هل ترضيكم مشاهد الإبادة البشرية، وهل ترضيكم أن يكون جحيم الأرض أفناء بشر يماثلونكم في الخلق؟ اذا كان الامر يعنيكم، والانسان ـ أي انسان يعنيكم ـ؛ فأين موقفكم وأين خياركم.. خيار خاسر وبائس عندما يكون الصمت خياركم، وصوت الحق هو الذي يقوى على أن يكون علنا.. فالشعوب حية، وأصواتها لا تخرس...
بعد أن فقدنا الأمل في القانون الدولي، والقضاء الأممي، والعدالة الكونية، ومجلس الأمن، وحقوق الانسان، ودول العالم. بعد كل هذا اليأس القاتم، وبعد انتظار طال أمده، وبعد نداءات واستغاثات موجهة إلى جامعة الدول العربية.. وبعد، وبعد. لم يعد أمامنا الا أن نصرخ بوجه العالم، دولا وأنظمة ومنظمات و.. و.. ونبدأ من القوة الأعظم والوجود الأهم والرجاء المشروع والنداء المقدس.
نداء مخلص وحميمي إلى شعوب الأرض كافة. فهي وحدها التي تستحق أن نوجه النداء اليها، ونستغيث من العالم الذي لم يعطنا سوى الاذان الصماء، والعيون العمي والألسنة الخرساء، والعقول التي لم تعد لها بصيرة، والنفوس التي لم تعد بها رحمة.
نداء.. هو الوحيد المتبقي في حساباتنا، مع أن حساباتنا تدرك جيدا أن الشعوب مغلوبة على أمرها، مادامت الأسلحة الفتاكة بأيدي حكامها وجلاديها.. وأن هذه الشعوب لا تملك من حطام الدنيا الا أنفاسها، التي تخنقها السلطات الجائرة وتقيد حرياتها وتكتم أنفاسها التي تمني نفسها بقدر يسير من الهواء النقي.
نعم.. شعوب الأرض قوية بقيمها ونبلها ونضالها الباسل، من أجل إحقاق حقوقها وحقوق سواها من البشر الآمنين. كما ندرك كذلك أن شعوب الكون، شعوب لا يمكن قهرها جميعا وإلى الأبد، ذلك أن هذه الشعوب مهما تم اغتيال زعمائها، إلا أنها تنهض من جديد، وتستعيد سموها وحضورها البهي.
"الشعوب لا تقهر" شعار رددناه كثيرا، ونردده الآن وغدا، ذلك أننا ندرك جيدا أن الشعوب هي الأبقى، وكل من يقهرها ماله الزوال. ولأن البقاء لها، والبهاء لها، والاعتماد الكلي على تفهمها طبائع سواها من البشر؛ وجدنا أنفسنا نتوجه اليها بهذا النداء:
" يا شعوب العالم.. لماذا كل هذا الصمت؟"
صمت أمام كائنات بشرية تماثلنا وجوداً وحقوقا وإنسانية. كائنات تقتل في العلن، وتجوع في العلن، وتدفن في العراء علنا، وتهجر وتدمر بيوتها فوق رؤوسها. وأوطان تدمر في العلن، وأراض تغتصب في العلن، وأسلحة محرمة دوليا، تستخدم ايضا في العلن.
في العلن، تبوح أرقام الضحايا في غزة وفي لبنان، حتى يتحول البشر فيهما إلى نار ودم ودموع وتيه.. من دون أن يحرّك أحد ساكنا!
نعم.. شهدنا تظاهرات مخلصة ونبيلة ومشرفة في عدد من بلدان العالم. وتم قمع الكثير منها، وسكت متظاهرون بعد أن يئسوا من الاستغناء عن أصواتهم التي بحت.. وكأن لا وجود لهم، وكأن لا حناجر لهم، وكأن لا آذان تصغي اليهم، ولا عيون تبصرهم.!
الدمار يستمر ويزداد، والأرقام تتضخم معلنة عن كذا ضحية.. وكذا جرحى، وكذا معاقين.. الأرقام لا تتوقف والكيان الصهيوني لا يعنيه أن يسحق الانسان والعمران في غزة ولبنان.. لا عليهم، لأن العالم كله لا عليه، ولا قوة منصفة وعادلة وانسانية توقف هذه الهمجية الحيوانية التي يقودها الصهاينة. ذلك ان العالم مشغول بشؤونه. ولا شأن له بشؤون سواه من خلق الله.
اذن.. لم يعد أمامنا الا توجيه نداء استغاثة موجه إلى شعوب الأرض، بوصفها خيرا من يعرف سواها من الأحياء.. وكيف يموت سواهم تحت الأنقاض، وكيف تبلغ الايدي القذرة مداها، وهي تضغط على كل أنواع الأسلحة لتحقيق المزيد من الخسائر البشرية وبراءة الطفولة وحنان المرأة.. وتحقيق المزيد من الخراب والتوسع..
فيا ضمائر الشعوب في العالم كله، الا تؤرقكم مشاهد الموت والدمار، الا تستيقظ ضمائركم وانتم ترون بملء عيونكم ما تفعله (إسرائيل) بالبشر في غزة ولبنان؟!.
هل ترضيكم مشاهد الإبادة البشرية، وهل ترضيكم أن يكون جحيم الأرض أفناء بشر يماثلونكم في الخلق؟ اذا كان الامر يعنيكم، والانسان ـ أي انسان يعنيكم ـ؛ فأين موقفكم وأين خياركم.. خيار خاسر وبائس عندما يكون الصمت خياركم، وصوت الحق هو الذي يقوى على أن يكون علنا.. فالشعوب حية، وأصواتها لا تخرس مهما فعلت سلطات الظلام..
يا شعوب الأرض.. لقد آن الأوان إلى أن تتقدموا، وبنداءاتكم أن تعلو، ولخطواتكم أن تتقدم إلى الأمام.
اضف تعليق