إن النهضة الحضارية في العراق تتطلب تكاملا وثيقا بين منظومة القيم الحضارية، التعليم الحديث، و الإصلاح الاقتصادي وخاصة في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. إذا تم تعزيز هذه الركائز الأساسية بشكل متكامل، فإن العراق سيكون قادرًا على تحقيق تنمية مستدامة وشاملة، مما سيسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية و النمو الاقتصادي...
يشهد العالم في الوقت الحالي تحولات كبرى تتطلب تحديثًا دائمًا لأنماط التفكير والنظم الاجتماعية والاقتصادية في كل المجتمعات. وفي هذا السياق، يواجه المجتمع العراقي تحديات جمة، لكن مع رؤية استراتيجية تعتمد على منظومة القيم الحضارية والتعليم الحديث والإصلاح الاقتصادي، يمكن تحقيق نهوض حضاري شامل ومستدام. هذه الثلاثية تمثل الأعمدة الأساسية لبناء مستقبل عراقي قوي ومتقدم وذلك كما يلي.
اولا، منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة:
تعتبر منظومة القيم العليا هي البنية الفلسفية الأساسية التي تُحدد هوية أي مجتمع. تتجسد هذه القيم في الإنسان، الأرض، الزمن، العلم، والعمل، وتعتبر الركائز التي تستند عليها جميع جهود التنمية والتقدم.
•الإنسان: يعد الإنسان هو المحور الأساسي في أي نهضة حضارية، حيث يساهم في صناعة المستقبل من خلال التعليم، التفاعل الاجتماعي، والإنتاج. في المجتمع العراقي، يجب أن تكون قيم الكرامة الإنسانية، الحرية، المساواة والتعاون هي الأسس التي تحكم أي مشروع حضاري. من المهم أن يشعر الفرد بقدرة على تحقيق ذاته في مجتمع لا يعاني من الفوارق الاجتماعية.
•الأرض: تعتبر الأرض أو الموارد الطبيعية جزءًا حيويًا في تطور أي مجتمع. في العراق، يجب أن تُدار الموارد الطبيعية (النفط، المياه، الزراعة) بحكمة ورؤية استراتيجية من خلال تنمية مستدامة توازن بين استثمار هذه الموارد وحمايتها للأجيال القادمة.
•الزمن: الزمن ليس مجرد وحدة قياس، بل هو أداة أساسية في رسم الخطط المستقبلية. ينبغي أن يكون لدينا رؤية استراتيجية طويلة المدى تستشرف المستقبل، وتؤسس لمرحلة جديدة من التنمية لا تقتصر على الحاضر فقط بل تراعي المستقبل أيضًا.
•العلم: العلم هو وسيلة التطور والنهوض. يجب أن يكون الاستثمار في العلم والتعليم هو الهدف الأول في أي خطة تنموية، ويجب أن يتوافر نظام تعليمي حديث يركز على تطوير مهارات التفكير النقدي والابتكار.
•العمل: العمل هو أساس تحقيق التنمية المستدامة. يجب أن يشمل هذا القطاع جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي تسهم في إنتاج الثروات و خلق فرص العمل، ويجب أن يتم تحفيز العمل من خلال منظومة تشجع على الإنتاجية والمبادرة.
ثانيا، النظام التعليمي الحضاري الحديث: النظام التعليمي هو العنصر الأساسي الذي يساهم في تطوير المجتمع وتشكيل عقلية الأفراد. إذا كان التعليم في العراق يسير وفق النموذج التقليدي الذي يعتمد على الحفظ والتلقين، فإنه يحتاج إلى إصلاح جذري ليتماشى مع الاحتياجات المستقبلية ويواكب العصر. يجب أن يعتمد النظام التعليمي على تعليم مهارات التفكير النقدي، حل المشكلات، و الإبداع. هذا سيعزز من قدرة الأجيال القادمة على الابتكار والتكيف مع المتغيرات العالمية، سواء في التكنولوجيا أو الاقتصاد أو *البيئة. و يجب أن يتوجه النظام التعليمي إلى تدريب الشباب على المهن التقنية و المهارات المتخصصة التي تتطلبها الأسواق المحلية والدولية، مما يسهم في مواكبة التطور التكنولوجي و الاقتصادي.
و من المهم أن يُدمج النظام التعليمي مع القطاعات الاقتصادية المحلية، من خلال الشراكات بين المدارس، الجامعات، والمصانع. هذا يُمكّن الشباب من اكتساب المهارات العملية التي يحتاجونها في سوق العمل، وبالتالي زيادة الفرص للنجاح الاقتصادي.
ثالثا، الإصلاح الاقتصادي: دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة: تعد المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أبرز محركات النمو الاقتصادي في أي دولة، خاصة في مرحلة إعادة البناء بعد فترات من الأزمات الاقتصادية. في العراق، تُعد هذه المشاريع حجر الزاوية في التحول الاقتصادي. المعروف ان المشاريع الصغيرة والمتوسطة تسهم في توفير فرص عملش، حيث يُعتبر القطاع الخاص من أهم مجالات الاقتصاد الذي يعتمد عليه الشباب في تفعيل الطاقات العاطلة. إضافةً إلى ذلك، فإن هذه المشاريع تمثل قاعدة تنوع اقتصادي مما يقلل من الاعتماد على قطاع واحد مثل النفط.
يحتاج أصحاب المشاريع الصغيرة إلى دعم مالي و حوافز حكومية للمساعدة في التغلب على التحديات الاقتصادية التي قد تواجههم. لذلك يجب على الحكومة العراقية تقديم قروض ميسرة وتقديم حوافز ضريبية لدعم رواد الأعمال.
كما يجب دعم التدريب والتأهيل لأصحاب المشاريع الصغيرة في مجالات الإدارة، التسويق، التطوير التكنولوجي مما يزيد من فرص النجاح لهذه المشاريع. كما يجب اقامة دورات تعليمية تركز على ريادة الأعمال وكيفية إدارة المشاريع الصغيرة والمتوسطة بنجاح. ومن الضروري توفير بيئة أعمال مناسبة من خلال تحسين البنية التحتية وتسهيل الإجراءات الإدارية للترخيص و إصدار التراخيص وغير ذلك مما سيكون له تأثير إيجابي على نجاح المشاريع الصغيرة في العراق.
إن النهضة الحضارية في العراق تتطلب تكاملا وثيقا بين منظومة القيم الحضارية، التعليم الحديث، و الإصلاح الاقتصادي وخاصة في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. إذا تم تعزيز هذه الركائز الأساسية بشكل متكامل، فإن العراق سيكون قادرًا على تحقيق تنمية مستدامة وشاملة، مما سيسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية و النمو الاقتصادي الذي يعود بالفائدة على عموم الشعب العراقي ويعزز من مكانة العراق بين الأمم المتقدمة.
اضف تعليق