آراء وافكار - مقالات الكتاب

رأي الشعب

يبدو ان قضية المشاركة الشعبية الجادة لا تشكل عنصرا اساسيا من عناصر ثقافته الشعبية العامة، او ان رجال السياسة الذين تصدوا لحكم البلاد والتصرف بامور الدولة يحلو لهم القيام بذلك بعيدا عن سمع ونظر الشعب. وهذه هي صفة الانظمة الاوتوقراطية الانتخابية...

منذ عام ١٩٥٨ الى عام ٢٠٠٥ وبقدر ما اتذكر، لم يكن يؤخذ رأي الشعب في القضايا الكبرى المتعلقة بالبلد، في ١٤ تموز من عام ١٩٥٨ تم الغاء الملكية واعلان الجمهورية بدون اجراء استفتاء عام. في ذلك اليوم تم تعيين رئيس وزراء بدون انتخابات عامة، واستبشر الشعب بذلك وصفق له طويلا، في ٨ شباط عام ١٩٦٣ تم اقالة رئيس الوزراء وتعيين خلف له، وتشكيل مجلس تشريعي وايضا بدون اخذ رأي الشعب، في ١٧ تموز عام ١٩٦٨ تم اقالة رئيس الجمهورية وتعيين خلف له بدون انتخابات عامة، في ١٧ تموز عام ١٩٨٠ تم إقالة رئيس الجمهورية وتعيين خلف له من دون الرجوع الى الشعب. تولى الرئيس الجديد منصبه مدى الحياة.

في ٩ نيسان ٢٠٠٣ تم اقالة رئيس الجمهورية بدون اجراء انتخابات عامة، خلال هذه الفترة الطويلة تعود الشعب العراقي على تجري الامور بدون العودة اليه. مثلا قام العراق بغزو ايران في عام ١٩٨٠ بدون الرجوع الى الشعب. وحصل الامر نفسه في ٢ اب عام ١٩٩٠ حين غزا الجيش العراقي الكويت، لأول مرة خلال الخمسين سنة الاخيرة، اجري استفتاء عام على الدستور الجديد في عام ٢٠٠٥، ومنذ ذلك الحين اخذت تجرى انتخابات دورية لمجلس النواب الذي يقوم بدوره بانتخاب رئيس الجمهورية. 

لذلك نصف الانظمة التي قامت في العراق في الفترة المذكورة في هذا المقال بانها انظمة غير ديمقراطية لان الديمقراطية تعني حكم الشعب، بمعنى الرجوع الى الشعب في القضايا الكبرى مثل اعلان الحرب او تعيين رئيس الجمهورية وذلك عن طريق الاستفتاء العام او الانتخابات الدورية، وبشكل ما تقبل الشعب والاحزاب السياسية هذه الظاهرة المنحرفة عن جوهر الديمقراطية.

فلم ترفع الاحزاب السياسي شعار الديمقراطية بشكل جاد، ولم تخرج تظاهرات شعبية تطالب بالديمقراطية، ورغم كثرة الاستشهاد بآيات القران فان احدا لم يستشهد بقول بلقيس ملكة سبأ الذي يرويه القران بقوله: "ما كنت قاطعة امرا حتى تشهدون". وباستثناء اصرار السيد السيستاني، لم تصر الاحزاب على العودة الى الشعب واخذ رأيه في الامور التي تتعلق به. وبمرور الزمن سريعا، قسمت الاحزاب السياسية المناصب السيادية على اساس طائفي بدون الرجوع الى الشعب، وصار اختيار الاشخاص الذين يتولون هذه المناصب يتم وراء الكواليس باتفاقات يعقدها عدد محدود من الرجال بعضهم غير منتخبين اصلا. 

ونتيجة لهذا تولى بعض الاشخاص المنصب الاهم في الدولة اعني منصب رئيس مجلس الوزراء رجال لا يتمتعون بادنى درجة معقولة من الشعبية والمقبولية امثال مصطفى الكاظمي وغيره. وهذا يشكل انحرافا خطيرا عن هوية الدولة العراقية التي يحددها الدستور الدائم، بانها دولة ديمقراطية، واذا بها تقوم باقصاء الشعب عن الامور الاساسية . ان الديمقراطية لا تعني فقط اجراء انتخابات دورية ، وانما تعني ايضا حضور الشعب في كل القضايا التي تمس حياته. ولا يعزى هذا الى خمول الشعب العراقي. 

فهذا الشعب من الشعوب الحية والنشطة جدا، لكن يبدو ان قضية المشاركة الشعبية الجادة لا تشكل عنصرا اساسيا من عناصر ثقافته الشعبية العامة، او ان رجال السياسة الذين تصدوا لحكم البلاد والتصرف بامور الدولة يحلو لهم القيام بذلك بعيدا عن سمع ونظر الشعب. وهذه هي صفة الانظمة الاوتوقراطية الانتخابية. وهذا هو احد دواعي تركيزنا على الدعوة الى الدولة الحضارية الحديثة لانها دولة ترتكز على المواطنة والديمقراطية من بين امور اخرى وهذه الركائز لا تجيز التصرف بامور البلاد والعباد بدون اخذ رأي الشعب في ذلك عن طريق الانتخابات او الاستفتاء او النقاشات العامة او غيرها.

اضف تعليق