في الحالة السورية؛ كانت سوريا الأسد تدرك أنها مستهدفة طائفيا، ولذلك عمقت علاقاتها مع الحلفاء المقربين للطائفة خلال أكثر من خمسة عقود من عمرها، لكن حينما طغت العقلية القومية على الدينية أخذت تتقرب إلى (أشقائها) العرب، وكانت النتيجة أن حصل ما حصل بلمح البصر. من هنا فإن الهوية الدينية...

هل سقوط الأنظمة الاستبدادية بسبب المؤامرات الخارجية أم أن هناك عوامل أخرى، وكيف تنظر الى الشرق الاوسط في ما بعد سوريا الأسد؟

الصراعات وبمختلف أشكالها وإن كانت تظهر نفسها على انها مدنية أو اجتماعية أو سياسية أو لهدف مواجهة الاستبداد أو متجهة نحو الديمقراطية والمطالبة بحقوق الأكثرية، إلا أنها بشكل فعلي "حروب هوية" أو بصريح العبارة لها أهداف طائفية بحتة.

ولو كانت السلطة الشرعية الحاكمة تدرك ذلك لما كانت تنهار بهذه الشكل المفاجئ والسريع.

في الحالة السورية؛ كانت سوريا الأسد تدرك أنها مستهدفة طائفيا، ولذلك عمقت علاقاتها مع الحلفاء المقربين للطائفة خلال أكثر من خمسة عقود من عمرها، لكن حينما طغت العقلية القومية على الدينية أخذت تتقرب إلى (أشقائها) العرب، وكانت النتيجة أن حصل ما حصل بلمح البصر!.

من هنا فإن الهوية الدينية هي الغالبة على جميع التقسيمات الأخرى من قطرية قومية او ولاء وطني أو اجتماعي وغير ذلك.. 

ولنا في التأريخ عشرات الأمثلة والعبر؛ من التاريخ المعاصر وحتى التاريخ الغابر..

فالتقسيم الذي حصل في يوغسلافيا السابقة كان تقسيما دينيا أوجد بوسنة مسلمة وأخريات من مذاهب شتى رغم كل القرب الاجتماعي والوطني الذي كان بينهم. 

وكذلك الإتحاد السوفياتي، والسودان الجنوبية والشمالية، والهند وباكستان.. وغيرها الكثير، بل وحتى الصراعات التي لها صبغة قومية كـ" قضية الأكراد" مثلا، نرى أن محور الطائفة هو الذي يعيّن مصيرهم ويرميهم إلى الطائفة التي ينتمون إليها فترى مثلا "الفَيلي" لا يصنف كرديا بقدر ما يصنف شيعيا.

وعليه لو كان الأسد بشار يصمد كما صمد أبوه حافظ الأسد من قبل لكان باستطاعته أن يحفظ تماسك سوريا، لأن المؤامرات كانت أشد في زمن الرئيس الراحل وأشد من الحقبة الثانية، ولكن إدراكه لهذه الحقيقة جعلته يتخذ ما يناسب من تحالفات سابقة كونه يعرف أن الغدر والخذلان سيطالانه من جهات أخرى مخالفة مهما كانت التحالفات والشروط. 

وهذا ما يسميه صاموئيل هنتنجتون بـ "خطوط التقسيم الحضاري" في كتابه "صدام الحضارات" حيث يقول: "تمر حروب خطوط التقسيم الحضاري بعمليات حدة واتساع واحتواء وتوقف، ونادرا ما تصل إلى حل، وتبدأ هذه العمليات عادة متوالية ولكنها غالبا ما تتراكم، وقد تتكرر وبمجرد أن تبدأ حروب خطوط التقسيم فإنها مثل غيرها من الصراعات الطائفية يصبح لها شكلها الخاص، وتتطور بأسلوب الفعل ورد الفعل، الهويات التي كانت في الماضي متعددة وعرضية تصبح مركزة ومتصلبة، فالصراعات الطائفية تسمى (حروب هوية) وهي تسمية ملائمة..".

وفيما يرتبط بمستقبل الشرق الأوسط بعد سوريا الأسد، يبدو أن هذا المجرى جار أيضا بناء على قاعدة: "استدل على ما لم يكن بما قد كان فإن الأمور أشباه.."، كما يقول أميرالمؤمنين عليه السلام.

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية تحت عنوان: (اسباب الانهيار السريع والمفاجئ لأنظمة الحكم.. سوريا انموذجا)

اضف تعليق