للثورة محركات مختلفة بعضها صالح يؤدي الى تحقيق الاهداف الخيرة للثورة، وبعضها سيء يجهض المفهوم السامي للثورة ويحولها الى مجرد حركة انتقامية دموية تحرق الاخضر واليابس، ويحدثنا التاريخ عن ثورات تحصل من اجل التحرر الوطني، وهي ثورات تنفجر بوجه الاستعمار الاجنبي مثل ثورة العشرين...

الثورة تعد من أسمى وأقدم المفاهيم التي تجسد رغبة الشعوب في التحرر والتحول والتغير نحو الأفضل. وهي غالباً ما تكون ضرورة ملحة لمواجهة الأوضاع السلبية التي تعاني منها المجتمعات، سواء كانت سياسية، اجتماعية، أو اقتصادية.

الثورة تعني أولاً السعي نحو التطور والتحرر من قيود الماضي. تسعى الشعوب من خلال الثورات إلى تحديث نظمها الحالية، وتبني قيم حديثة تدفع بالمجتمع نحو الأمام. التحرر يشمل كافة المجالات، من تحرر الفكر من الأفكار السلبية إلى تحرر المجتمع من الأنظمة الاستبدادية والظالمة.

والثورات تنبثق غالباً من القاعدة الشعبية وتجسد طموحات وآمال الناس في حياة أفضل. التغيير قد يكون على مستوى واحد من جوانب الحياة أو قد يشمل تحولاً شاملاً يهدف إلى إعادة بناء المجتمع بشكل كامل ليكون أكثر عدالة وإنصافًا.

كما ان العدل والمساواة هما في صميم أية حركة ثورية. تقف الثورات في مواجهة الظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وتسعى للقضاء على الطبقية والتمييز وكافة أشكال الاستغلال التي تعاني منها المجتمعات. من خلال الثورة، يمكن إعادة توزيع الثروات والسلطة بشكل عادل يحقق الانصاف لكل فرد من أفراد المجتمع.

التخلف عادةً ما يكون نتيجة للقيود الفكرية والاجتماعية. الثورة هي القوة الدافعة التي تهدف إلى تجاوز ذلك التخلف بتحفيز الابتكار، وتشجيع التعليم، واستنهاض الهمم للتقدم إلى مرحلة جديدة من الرفاهية والتطور العلمي والثقافي.

الثورة ليست مجرد تغيير للنظام أو الأحوال السائدة، بل هي حركة شاملة تسعى لتحقيق رؤية متكاملة لمستقبل أفضل. هي جهد جماعي مبني على الإدراك العميق لما هو خطأ وكيفية إصلاحه، بهدف بناء مجتمع يستطيع كل أفراده العيش بكرامة وعدالة.

حركة انتقامية

وللثورة محركات مختلفة بعضها صالح يؤدي الى تحقيق الاهداف الخيرة للثورة، وبعضها سيء يجهض المفهوم السامي للثورة ويحولها الى مجرد حركة انتقامية دموية تحرق الاخضر واليابس.

ويحدثنا التاريخ عن ثورات تحصل من اجل التحرر الوطني، وهي ثورات تنفجر بوجه الاستعمار الاجنبي مثل ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني في العراق وثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي والثورة الفيتنامية ضد الاستعمار الاميركي. وبعض الثورات تحصل من اجل اهداف سياسية مثل ثورة اكتوبر الروسية ضد حكم القيصر، والثورة الايرانية ضد حكم الشاه.

ولكن اسوأ انواع المحركات هي الطائفية حين يتمرد فئة من الناس على نظام الحكم القائم لاسباب طائفية بحتة مثل حركة داعش في العراق ضد الشيعة، وحراك بعض الجماعات المسلحة في سوريا ضد العلوين والشيعة. وهذا هو المحرك الطائفي للثورة. وهذه هي «الثورة الطائفية»، واستخدام مصطلح «الثورة» هنا مجازي فقط.

والطائفية كما عرّفها لي الذكاء الاصطناعي تُشير إلى تشكيل انقسامات أو تفضيلات مبنية على الانتماء الديني أو المذهبي داخل المجتمع. تحدث عندما تُعطى الأولوية لمصالح الجماعة الدينية أو المذهبية على حساب الوحدة الوطنية أو المصالح العامة.

