نشعر بأن أولادنا بعيدين عنا، بأفكارهم ومشاعرهم باردة، ينشغلون ويهتمون في عالم آخر، بل وجهتهم غير وجهتنا، وطريقهم غير طريقنا، يعيشون بأصدقائهم وزملائهم، لأنهم يعيرونهم الاهتمام والاحترام أكثر من أهلهم ومربيهم، كل هذا مرده إلى أن أصحاب العمر الواحد يتآلفون مع بعضهم ويفهمون لغة بعضهم ويتناغمون فيما بينهم...
إِن الفهم والإدراك لحياة الشباب وبناء الثقة معهم، يتطلب إيجاد أباً حانياً قريباً من ابنه يستمع له ويشجعه على الإفصاح عما يتعرض له وما يسعده وما يحزنه أو يغضبه، فهم بحاجة إلى من يحتضنهم وينصت إليهم ويمدهم بالرعاية والمساندة. إن أولادنا بحاجة أن نعيش بجوارهم ونرى ما يرون بأعينهم ونفكر بما يفكرون نشاركهم حياتهم ونطمئن عليهم من حين لآخر.
- التسامح:
يُعدّ التسامح أحد الأساليب المهمة والطرق الفعّالة في التعامل بين المربي والأبناء جميعاً، خاصة في تلك المرحلة من حياتهم، ونظراً لزخم تلك المرحلة بالأحداث والمواقف التي تفرضها مرحلة الشباب وثورتها، والتي يترتب عليها في كثير من الأحيان زلات ومشكلات، لذا فإن التسامح عنصر هام في الحياة الأُسرية حتى نتمكن من مدِّ يد المساعدة والعون لمن هم بحاجة لنا في أوقاتهم الصعبة والحالكة.
والتسامح يعني الشعور بالرحمة واللين والمحبة التي نحملها بداخلنا مهما كان هذا العالم الذي نحياه، وهذا يشكل قوة داخلية تسيطر على الغضب والكراهية والعدوان في داخلنا، وتزودنا بالحب والألفة، وهذا يغير مسارنا ويعدل من طريقة تعاملنا مع الأَبناء.
- الأبناء بحاجة لكتف رحيم وإلى رعاية فائقة، وبشاشة سمحة، وإلى وُدٍّ يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقص معارفهم وخبراتهم، هم بحاجة لقلب كبير يعطي ولا يحتاج إلى عطاء، ويحمل همومهم، وبهذا نُشرِّع نوافذنا لتمر نسمات التواصل والتواد الناعمة التي تظلل حياة الأسرة لتنعم بالسعادة والطمأنينة على مستقبل أبنائها.
أرجو أن لا يفسر ما أسلفت أنه دعوة مني للتسيب مع الأبناء أو ترك الحبل لهم على الغارب، بل لإيجاد العذر المناسب أحياناً لأخطائهم وعدم التصيُّد لها، لأننا إن وجدنا الأعذار نكون قد أمسكنا بأطراف خيوط المحبة والتسامح، التي توصلنا إلى أسباب الخطأ ومعالجته. إن مثل هذا الأسلوب في التعامل يضمن لنا تقبُل الشاب لتوجيهاتنا ونصحنا والتي تتعمق مع التجربة، ونجاحها ويصبح أكثر إنصاتاً وعملاً بما نسدي له.
- التحفيز:
إن التحفيز يعني الحماس والنشاط الدؤوب والعمل المتواصل، فقد يبدي الشاب استجابة في تعامله مع المربي، ويقوم بأداء مهامه بنفس راضية وعزيمة قوية، فالتحفيز ينمي الثقة بالنفس، ويعمل على استثمار الطاقات والقدرات ويصقل المواهب ويرتقي بأصحابه نحو النجاح. إن غياب التشجيع في بيئة الشاب يفقده الانسجام والتطور في شخصيته وسلوكه، وربما تبقى حياته بسيطة متواضعة، إنما من الصعوبة تحقيق إنجازات عظيمة وكبيرة في حياته ومستقبله.
ولو عدنا إلى الأسباب التي أدت في الكثير من الناس إلى الفشل والتراجع في أعمالهم، فسنجد أن الشعور بالإحباط والسلبية سِمة شخصيتهم، فكم تسمع بعض الأسر يصفون أبناءهم بالكسالى وعديمي الإنتاج، نتيجة الأخطاء التي يرتكبونها أو التقصير الذي يبرز في حياتهم الدراسية أو العملية.
