ان التفاعل الإنساني؛ طبع ووعي ومسؤولية ملقاة علينا جميعا، لا بوصفنا مسؤولين عن كل ما جرى ـ فذاك شأن يمكن أن يناقش وتتم دراسته وتسلط أضواء الحقيقة عليه ـ ولكن الأمر الآن، يتعلق بإنسانية الإنسان، بموقفه كإنسان، وبوجوده بوصفه بشرا يمتلك إرادته وموقفه وحنانه وانسانيته التي لا يمكن لها أن تنطفئ أو تذوب...
ليس من طبع الإنسان السوي؛ الوقوف متفرجا على مصائب الآخرين ومصابهم الجلل..
صحيح أن لكل إنسان قدرة على العطاء، ولكنه عطاء يختلف من شخص لآخر، لكنه في جميع الأحوال والظروف؛ لا بد أن يكون له حضور، ولو في حده الأدنى والمتعلق بالمشاركة في أحزان وهموم سواه من خلق الله.
إلا أن ما نجده الآن؛ وقوف عدد من الناس، وقوف المتفرج، الذي لا علاقة له بما يجري من حوله، ناهيك عن وجود قدر من التشفي واللامبالاة بالنسبة لعدد آخر من البشر، وذلك انطلاقا من الأسباب التي أدت إلى هذا المصاب من دون حذر ولا تأن ولا وعي.. ومن كانت هذه خصاله السلبية؛ لا بد أن تكون نتيجة حياته وبالا وكارثة.
ومثل هذا الموقف يسيء إلى إنسانية الإنسان ويضعه في موقع يجرد فيه من الطبع الإنساني، الذي جبل في المألوف على الحنان والمواساة والتفاعل الإنساني مع الآخرين.
وما يجري من تخريب ودمار وحرب دموية يشعلها الكيان الصهيوني الوحشي يوميا منذ عام على أخوتنا في غزة وفي لبنان ـ أيا كانت الأسباب ـ لا يمكن لأي منا السكوت عليه أو تجاهله أو اللا أدري أو اللا معلوم بشأنه.
النتيجة التي أمامنا والتي تنقلها الفضائيات لحظة بلحظة تشير إلى ايغال (إسرائيل) في قتل الانسان، قبل تدمير العمران. وهذا يعني أن الحقد الصهيوني ضد الانسان العربي على وجه التحديد، حقد معتق وشر أسود يسري في دماء هذا الكيان العنصري الأهوج.
فهل يمكن لأي منا الجلوس فوق تل التجاهل، والاتكاء على الذات، وليقتل من يقتل من عباد الله، من دون شعور أو إحساس أو قلق انساني أو تفاعل وجداني مع هذه الدماء الحارة، التي ملأت ارض غزة ولبنان، من دون يقظه لضمير انساني يسهم في إيقاف هذه الجرائم، التي تتجاوز حتى أبشع جرائم الحروب التاريخية؟!
إن البعض، يسعى إلى أن يحول دون وصول نيران الحروب اليه، وهو سعي أناني لا علاقة له بالروح الإنسانية التي عرفت بها وجبل عليها كل انسان سوي، وهي مترعة بالمحبة والتعاون والتفاعل مع الآخرين.
وليس غريبا ولا استثنائيا أن تقف روائية من كوريا الجنوبية، فازت أعمالها الإبداعية مؤخرا بأعلى واهم جائزة عالمية/ جائزة نوبل 2024، معلنة أنها لن تحتفل بفوزها الشامخ هذا، وهي تنال جائزة نوبل الباذخة ألقا ومالا وانتشارا؛ وذلك تضامنا مع شعبي غزة ولبنان، وهما يواجهان الموت بضراوة.
هان كانغ/ هذه الكورية الجنوبية؛ انسجمت مع نفسها ومع كتاباتها الفذة، التي وصلتنا منها ثلاث روايات هي ( النباتية، أفعال بشرية، الكتاب الأبيض ) من بين (18) عملا روائيا هو منجزها خلال (56) عاما من عمرها، وقد عرفت عنا نحن العرب وعاشت جراحاتنا وويلاتنا وحروبنا بإحساس صادق وتفاعل نبيل، اكثر بكثير مما نعرفه عنها جهلا وكسلا وسوء تقدير.
هان كانغ، التي لم يسمع الكثرة منا باسمها، إلا بعد فوزها بجائزة نوبل ـ علما بأن روايتها الثلاث كانت قد ترجمت إلى العربية منذ عدة سنوات.
لقد كانت هان كانغ تحمل مشاعر وأحاسيس إنسانية فائقة الصدق، وتفوقت على الكثيرين منا، وممن لم تتحرك عندهم رفة جفن ولا نبض قلب ولا هاجس مروءة.. وهم يشاهدون هذا القتل الجماعي الآثم والدمار الكبير، الذي أودى بمئات الشهداء وآلاف الجرحى وملايين المشردين والجائعين والنازحين، والذين لا مأوى لهم سوى السماء تخيم على وجودهم وهم في بلاء عظيم.
ان التفاعل الإنساني؛ طبع ووعي ومسؤولية ملقاة علينا جميعا، لا بوصفنا مسؤولين عن كل ما جرى ـ فذاك شأن يمكن أن يناقش وتتم دراسته وتسلط أضواء الحقيقة عليه ـ ولكن الأمر الآن، يتعلق بإنسانية الإنسان، بموقفه كإنسان، وبوجوده بوصفه بشرا يمتلك إرادته وموقفه وحنانه وانسانيته التي لا يمكن لها أن تنطفئ أو تذوب.
اضف تعليق