إن كان اللاعنف سيد الموقف فإنه يُبرز أفضل ما لدى الطبيعة البشرية إلى الظهور، من عفو وسماحة وعزة وقوة وهو النصر الحقيقي الذي يُركع الخصم، ويمكن ذكر مثال تلك المرأة التي فقدت ولدها في أفريقيا الجنوبية حيث راح ضحية سلطة التمييز العنصري ضد السود، وحينما تمثل قاتل ولدها...

اثبتت الحروب الأخيرة ان العنف تكاليفه باهظة، فهل يستحق هذه التكاليف؟

ماهو الانتصار باللاعنف على الحرب بحسب رؤية الامام الشيرازي وهل يعد ذلك طوباوية خيالية؟

العنف مهما كان ضئيلا وقليلا فإنه كالنار التي تضرم في الهشيم لتتسع بلا حدود، حتى ولو كان هذا العنف على مستوى الكلام والشجار اللفظي "وإن الحرب أولها الكلام"، فما بالك إن كانت بدايتها من الأساس الحروب والمعارك وبأعلى مستوياتها، هذه التكاليف الباهظة الناتجة عن العنف تولد مضاعفات أخرى كإعصار يحرق الأخضر واليابس متعدية لكل حدود الإنسانية والأخلاق، وممارِسة لكل أنواع الفجور في الخصومة، ومنتهكة لكل الحرمات اللامشروعة، لا يسلم منها لا الميت السابق ولا الجيل اللاحق، حيث يبرز أسوأ ما في الطبيعة إلى الظهور، فأي قيمة تبقى لهذه التكاليف وأي فائدة أو نفع؟

وعلى العكس من ذلك؛ إن كان اللاعنف سيد الموقف فإنه يُبرز أفضل ما لدى الطبيعة البشرية إلى الظهور، من عفو وسماحة وعزة وقوة وهو النصر الحقيقي الذي يُركع الخصم، ويمكن ذكر مثال تلك المرأة التي فقدت ولدها في أفريقيا الجنوبية حيث راح ضحية سلطة التمييز العنصري ضد السود، وحينما تمثل قاتل ولدها أمامها قالت له: "إنني عفوت عنك، ذلك لأنه أشفى لغليلي وأشد عقوبة لك.."، مما لا يماثله أي ثأر او انتقام آخر.

وبناء على هذا الأساس؛ فالانتصار بالعنف -إن سمي انتصارا-هو الأمر الخيالي المستحيل الذي لن يتحقق، لا العكس؛ حيث الانتصار باللاعنف هو المستدام والمعترف به بقوة ومن قبل جميع الأطراف.

من هنا يرى الإمام الشيرازي أن العالم يتجه نحو منحنى التخلي عن العنف والتوجه نحو العقلنة، ذلك لأنه لا يصح إلا الصحيح حيث يقول: "لو ضغط الرأي العام العالمي على أن يبدل الرؤساء، آلة الحرب والهدم بآلة السلم والبناء، لكان للعالم اليوم وجه آخر وصورة أخرى تخلو إلى حد كبير من الفقر، والجهل، والمرض، والفوضى، والبطالة و...، وقد لا يصدِّق أحد: أن يتخلى العالم عن ترساناته العسكرية والنووية في الوقت الحاضر، لكن العقل يحكم بذلك في السنوات القادمة.. فإذا صار العقل سيد الموقف، انهارت تلك المؤسسات العسكرية، ونشأت مكانها المؤسسات العمرانية والاقتصادية التي نحن اليوم في أمس الحاجة إليها".

وهذا ليس من ضرب الخيال أو المثالية أو الطوباوية، وإنما تجربة خاضتها كل الأمم، فكم من حركات هادئة قد خُلِّدت، وكم من صراعات ثورية وعنيفة قد اضمحلَّت ولا أثر لها في التاريخ الغابر وحتى المعاصر، فالتاريخ لا يعترف بالثوار والمقاتلين كاعترافه بالمصلحين والمفكرين، ولم يضعهم يوما في قائمة العظماء، وأيام الثائر أو المقاتل لا تتعدى أيام حياته مهما كان في صدارة الأحداث والأخبار، أما المصلح الذي يعمل بهدوء يتجاوز حدود عمره ويبقى الملهم عبر الأجيال..

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث تحت عنوان: (الانتصار باللاعنف في رؤية الامام الشيرازي)

اضف تعليق