عوامل التحفيز:
1- احترام الطرف الآخر: يشعره بأهميته ومكانته ويقوم هذا على التعامل مع الشاب بعدالة وموضوعية، دون تمييز أو تفرقة بينه وبين إخوته أو زملائه، وملاطفته وتحيته بعبارات رقيقة تشعره بالاحترام شكراً لك، لو سمحت، من فضلك.. وتقدير الإنجازات والأعمال التي يقوم بها خلال إظهار الرضا، والاستحسان إزاء ما ينتجه وعرضه على الزملاء والأقران والمحيطين به وحث الآخرين على الاستفادة من جهوده وعطائه.
2- استخدام المكافآت والتشجيع لتقدير الأعمال والأنشطة التي يقوم بها من خلال شهادات التقدير والمكافآت والهدايا، والقيام برحلات برية وبحرية وتقديم بطاقات التهنئة والمكافآت والهدايا في المناسبات والأعياد، والاتصال به للسؤال عن أحواله وحياته، وعمل له موقع على الانترنت ودعوته إلى العشاء وقضاء الأمسيات مع الأقارب والأصدقاء.
3- أسند إليه بعض المسؤوليات: عندما يُكلّف ببعض الأنشطة والمهام والمسؤوليات، ويقول له المربي بأنه يعتمد عليه ويثق في إمكانياته، بذلك يشعر أنه متميز ويلقى الاهتمام من مربيه ويشعره بقيمته وبقدراته فهذا يبعث الرضا في نفسه ويشجعه.
4- الاستمتاع والترفيه: إن ممارسة الأنشطة الاجتماعية يشجع الشاب ويدخل السرور على نفسه، خصوصاً تلك التي يتخللها الترفيه والتسلية التي تُدخل على النفس البهجة والمرح وتتناسب مع ميوله واهتماماته.
5- تعلَّم لغته: إن عالم الشباب ومشاكله مليء بالألغاز التي تحتاج إلى تعمُق في دراستها ومعرفتها والغوص في أعماقها من أجل بناء علاقة إيجابية مع هذا الجيل، حتى يتمكن من إيجاد الفهم المشترك والارتباط الوثيق ولغة التخاطب للحوار البنّاء. إن الفهم والإدراك لهذه اللغة يتطلب معرفة رغباته وما يشغله ويدور بداخله من اهتمامات وآمال وطموحات، ومعرفة المصطلحات والعبارات التي يحفظها أو يمر ذكرها أمامه وبذلك يتمكن من بناء الثقة والاحترام لشخصه وتضييق الفجوة وتعالج الأزمات ويصبح الأمر مسلياً وجاذباً.
فهذا يساعد على فهم نفسيته ومداخل شخصيته، فلكل واحد طابعه الخاص ومفتاحه الذي يمكنه من الولوج إلى عالمه، فيتعرف عليه ويدرك كنهه، ويسهل إقناعه والتأثير فيه، وهذا أيضاً ينمي الثقة والصداقة والارتباط الإيجابي الذي يمكن المربي من التعايش معه ليس بعيداً عنه، بل يعرفه عن قرب ويشاركه أفراحه وسعادته وآلامه وأحزانه، وفي كلتا الحالتين يحتاج الشاب إلى من يكبره سناً ويمتلك خبرة ودراية واسعة في شؤون الحياة، فمن يقف بجانبه ومعه يحرص عليه ويتمنى له كل سعادة ونجاح.
ففي كثير من الأحيان نشعر بأن أولادنا بعيدين عنا، بأفكارهم ومشاعرهم باردة، ينشغلون ويهتمون في عالم آخر، بل وجهتهم غير وجهتنا، وطريقهم غير طريقنا، يعيشون بأصدقائهم وزملائهم، لأنهم يعيرونهم الاهتمام والاحترام أكثر من أهلهم ومربيهم، كل هذا مرده إلى أن أصحاب العمر الواحد يتآلفون مع بعضهم ويفهمون لغة بعضهم ويتناغمون فيما بينهم، ذلك أن صداقتهم اختيارية وغير مفروضة عليهم فهناك التقاء وتقارب في التفكير والمشاعر والآمال، ونلمس انسجامهم وترابطهم. فإذا أردنا أن تبقى المسافة بيننا وبين أولادنا قريبة لا تشوبها الحواجز، ينبغي أن ندرس مرحلة تفكيرهم ونتعمق في فهمنا لمتطلباتهم ونلاحظ اهتماماتهم وما يلفت أنظارهم وما يشدهم لنا ويجمعهم بنا.
اضف تعليق