؛ لأن الغاضب غالبًا ما يكون غير قادر على اتخاذ قرارات صائبة أو مدروسة، مما قد يزيد من تعقيد الأمور بدلاً من حلِّها.

قال أمير المؤمنين علي -عليه السلام-: «ضِرامُ نارِ الغَضَبِ يَبْعَثُ عَلى رُكُوبِ العَطَبِ» (1).

وعنه -عليه السلام-: «الغَضَبُ يُفسِدُ الألبابَ، ويُبعِدُ مِن الصَّوابِ» (2). 

5- على الزَّوجين أن يمنح كلّ منهما الآخر الحرية في التَّعبير عن مشاعره تجاه المشكلة؛ وأمَّا أسلوب الاستبداد، والاحتقار، والبغض، ومحاولة الانتصار في الصِّراع وإثبات الذات لا يفيد أيًّا من الطرفين. بل على العكس، فإنَّه يزيد التَّوتر ويفاقم الخلافات، وفي النِّهاية سيكون الخاسر الوحيد في هذه المعركة هو الزَّوجان نفسيهما، حيث تتدهور العلاقة بدلاً من أن تتعزز.

الأسلوب الثَّاني: تدخل أهل الزَّوجين

 يُعتمَدُ هذا الأسلوب في حالة عدم التَّوصل إلى حل من خلال الأسلوب الأوَّل، ولكنه يتفاوت في تأثيره وفقًا لدرجة العلاقة بين أهل الزَّوجة وأهل الزَّوج؛ فإن كانت العلاقات طيّبة بين الأسرتين، فهذا سيزيد من فرصة التئام الفجوة وعودة الزَّوجين إلى بعضهما البعض، وأمَّا إذا كانت العلاقة متوترة بين الأسرتين، فإنَّ الفرص لحل المشكلة غالبًا ما تكون منخفضة، مما قد يزيد من تعقيد الموقف.

لقد وردت العديد من النصوص الشَّريفة التي تبيِّن أجر وثواب المصلحين؛ وهذا الثَّواب ما هو إلَّا تعبير عن عظمة دور الإصلاح بين النَّاس وأثره الكبير في بناء الأسرة والمجتمع؛ إذ يُعدُّ الإصلاح وسيلة هامة لتحقيق السَّلام والوئام، ويعزز من استقرار العلاقات ويُسهم في تماسك المجتمع بشكل عام؛ عن الرسول الأعظم محمَّد -صلى الله عليه وآله-: «وَمَنْ مَشَى فِي صُلْحِ امْرَأَةٍ وَزَوْجِهَا كَانَ لَهُ أَجْرُ أَلْفِ شَهِيدٍ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله حَقًّا، وَكَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عِبَادَةُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا»(3).

إنَّ تدخل أهل الزَّوجة، أو أهل الزَّوج، أو حتَّى طرف آخر ينبغي أن يخضع لمجموعة من القواعد والمعايير لضمان فعَّاليته؛ فإذا تمَّ التَّدخل في غير محله، قد يتحول من أداة للإصلاح إلى سبب لزيادة الفجوة بين الطَّرفين، خاصة إذا كان التَّعصب لأحد الأطراف هو الدافع، وفي هذه الحالة، بدلًا من تهدئة الوضع، قد يُفاقم الخلاف ويزيد من تعقيده؛ ولذلك نجد القرآن الكريم وضع آلية معيَّنة في هذا التَّدخل؛ قال الله -تعالى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)(4). 

من هدى الآية المباركة:

1. في هذه الآية إشارة واضحة إلى مسألة ظهور الخلاف والنّزاع بين الزَّوجين، حيث تقول :(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ)؛ وذلك في إطار محاولة التَّوصل إلى حل ودِّي من خلال التفاوض والتقريب بين وجهات نظر الزَّوجين؛ ويهدف هذا التدخل إلى إصلاح العلاقة بينهما وحل النزاع بشكل يرضي الطَّرفين، مع الحفاظ على استقرار الأسرة وتعزيز الوحدة بينهما.

 2. ينبغي أن يدخل الحكمان المندوبان عن الزَّوجين في التَّفاوض بنيَّة صالحة وإرادة صادقة في الإصلاح؛ لأنَّ النية الطيبة تساهم في تحقيق النتائج المرجوة؛ فإذا كان الحكمان يحملان هذه النيَّة الصَّافية، أعانهما الله –تعالى- ووفَّق بين الزَّوجين، وحقق المصلحة للطرفين؛ إذ الإخلاص في النية والعدل في التعامل هما الأساسان لنجاح هذا التدخل، مما يعزز فرصة تحقيق الصلح والوفاق بين الزوجين؛ ومن أجل تحذير (الحكمين) وحثهما على استخدام حسن النّية، قال –سبحانه- في ختام هذه الآية: (إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا).

