الميليشيات تُعرقل بناءَ الدَّولة بشكلٍ سليمٍ، إِذ من الواضحِ فإِنَّ مفهُوم الدَّولة ومفهُوم الميليشيات على طرفَي نقيضٍ لا يُجمعُ، فأَينَ ما انتشرَت الميليشيات في بلدٍ ما غابَت الدَّولة والعَكس هوَ الصَّحيح، فإِذا حضرَت الدَّولة في البلادِ غابت المِيليشيات. ولقد انتبهَ المُشرِّع إِلى هذهِ الحقيقةِ التي تُشكِّل حجَر الزَّاوية...
١/ إِنَّ إِنتشار الفصائل المسلَّحة التي تحتفِظ بسلاحِها وتشكيلاتِها العسكريَّة خارج سُلطة الدَّولة أَحد أَخطر المشاكِل المُزمِنة التي يُعاني منها العراق منذُ أَكثر من عقدٍ من الزَّمن.
ولقد فشلَت الدَّولة في تفكيكِها ودمجِها في مؤَسَّساتِها الدستوريَّة والقانونيَّة على الرَّغمِ من كُلِّ الجهودِ التي بذلَتها الحكومات التي تعاقبَت على السُّلطةِ في بغداد.
إِنَّها تُشكِّلُ تهديداً مُباشراً للعمليَّة السياسيَّة ولسيادةِ الدَّولة وهيبتِها وكذلكَ لمشاريعِها الإِستراتيجيَّة ومساعي الإِستثمار والتَّنمية المُستدامة.
كما أَنَّها تُزاحم الدَّولة في واجباتِها الدستوريَّة [كما أَشار إِلى ذلكَ القائد العام للقوَّات المُسلَّحة خلال ترؤُّسهِ الإِجتماع الطَّارئ لمجلسِ الأَمنِ الوطني (٢٠٢٤/١١/١٩) بأَنَّ قرار السِّلم والحَرب من إِختصاصِ الدَّولة وحدَها ولا يحقُّ لأَحدٍ سلبَ هذا الحقِّ منها].
كما أَنَّ الميليشيات تُعرقل بناءَها [الدَّولة] بشكلٍ سليمٍ، إِذ من الواضحِ فإِنَّ مفهُوم الدَّولة ومفهُوم الميليشيات على طرفَي نقيضٍ لا يُجمعُ، فأَينَ ما انتشرَت الميليشيات في بلدٍ ما غابَت الدَّولة والعَكس هوَ الصَّحيح، فإِذا حضرَت الدَّولة في البلادِ غابت المِيليشيات.
٢/ ولقد انتبهَ المُشرِّع إِلى هذهِ الحقيقةِ التي تُشكِّل حجَر الزَّاوية في بناءِ الدَّولة، فنصَّ في المادَّةِ [٩/ أَوَّلاً/ ب] من الدُّستور على ما يلي [يحظر تكوين ميليشيات عسكريَّة خارج إِطار القوَّات المُسلَّحة] كما أَنَّ قانون هَيئة الحشد الشَّعبي [٢٠١٦/١١/٢٦] نصَّ في الأَسبابِ الموجِبةِ لتشريعهِ على ما يلي [ومِن أَجلِ حفظِ السِّلاحِ بيدِ القوَّاتِ المُسلَّحةِ العراقيَّةِ وتحتَ القانُون وتعزيزِ هَيبةِ الدَّولةِ وحفظِ أَمنِها وجعلِ السِّلاحِ بيدِ الدَّولةِ فقط…شُرِّعَ هذا القانُون].
أَمَّا المرجعُ الأَعلى الإِمام السِّيستاني فلقَد كانَ واضحاً منذُ البِداية، أَي منذُ التَّغييرِ عام ٢٠٠٣ ولحدِّ الآن، في مبناهُ الشَّرعي بهذا الخصُوص إِذ قالَ ما نصُّهُ في خطبةِ الجُمعةِ بتاريخِ [٢٠١٤/٦/٢٠] [إِنَّ دعوةَ المرجعيَّة الدينيَّة إِنَّما كانت للإِنخراطِ في القوَّات الأَمنيَّة الرَّسميَّة، وليسَ لتشكيلِ مليشياتٍ مُسلَّحةٍ خارج إِطار القانون، فإِنَّ مَوقفها المبدئي من ضَرورةِ حصرِ السِّلاحِ بيدِ الحكومةِ واضِحاً، ومنذُ سقوط النِّظام السَّابق، فلا يتوهَّمَ أَحدٌ أَنَّها تُؤَيِّد أَيَّ تنظيمٍ مُسلَّحٍ غَير مُرخَّص بهِ بمُوجب القانون، وعلى الجهاتِ ذات العِلاقةِ أَن تمنعَ المظاهر المُسلَّحة غَير القانونيَّة].
