ان هذا القرار جاء مستعجلاً ويجب اعادة النظر به مع العلم أن هناك آراء لكثير من المختصين ترى بأن أحد الاسباب الرئيسية لهذا القرار هو توفير دعم لكثير من المصارف التي ستنهار تدريجياً نتيجة قرار ايقاف سوق بيع العملة والتي كانت تعتمد عليه كلياً في ديمومتها...

قرار البنك المركزي العراقي الذي يلزم البائع والمشتري لأي عقار تزيد قيمته عن 100 مليون دينار بفتح حساب مصرفي، والتحقق من مصادر أموال المشتري، ومنح كتاب من المصرف الى دائرة العقاري المختصة لإتمام عملية تسجيل العقار هو في اعتقادي قرار مستعجل وغير مدروس بعناية وهو سلاح ذو حدين فالأهداف المعلنة لهذا القرار مقبولة ومفيدة حيث تركز على الشفافية والمراقبة لمنع غسيل الأموال وتدقيق الأموال المودعة ومعرفة مصدرها وتقليل حجم الفساد المستشري في البلد والذي أصبح رائحته تزكم انوف العراقيين، ولكن لو تناولنا مخرجاته السلبية لوجدناها كثيرة جداً وتفوق ايجابياته خاصة أنها ستؤثر على سوق العقارات وستمس المواطن البسيط ومن هذه السلبيات:

القرار لم يأخذ بنظر الاعتبار أن أصغر قطعة أرض بمساحة تبلغ 50 متر مثلاً في العاصمة بغداد يتجاوز سعرها السقف الأدنى المثبت في هذا القرار وهو 100 مليون دينار وهذا يعني في الواقع أنه سيشمل جميع عمليات البيع والشراء للعقارات عدا الأراضي الزراعية.

القرار اضاف تعقيدات كثيرة على عملية البيع والشراء فبالإضافة الى الإجرائيات السابقة في عملية تحويل ملكية العقار والتي لا تخلو من تعقيدات فلقد أضيفت إجراءات مراجعة المصرف وفتح حساب مصرفي للمشتري والبائع وتنظيم عقد بيع وشراء في المصرف واستحصال كتاب الى دائرة العقاري المختصة وبعدها العودة الى المصرف مرة أخرى لغرض تحويل الأموال من حساب المشتري الى البائع وبعدها تتم عملية السحب من قبل البائع ولكم أن تتخيلون كم ستستغرق هذه الإجرائيات من وقت وجهد وكلنا يعلم كيف تدور الامور في مصارفنا العراقية.

زيادة التكاليف حيث سيؤدي فرض التعامل مع المصارف إلى زيادة التكاليف على المشترين والبائعين، حيث ستفرض المصارف رسومًا على المعاملات وفتح الحسابات وهذه التكاليف الإضافية قد تؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين.

سيفتح هذا القرار أبواباً جديدة من الفساد والتلاعب حيث سيضطر كثير من المواطنين الى الاتفاقات الخارجية وتسجيل سعر البيع أقل من 100 مليون دينار للتهرب من هذه التعقيدات مما سيفتح باباً من المشاكل القانونية ناهيك عن الاتفاقات التي ستتم مع دوائر تسجيل العقاري واللجان المختصة وهو باب جديد للفساد.

سيلجأ الكثير من المواطنين الذين يرغبون ببيع عقاراتهم أن يرفع من سعر البيع ليغطي المصاريف والرسوم الاضافية التي سيتحملها من الإجرائيات الجديدة وبالتالي سترتفع أسعار العقارات بشكل عام.

سيكون هناك عزوف واضح من المستثمرين في سوق العقارات نتيجة هذا القرار وبالتالي سيخلق ركود كبير في سوق العقارات .

القرار أهمل واقع الأسرة العراقية الموجود والذي يعرفه الجميع بأن الأسرة عندما تمتلك بيت كبير ويتزوج الأولاد وتكبر الأسرة ويزيد أفرادها فيلجئون لبيع البيت وتوزيع الإرث وشراء بيوت صغيرة لتكوين أسر جديدة. الجميع يعرف بأن العراق يعاني من أزمة سكنية خانقة، وهو ما يستدعي تسهيل الإجراءات المرتبطة بنقل الملكية وتقليل العقبات أمام الملاك والمشترين ولا يستدعي زيادة التعقيدات في الإجرائيات.

ختاماً أرى بأن الحكومة العراقية عندما تريد أن تصدر قراراً فعليها أن تدرس تبعات القرار بروية وتدرس مخرجاته ومدى تأثيرها على المواطن البسيط وعلى الاقتصاد العراقي وأن تتأنى ألف مرة قبل تصدر القرار لأن من واجبها الوطني والانساني والدستوري هو حماية المواطن وتسهيل اموره وليس تعقيدها وتحميله أكثر من طاقته , لذا نرى أن هذا القرار جاء مستعجلاً ويجب اعادة النظر به مع العلم أن هناك آراء لكثير من المختصين ترى بأن أحد الاسباب الرئيسية لهذا القرار هو توفير دعم لكثير من المصارف التي ستنهار تدريجياً نتيجة قرار ايقاف سوق بيع العملة والتي كانت تعتمد عليه كلياً في ديمومتها, حيث ستوفر الإجرائيات الجديدة لهذه المصارف نوعاً من الديمومة والاستمرار في عملها بما ستحصل عليه من رسوم وعمولات من عمليات بيع وشراء الأراضي والعقارات.

* باحث وخبير اقتصادي

اضف تعليق