3. إنَّ محكمة الصُّلح العائلية التي أشارت إليها الآية، تُعدُّ من مبتكرات الإسلام العظيمة، حيث تتميز بخصائص تفتقر إليها المحاكم الأخرى (5)؛ ومن جملتها:

أولاً: إنَّ البيئة العائلية بيئة عاطفية؛ ولذلك فإنَّ المقياس الذي يجب أن يُتبع في هذه البيئة يختلف عن المقاييس المتبعة في البيئات الأخرى، فكما أنَّه لا يمكن العمل في "المحاكم الجنائية" بمقياس المحبة والعاطفة، فإنَّه من غير الممكن في البيئة العائلية تطبيق المقاييس القانونية الجافة، أو الضوابط الصارمة الخالية من روح العاطفة، وفي هذا السياق، يجب حل الخلافات العائلية باستخدام الأساليب العاطفية قدر الإمكان؛ ولهذا يأمر القرآن الكريم أن يكون الحكمان في هذه المحكمة من ذوي العلاقة بالزَّوجين من خلال النسب أو القرابة، حتَّى يتمكنا من تحريك مشاعر العاطفة والرَّحمة بين الزوجين، مما يسهم في إصلاح العلاقة بينهما، ومن الطبيعي أن تكون هذه الميزة هي السمة المميزة لهذا النوع من المحاكم، في حين تفتقر المحاكم الأخرى لهذه الخصوصية.

ثانياً: إنَّ المدعي والمدَّعى عليه في المحاكم القضائية العادية يُضطران - تحت طائلة الدفاع عن النفس - إلى كشف كل ما لديهما من أسرار، وهو ما قد يجرح مشاعر الطرف الآخر؛ ففي حالة الزَّوجين، إذا قاما بالكشف عن أسرارهما الزَّوجية أمام الأجانب أو الغرباء، فإنَّ ذلك يسبب لهما ضررًا كبيرًا في العلاقة، مما يجعل العودة إلى حياتهما السابقة من المحبة والصفاء أمرًا صعبًا. بل إنَّهما قد يظلان يعيشان كأشخاص غريبين، مجبرين على أداء بعض الواجبات المشتركة، وقد دلَّت التجربة وأثبتت أن الزَّوجين الذين يلجؤون إلى مثل هذه المحاكم القضائية لحل خلافاتهما لا يعودان كما كانا في السابق.

أمَّا في محاكم الصلح العائلية، فالأمور لا تُطرح بشكل علني أمام الغرباء، بل تتم في جو عائلي وأمام الأقرباء، مما يقلل من الأثر السلبي على العلاقة، وفي حال تم التطرق إلى هذه الأمور، فإنَّها تُطرح بحذر واحترام للخصوصية، مما يساهم في تقليل أي تأثير ضار على مشاعر الزَّوجين.

ثالثاً: إنَّ الحكمين في المحاكم العادية المتعارف عليها لا يشعران عادة بالمسؤولية الكاملة في قضايا الخلاف والمنازعات العائلية، ولا يكون اهتمامهما منصبًا على كيفية انتهاء القضية المرفوعة إليهما؛ فلا تهمهما عادة النتيجة النهائية فيما يتعلق بالعلاقة بين الزَّوجين؛ سواء كان ذلك بعودتهما إلى البيت على وفاق وحل الخلاف، أو إذا انتهت القضية بالطلاق. في حين أنَّ المسؤولية في مثل هذه القضايا تتطلب اهتمامًا خاصًا بمصلحة الأسرة واستقرار العلاقة الزوجية، وهو ما قد يفتقر إليه الحكمان في المحاكم التقليدية.

وعلى العكس من ذلك تمامًا، في محكمة الصلح العائلية، حيث يرتبط الحكمين بالزَّوجين من خلال رابطة القرابة، فإنَّ لافتراق أو صلح الزَّوجين أثراً كبيراً في حياة الحكمين من الناحية العاطفية، وكذلك من ناحية المسؤوليات النّاشئة عن ذلك؛ لهذا، يبذل الحكمان قصارى جهدهما لتحقيق الصلح والوئام والوفاق بين الزَّوجين اللذين يمثلانهما، ويعملان على إعادة الأمور إلى مجاريها، كما يقول المثل، إيمانًا بأهمية استقرار العلاقة الأسرية وتأثيرها المباشر على حياتهم العاطفية والشخصية.