وهوَ كما وصفَها النصُّ مَوقِفٌ مبدئِيٌّ منذُ التَّغيير واستمرَّ إِلى اليَوم عندما ذكرَت ذلكَ وكرَّرهُ المرجِعُ الأَعلى في بياناتِهِ الأَخيرة التي صدرَت عن مكتبهِ عقبَ استقبالهِ المُمثِّل الخاصِّ للأَمينِ العامِّ للأُممِ المتَّحدةِ في العراق بتاريخ [٢٠٢٤/١١/٤] المُنصرم.
٣/ السُّؤَال؛ إِذا كانَ الدُّستور والقانون قد رفعَ الشَّرعيَّة القانونيَّة عن الميليشيات، وإِذا كانَ المرجعُ الأَعلى قد رفعَ الشرعيَّة الدينيَّةِ عنها، فما الذي يحميها، إِذن، لتستمرَّ تحتفِظ بسلاحِها خارج سُلطة الدَّولة؟!.
أ/ لأَنَّ الفصائل لا تعترِف بالدَّولة وبكُلِّ ما يرتبط بها من نصوصٍ دستوريَّةٍ وتشريعاتٍ قانونيَّةٍ.
كما أَنَّها لا تعترِف بمُتبنَّياتِ المرجعِ الأَعلى الفقهيَّة فهي تصرِّحُ علناً وبشَكلٍ واضحٍ بأَنَّ [سلاحَها وولاءَها] للمُرشدِ الإِيراني الأَعلى.
ب/ بسببِ ضعفِ الدَّولة جرَّاء المُحاصصة والتَّنافُس الحزبي والكُتلوي بينَ مُختلفِ الأَطرافِ السياسيَّةِ المُشارِكةِ في العمليَّةِ السياسيَّةِ، فإِنَّ منها من يعتاشُ على سلاحِ الفصائلِ ويُتاجرُ بهِ ويُهدِّد ويبتزَّ بهِ أَطرافاً شريكةً لهُ.
الفصائلُ من جهتِها توظِّف هذا التَّنافُس لتحمي سلاحَها خارِج سُلطة الدَّولة.
بمعنى آخر أَنَّ هُناك تخادُماً بينَ السِّياسة والسِّلاح تستفيد منهُ كُلَّ الأَطراف لحمايةِ سُلطتِها وفسادِها وفشلِها.
٤/ تأسيساً على كُلِّ ذلكَ فأَنا شخصيّاً لا أَرى أَنَّ هناكَ حلّاً في الأُفقِ يُفضي إِلى حصرِ سلاحِ الفصائلِ بيدِ الدَّولةِ ويُفكِّك تنظِيماتها العسكريَّة لتسريحِ عناصرِها أَو دمجهِم بمُؤَسَّساتِ الدَّولةِ.
الدَّولةُ عاجِزةٌ عن فعلِ شيءٍ حقيقيٍّ على الرَّغمِ من أَنَّ الحكُومة الحاليَّة والتي سبقَتها من الحكُوماتِ أَدرجَت ملفِّ حصرِ السِّلاحِ بيدِ الدَّولةِ في برنامجِها الحكومي الذي على أَساسهِ منحها البرلمان الثِّقة!.
إِنَّها عاجزةٌ إِمَّا خَوفاً أَو تخادُماً والنَّتيجةُ واحدةٌ؛ إِنتشار سلاح الميليشيات في البلادِ وضعفِ الدَّولة ومُؤَسَّساتِها الدستوريّة.
وبذلكَ تكون الدَّولة قد خرقَت المادَّة [٥] من الدُّستور التي تنصُّ على أَنَّ [السِّيادةَ للقانُونِ].
نعم قد تفاوُضها الدَّولة لإِيقافِ نشاطِها العسكري المُريب، ولكن ليسَ أَكثر من ذلكَ، فمازالت جارتَنا الشَّرقيَّة قادرةٌ على توظيفِ هذهِ الفصائل في مشاريعِها السياسيَّة في المنطقةِ، فإِنَّ إِصبعها سيبقى على الزِّنادِ تحتَ الطَّلبِ.
هُناكَ حلٌّ آخر يُمكنُ تسميتهِ بـ [آخِر الدَّواء الكيِّ] يقضي بإِصدارِ المرجعِ الأَعلى [فتوى] تُحرِّم السِّلاح خارِج سُلطةِ الدَّولة غَير قابِلة للتَّفسيرِ والتَّحليلِ والتَّبريرِ، فإِذا لم تلتزِم بها الفصائِل فستُعرِّيها [الفتوى] على رؤُوسِ الأَشهادِ.
اضف تعليق