التعامل وفق القانون او النظام يكون في بعض الأحيان سبب من أسباب ازعاج المراجعين وارهاقهم، وما ندعو اليه في الوقت الحالي هو التوازن في التعامل مع المواطنين على شكل حالات منفردة، وعدم اتباع طريقة السلة الواحدة في إنجاز المعاملات...

قبل أكثر من عقد من الزمن اطلعت على حادثة حصلت خارج العراق وتحديدا في الهند، بطل الرواية أحد اقاربي، وينقل لي عن تجربته مع المستشفيات الهندية المتخصصة، حيث كان هذا الشخص يعاني من ضعف في أداء عضلة القلب، وبعد البحث طويلا عثر على علاج في مركز طبي بإحدى المدن الهندية.

لا يعرف اقاربي المبلغ الكلي الذي يجب عليه تأمينه لدى المستشفى قبل إجراء العملية، وبعد إجراءات الفحوصات وما يتبعها، اتضح ان مبلغه لا يكفي لإجراء العملية، ومن الطبيعي ان يتوقف كل شيء لحين إكمال المبلغ وتوديعه في صندوق المستشفى، لكن الطبيب المعالج امر بإدخاله صالة العمليات ومن ثم إكمال الإجراءات المتعلقة بالجوانب المادية، وقال بالحرف الواحد "المهم انقاذ حياة المريض وليس المبلغ".

هذه الجملة اختصرت جميع معاني الإنسانية ولا مجال للحديث عن حجم المكانة التي يعطيها هذا البلد لحياة الانسان واهمية إنقاذها، وقد يكون الطبيب من غير ملة او ديانة او مذهب، لكنه أدرك حجم الخطر المحدق بهذا الانسان واراد ان يكون منقذا قبل غيره.

بينما في العراق يخبرون المرافق للمريض بضرورة إكمال المبلغ أولا، ومن ثم الانتقال الى مرحلة فتح الطبلة والسماح له بالرقود في احدى غرف المستشفى، وكأن المعاملة تتم وفق قانون الخسارة والربح، ولا علاقة للإنسانية في الموضوع، مما اضطر البعض الى مغادرة المشفى بينما مريضهم يحتضر.

الوصول الى هذا النوع من التعامل المادي له مسببات كثيرة، أولها ان الانسان لم يعد صاحب قيمة عليا في المجتمع، فالكثير يستهين بالروح البشرية وسيان بين حياة الفرد او مماته، لذلك نجد المريض وان كان في حالة خطيرة وحرجة يمنع من الدخول الى صالة العمليات او غيرها لمجرد ان المبلغ غير كاف.

وفي كثير من الأحيان يكون المبلغ متوفر لدى عائلة المريض، لكن هنالك نوع من عدم المعرفة بقيمة التكلفة او نوع الحالة وما يتوجب عليهم اخذه من أموال، وفي نفس الوقت المستشفى يرفض الدخول وان تسبب بموت المراجع، فالأهم من ذلك هو المال وليس الحياة.

قد اُولام عند الحديث بهذه النبرة او اللغة، وقد يوجه لي بعض الانتقادات لكمية السلبية التي تحملها الكلمات والجمل السابقة، لكنها يا أصدقائي الحقيقية بأم عينها، ومن يريد التغاضي فهو لا يريد ان ينظر الى النصف الفارغ من الكأس، وربما الأحوال أكثر سوءا مما ينقل لنا داخل المستشفيات.

ونحن هنا لا نريد ان ننكر أهمية بعض المبادرات المجانية التي تطلقها بعض المراكز الصحية والمستشفيات، بالعكس خففت عن كاهل الكثير من الاسر المعوزة، واسهمت في انقاذ أرواح العديد من المرضى المحتاجين، وتأتي كتاباتنا هنا لإعطاء مساحة أكثر للجوانب الإنسانية.

إعطاء الإنسانية المساحة الأكبر يعني التعامل بروح القانون او النظام، فمثلا على سبيل المثال، بعض الأشخاص العجزة يراجعون دائرة ما لإنجاز معاملة معينة، فجد بعض الموظفين يتعامل معهم وكأنهم يعيشون العقد الثالث من عمرهم، يكلفهم بالصعود والنزول مرات عديدة لطوابق بناية الدائرة.

ولو أردنا التعامل بروح القانون من الممكن ان يتصل بزميله الموظف ويستفسر عن الحالة دون اللجوء او الاضطرار الى الصعود والنزول على سلالم هذه البناية، وفي اغلب الأحيان تخلو المؤسسات الحكومية من المصاعد الكهربائية، ما يجعل كبار السن في حيرة من امرهم.

التعامل وفق القانون او النظام يكون في بعض الأحيان سبب من أسباب ازعاج المراجعين وارهاقهم، وما ندعو اليه في الوقت الحالي هو التوازن في التعامل مع المواطنين على شكل حالات منفردة، وعدم اتباع طريقة السلة الواحدة في إنجاز المعاملات. 

اضف تعليق