رابعاً: مضافًا إلى كل ما ذُكر، فإنَّ محكمة الصلح العائلية لا تواجه أيّة مشكلات كبيرة، ولا تحتاج إلى ميزانيات ضخمة، كما أنَّها لا تعاني من الخسائر أو التضييع الذي تواجهه المحاكم التقليدية؛ فهي قادرة على تحقيق أهدافها وأغراضها بسرعة وفعَّالية، دون الحاجة إلى إجراءات معقدة أو زمن طويل؛ لذا، لا بدَّ من اختيار الحكَمين بعناية من بين الأفراد المتمكنين والواعين، الذين يمتلكون فهمًا عميقًا وحكمة في التَّدبير داخل عائلتي الزوجين.

خامساً: ذهب بعض الفقهاء إلى نفوذ كلَّ ما يصدر أنه من حكم في هذا المجال، وظاهر التّعبير به «حكم» في الآية الحاضرة يفيد هذا المعنى أيضًا؛ لأنَّ مفهوم الحكمية والقضاء هو نفوذ الحكم مهما كان، ولكن أكثر الفقهاء يرون نفوذ ما يراه الحكمان في مورد التَّوفيق بين الزَّوجين ورفع الاختلاف والنّزاع بينهما، بل يرون نفوذ ما يشترطه الحكمان على الزَّوجين، وأما حكمهما في مجال الطَّلاق والافتراق بين الزَّوجين فغير نافذ لوحده، وذيل الآية الذي يشير إلى مسألة الإصلاح أكثر ملاءمة مع هذا الرأي، وللتّوسع في هذا المجال يجب مراجعة الكتب الفقهية.

سادساً: الهدف الأساسي للتَّحكيم هو إصلاح العلاقات الزوجية التي أصابها النزاع والشقاق، وإعادتها إلى حالة الوفاق والوئام، بما يضمن استقرار الأسرة وسعادتها. ولتحقيق هذه المهمة بفعَّالية، يجب على كل من الحكمين التحدث مع الطرف الذي يمثله بصراحة وانفتاح تام، للتعرف على واقع حالته، والشكوى التي يعاني منها، وما يطمح إليه من حلول، ثمَّ يتبادلان الآراء والنقاشات للوصول إلى فهم مشترك، وبعد ذلك يلتقي الحكمان ليتدارسا الأمر بينهما بكلِّ صراحة ووضوح، مع ضرورة ألَّا يخفي أحدهما عن الآخر أي أمر يتعلق بحل المشكلة، وفي النهاية، يتفقان على رأي موحد ومتكامل لحل الخلاف، ويكون رأيهما ملزمًا للطرفين، مما يساعد في معالجة القضية بشكل يرضي جميع الأطراف المعنية.

ولا تقتصر مهمة الحكمين على بحث النزاع بين الزوجين فحسب، بل تشمل أيضًا إقناع كل من الطرفين بأخطائه وضرورة تصحيحها من أجل إعادة الحياة إلى مجاريها الطبيعية؛ فإصلاح العلاقة لا يتطلب فقط حل الخلافات الظاهرة، بل يتطلب أيضًا تعزيز الوعي لدى كل طرف بأهمية التغيير والنضج العاطفي لتحقيق التفاهم والانسجام بينهما.

وفي الختام، يجب على الزَّوجين أن يقبلا نتائج التحكيم بكل تسامح ومرونة، دون عناد أو مكابرة، وعليهما أن يسلمَا لحكم الشَّريعة والعقل، وألَّا يدفعهما الكبرياء أو التَّصلب إلى رفض الحلول المقدَّمة في مثل هذه المواقف، كما ينبغي لكلِّ طرف أن يتخلى عن أنانيته وغروره، وأن يفتح المجال أمام الحكمين لتنفيذ مهمتهما الإصلاحية بحرية تامة، وقبول النتائج حتَّى وإن كانت ضد مصلحتهما، أو تتناقض مع ما كانا يظنان، وهذا السلوك هو ما يعيد بناء الثقة ويؤسس لعلاقة زوجية قائمة على التعاون والمرونة، مما يعزز استقرار الأسرة ويدفعها نحو النجاح والوفاق المستدام، ويوفر بيئة صحية للأطفال، ويؤسس أسسًا قوية لتعاون مستقبلي.

.....................................

الهوامش:

1. هداية العلم في تنظيم غرر الحكم: ج1، ص464.

2. المصدر نفسه: ج1، ص464.

3. بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث: ص77.

4. سورة النساء/ الآية: 35.

5. للمزيد ينظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج3، ص224- ص 227.

اضف تعليق