تتجلى في تفضيل أعضاء جماعة معينة لأنفسهم في الموارد أو الفرص أو المعاملة، وقد تُؤدي إلى التمييز أو التوترات أو الصراعات بين الطوائف المختلفة.

في سياقات معينة، يمكن أن تُستغل الطائفية كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية من خلال تقسيم المجتمع إلى جماعات متنافسة أو متعارضة. بشكل عام، تُعتبر الطائفية عاملاً يُضعف نسيج المجتمع المتنوع ويُعيق الجهود نحو التكامل والتعايش السلمي بين مختلف مكوناته.

وبهذا تعد الطائفية واحدًا من العوامل التي يمكن أن تؤثر سلبًا على الثورات الشعبية للأسباب التالية:

1. الإنقسام الداخلي: الطائفية تخلق انقسامات داخل المجتمع بناءً على الهوية الدينية أو المذهبية. هذه الانقسامات قد تؤدي إلى تقسيم الحركة الثورية، وإضعاف وحدتها، وجعلها أكثر عرضة للصراعات الداخلية.

2. فقدان الدعم الشعبي: عندما تنحرف الثورة نحو الطائفية، قد يتراجع الدعم الشعبي لها.

فالكثير من المواطنين قد يرون أن التحرك لم يعد يعبر عن مصالحهم الوطنية أو الاجتماعية، بل يقتصر على مصالح طائفية ضيقة.

3. زيادة العنف والانتهاكات: في ظل الطائفية، قد يزيد مستوى العنف ويحدث انتهاكات ضد الجماعات الأخرى، مما يؤدي إلى فقدان الهدف الأسمى للثورة وتحوّلها إلى صراع أهلي.

عقيد صراع

4. استغلال القوى الخارجية: القوى الخارجية قد تستغل الانقسامات الطائفية داخل البلاد لدعم أحد الأطراف، مما يؤدي إلى تعقيد الصراع وإطالة أمده. هذا يمكن أن يعزز الأجندات الأجنبية ويقلل من فرص نجاح الثورة.

5. فقدان البوصلة والأهداف العليا: غالبًا ما تؤدي الطائفية إلى أن يتم التركيز على المسائل الطائفية بدلاً من القضايا الأساسية التي قامت الثورة من أجلها، مثل العدالة الاجتماعية، والحرية، والديمقراطية.

6. انعدام الثقة في المستقبل: عندما ترتبط الثورة بالطائفية، قد يفتقد المشاركون فيها الثقة في مستقبل يتسع للجميع، مما يعيق بناء السلام واستقرار المجتمع بعد نجاح الثورة.

بهذا الوصف، يمكن أن نرى أن الطائفية ليست محركًا فعالًا للثورات الشعبية، حيث تعمل على تفتيت الوحدة الشعبية والابتعاد عن الأهداف الوطنية الجامعة.

مشاهدة مقاطع الفيديو التي تنتشر على نطاق واسع وتصور عناصر الجماعات المسلحة في سوريا وهي تعتقل الافراد وتحقق معهم لا يترك مجالا للشك في ان هؤلاء الاشخاص تحركهم دوافع طائفية بحتة ضد المواطنين من الطوائف الاخرى وخاصة الشيعة والعلويين.

وهم في هذا لا يختلفون عن الدواعش الذين كانوا يقتلون الناس فقط لانهم من طوائف اخرى تعتبر كافرة او ضالة او مرتدة بحسب الفقه الداعشي.

ان هذه النزعة الطائفية والانتقامية لدى هؤلاء تنزع عنهم صفة الثوار وتنزع عن تحركهم صفة الثورة. ولا يبعد ان يصدق عليهم وصف «الارهابيين».

ان الصراع في سوريا شأن داخلي لا علاقة لنا به، وعلى الشعب السوري ان يقرر مصيره ومصير بلاده، لكن تحليل دوافع الجماعات المسلحة ووصف تحركها من حق الباحث الذي يشاهد الصورة من الخارج دون ان ينغمس بتفاعلاتها الداخلية.

اضف تعليق