ان المراكز البحثية لا يمكن إهمالها او التقليل من مكانتها، فهي تؤدي دورا رياديا في توجيه بوصلة العالم اليوم، ويعود ذلك لكونها أداة مهمة لإنتاج وإيجاد المشروعات الحيوية والملتصقة بحياة الفرد والمجتمع وفق منهج علمي رصين غير قابل للخطأ، شريطة ان تكون هذه الدراسات قد أجريت بتجرد كبير وأدوات بحثية صحيحة...
قبل دخولي المجال الأكاديمي كانت لديّ الكثير من الاعتقادات الخاطئة حول مكانة التعليم واهمية المراكز البحثية وما تشكله من عصب للحياة بالنسبة للمؤسسة الاكاديمية، ومن بين الاعتقادات الخاطئة هي ما احمله من نظرة تفاؤلية للمراكز البحثية الموجودة في الجامعات العراقية، حتى اتضح لي انها مجرد تسميات رنانة، لا تؤدي شيئا في الحقل الأكاديمي إلا ما رحم ربي.
المراكز البحثية ووفقا لوظيفتها العلمية، يفترض ان تحظى بمكانة فريدة داخل المؤسسة الاكاديمية، ذلك كونها من اساسيات عملية النهضة والتنمية الشاملة والفاعلة عبر الدراسات الاكاديمية التي تقوم بإجرائها، فهي من تضع الدراسات التطويرية والخطط التنموية لكل قطاع من القطاعات.
لكن ما يثير الدهشة هو الحيز البسيط الذي تعمل فيه هذه المراكز مع تهميش كامل لدورها العلمي، ومن صور التهميش هو عدم الاهتمام بها من الناحية المادية واللوجستية، لذلك لا غرابة عندما يكون النتاج بسيطا وغير مقنع على جميع المستويات.
قلة الدعم وتحديدا المادي للمراكز البحثية في الجامعات يجعلها أسيرة ومكتوفة الايدي عن إجراء الدراسات المساهمة في تغيير الواقع السيء نحو الأفضل، فالكثير من الدراسات تحتاج الى عشرات الملايين بالإضافة الى الطواقم البحثية وغيرها من الاحتياجات الضرورية لإنجازها، وفي الواقع لا تستغرب إذا وجدت الميزانية لهذه المراكز تساوي صفرا!
عدم تخصيص المبالغ المالية المطلوبة يعود الى امر غاية في الأهمية، وهو جهل المسؤول الأعلى في الهرم التعليمي بأهمية هذه المراكز وما تقدمه للعملية التعليمية، بالإضافة الى الجوانب الحياتية من الناحية الاقتصادية والصحية والعلمية وغيرها من الجوانب.
ولا يدرك هذا النوع من المسؤولين ضرورة اللجوء الى هذه المراكز لإعداد دراسات تعطينا مؤشرات عن الفقر والبطالة والعمالة الأجنبية وكذلك النقص في المدارس والمؤسسات الصحية، ومن ثم العمل على إيجاد حلول لها، وبدون هذه الدراسات تبقى الكثير من المشاكل عالقة بدون حلول وفي العادة بمثل هذه الأوضاع تكون الحلول عبارة ان أشياء ارتجالية لا تخضع للمسحة او الرؤية العلمية.
ما يحدث في مراكز الدراسات والبحوث في الجامعات شيء فيه ضرب من الخيال، فالكثير ممن يعملون بها غير متخصصين في المجالات البحثية، والادهى من ذلك انها أصبحت اشبه بمحطة او مكان لنفي الأساتذة المشاغبين ممن يتسببون بمشكلات دورية مع مرؤوسيهم وعليك ان تتخيل ولو لدقيقة حال هذه المراكز.
بينما البحث العلمي يعتبر من أهم النشاطات التي يمارسها العقل البشري، فمن المعروف أن تقدم الأمم ونهضتها الحضارية مرهونة برعايتها واهتمامها به وبتطبيقاته، ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، ومن أهمها مؤسسات ومراكز البحث في الجامعات، فهل انتبهت جامعاتنا الى هذه الحقيقة؟
والشيء المؤسف حقيقة ان المراكز البحثية في الجامعات العراقية، لا تتضمن دراسات منهجية عميقة في محتواها ودلالاتها الفكرية، فهي تكاد عديمة التأثير في الواقع والمجتمع، ولم تسعى لمواجهة التحديات التي تعترض طريق التنمية المستدامة وتحقيق النهضة الشاملة.
فالكثير من هذه الدراسات تبقى حبيسة الادراج ولم يؤخذ بنتائجها او توصياها وكأنها شيء زائد عن الحاجة او جانب ترفي، بينما في الواقع كان يفترض بأن تأخذ هذه المراكز دورها بفاعلية وتأثيرها في عملية صنع القرار السياسي في البلد.
وتسهم المراكز البحثية والدراسات في تغير سياسية بلد بأكمله بعد التوصل الى حقيقية معينة تخص الامن القومي او الاجتماعي، هذه بالنسبة للدول التي تعطي البحث العلمي مكانته الحقيقية ودوره لحل المشكلات الكبيرة عبر وضع الحلول الاستراتيجية لا الوقتية وهذا ما سارت عليه البلدان المتقدمة في نهضتها العمرانية.
وفي الخلاصة فان المراكز البحثية لا يمكن إهمالها او التقليل من مكانتها، فهي تؤدي دورا رياديا في توجيه بوصلة العالم اليوم، ويعود ذلك لكونها أداة مهمة لإنتاج وإيجاد المشروعات الحيوية والملتصقة بحياة الفرد والمجتمع وفق منهج علمي رصين غير قابل للخطأ، شريطة ان تكون هذه الدراسات قد أجريت بتجرد كبير وأدوات بحثية صحيحة.
اضف تعليق