القراءة الدقيقة للأوضاع بعد هذا القرار تشخص ان الحكومات غير عاجزة عن تطبيق القانون وفرض هيبتها في الشارع، بل إن بإمكانها وخلال أيام قليلة ان توقف الانتهاكات وتضع المواطنين على السكة الصحيحة، لكن الخلل الحاصل في عموم الوقت هو التأخر باتخاذ القرارات الصائبة ذات المقبولية الشعبية...

طلاب المدارس والجامعات والزائرين والمارين من اهل المدينة جميعا يتذمرون من وجود "التك تك" في منطقة باب طويريج المعروفة بالكثافة العددية بصورة يومية، وجميع الشرائح المذكورة تعاني عند المرور بهذه المنطقة من سوء تصرف أصحاب هذه الدراجات النارية، ويطالبون بمنعها من التجول ولكن لا يوجد من يسمع او يريد ان يرفع يداه عن اذنيه.

صاحب القرار في المحافظة استمع لصوت ربما كان ضئيل لكنه مؤثر قبالة الأصوات الأخرى، فيقال ان قرار المنع من دخول التك تك الى منطقة باب طويريج جاء بعد حادث تعرضت له ابنة اخت أحد القضاة، ويقال انها ابنته، أي كانت صلة القرابة في النهاية اتُخذ القرار وطُبق بصرامة.

مثل هذه القرارات ونتيجة لحاجة فعلية وشعبية لها، كان الاجدر بالحكومة المحلية ان تتخذها قبل سنين من الآن، فالداخل لمركز مدينة كربلاء من الجهة الجنوبية يتصور انه دخل مدينة في جنوب افريقيا او مدينة لم تصلها بعد مظاهر التحضر والرقي، ذلك لما يلاقيه من فوضى في السير والوقوف من قبل السائقين.

وجود هؤلاء بشكل غير منتظم وعشوائي مع ما يصدر منهم من تصرفات شخصية صبيانية مع الأهالي والزائرين، يجعل الزائر الى المدينة يتيقن من خروج اللوائح القانونية والمواد الضابطة للحركة العامة عن الخدمة، وهو بحد ذاته مؤشر غير ملائم لقدسية المدينة ومكانتها السياحية والاقتصادية.

المدينة يأمها ملايين الزائرين سنويا وكل زائر يكون ناقل لما يراه منذ دخوله وحتى الخروج، فبماذا يجيب عند سؤاله عن مدخل المدينة؟

الإجابة قد تكون اعتيادية بالنسبة لغير سكان المدينة، لكنها قاسية ومؤذية لأهاليها الذين لا يرغبون برؤية مدينتهم بهذه الصورة المحرجة امام الوافدين اليها من كل حدب وصوب، فالحديث عن هذه الظاهرة يثير الحزن والرغبة في التخلص منها بنفس القدر.

وينقل شهود عيان ان هذه المنطقة أصبحت جمع لأصحاب التكاتك من جميع المحافظات لا سيما القريبة من كربلاء المقدسة، ولهم العذر في البحث عن وسيلة لكسب العيش، لكن شريطة ان يكون ذلك وفق النظام العام المتبع في المحافظة وليس على حساب الفوضى.

قوبل قرار المنع بردود فعل غاضبة لكنها لا تشكل نسبة مقابل حالات الرضى والارتياح، والرفض يعود لمبدأ انساني بحت، لا يتعلق بعدم تطبيق النظام والقانون، فالكثير من المعتمدين على التك تك في توفير لقمة العيش، سيتعرضون الى الجوع او العوز بعد تفعيل هذا القرار ومن المرجح ان يشمل مناطق أخرى.

بعيدا عن البعد الإنساني فالقرار سليم جدا وفق مقياس الصح والخطأ، لا سيما وان بعض المدن العراقية حظرت دخول هذه الدراجة الى مراكزها او مناطقها بصورة عامة، حفظا على سلامة السير في شوارعها، فضلا عن المحافظة على حياة الافراد الذين يتخذونها وسيلة لإيصالهم الى أماكن عملهم.

يدور الحديث عن إيجاد طرق بديلة لسير أصحاب التكاتك بالقرب من منافذ المنطقة المذكورة "باب طويريج"، وهو ما يجعل مشاعر الإحباط تتسلل الى اغلبنا، وهو ما ينذر بالعودة السريعة الى الوضع السابق، والتغاضي عن تطبيق القانون او القرارات المتعلقة بتنظيم الحياة الاجتماعية.

القراءة الدقيقة للأوضاع بعد هذا القرار تشخص ان الحكومات غير عاجزة عن تطبيق القانون وفرض هيبتها في الشارع، بل إن بإمكانها وخلال أيام قليلة ان توقف الانتهاكات وتضع المواطنين على السكة الصحيحة، لكن الخلل الحاصل في عموم الوقت هو التأخر باتخاذ القرارات الصائبة ذات المقبولية الشعبية.

اضف تعليق